مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٥٢) .. الخطايا المُتعدّية

جواهر التدبر (٢٥٢)

الخطايا المُتعدّية

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– الضلال البعيد:
من المعلوم أن الشيطان هو العدو رقم واحد للناس في الجبهة الثاوية خارج ذواتهم، وأنه لا يحس بالرضى إلا بعد أن يصل بأوليائه إلى منتهى درجات الضلال، كما قال تعالى: {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا}[النساء: ٦٠]، فلماذا وصف الله الضلال بالبعيد وما المراد منه؟
يبدو لي أن الضلال البعيد يتضمن اجتماع الشرك بالله والكفر به مع ممارسة الصد عن سبيل الله أو ظلم الناس، بمعنى أنه تحول من جريمة لازمة تخص علاقة الشخص مع ربه إلى جريمة متعدية يتضرر منها عدد من الناس بسبب الظلم أو الصد عن سبيل الله، ومما يؤيد هذا الأمر قوله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيدا} [النساء: ١٦٧]، ويؤكد فداحة الجرم وعظمة العقاب في الآيتين اللتين تلتا الآية السابقة، وذلك في قوله تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا. إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا..} [النساء: ١٦٨، ١٦٩].
وبالطبع فإن هذا الأمر صورة من صور تشدد الإسلام في حقوق المخلوقين، ونستنبط من الآيات أن على الدعاة المسلمين الذين يمارسون الدعوة إلى الله في أوساط غير المسلمين أن يركزوا على الذين لا يقترفون الظلم ولا الصد عن سبيل الله، فإن إمكانية اهتدائهم تكون كبيرة!
وبالطبع فإن زيادة عدد المتضررين من الظلم أو الصد عن سبيل الله يزيد من فداحة الجرم، ويجعل إمكانية التوبة والاهتداء أشد بعدا وأقرب إلى المستحيل!

– الكفر المتعدي:
للصلاح منزلتان وهما الصلاح اللازم الذي يبقى علاقة حصرية بين العبد وربه، والصلاح المتعدي الذي يفيض بالإحسان من العبد إلى من حوله من الخلائق، ومن يمارس الأول يسمى صالح والآخر يسمى مصلح!
ومثل هذا التقسيم ينطبق على الكفر، فمن يبقى كفره بينه وبين الله يكون صاحب كفر لازم، ومن يحرص على التوسل بما يستطيع من أجل إخراج غيره من واحات الإيمان إلى صحاري الكفر يكون صاحب كفر متعد، وهذا الصنف هو الذي عناه المولى عز وجل بقوله: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النحل: ٨٨]، حيث يبوء بمستويين من العذاب، الأول عذاب الكفر بالله وما يترتب عليه من كفر بكثير من حقائق الإيمان، والثاني عذاب الصد عن سبيل الله والذي تتم ترجمته إلى صور من الإفساد المستمر لحياة الناس، بدلالة استخدام الفعل المضارع (يفسدون) الذي يفيد الديمومة والاستمرار، وهذا جرم أكبر من الكفر؛ ولذلك كان جزاؤه عذابا فوق العذاب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى