مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٣٦) .. مخاطر الغفلة

جواهر التدبر (٢٣٦)

مخاطر الغفلة

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– آفة الغفلة:
الغفلة آفة من آفات التراب الذي تكوّن منه الشق المادي من الإنسان، ومن هنا فإنه طبيعة بشرية وسليقة ترابية، لكن الإيمان يستطيع أن يضيق الخناق على الغفلة غير أنها لا تنفك عن الإنسان بصورة نهائية.
ولأن هذه الطبيعة حلقة من سلسلة النقص البشري، فقد وصف الله نفسه بأنه ليس (بغافل) عن ما يعمل الناس في عشر آيات من القرآن، وكلها جاءت في مقام التحذير للناس جميعا او لقطاعات منهم أو في سياق التوعد للظالمين!

– مراقبة أصحاب التخصصات:
لا شك بأن الإسلام يجعل العمل المهني من العبادات المتعدية، وهي أطول العبادات وقتا ومن أوفرها أجرا؛ لأنها ترتبط بحقوق الناس وبغاية عمارة الأرض التي هي غاية أساسية من غايات هذا الدين، كما قال تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}، أي طلب منكم عمارتها وتعبّدكم بإتقانها.
ولتعبد الله للمؤمنين بإتقان أعمالهم فقد قال لهم:{ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عن ما يعملون} [الأنعام: ١٣٢]، وقد بدأ بالجزاء المتمثل بالدرجات في الدنيا والآخرة، وختم بالتحذير بأن الجميع تحت رقابته تعالى، فهو لا يغفل عنهم ولا عن أي أحد في هذا الكون!

– الغفلة المانعة من الاستبصار بالماضي واستشراف المستقبل:
إن وقوع العقول والقلوب في الغفلة داء خطير يؤدي بأصحابه إلى الانشغال بالأقاويل عن الأعمال، وبالظنون عن الحقائق، وبالتفاهات عن عظائم الأمور، وبالشكليات عن المضامين، ومع المدى تتشكل لديه سدود تغطي على البصيرة الثاقبة التي ينتفع بها المرء في الحال والمآل، كما قال تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فهم لا يبصرون} [ياسين: ٩]، وكأن ركام الاهتمامات التافهة ينتصب ليشكل سدا يمنع الاستبصار العقلي والقلبي من أمام ومن خلف، ومن ثم فإن هؤلاء الغافلين لا يمكن أن يستخرجوا الدروس والعبر من الماضي، ولا يمكن أن يستشرفوا المستقبل لكي يتحكموا بالمآلات ويتجنبوا العواقب غير المرغوبة!
ومما يؤيد هذا الاستنباط أن الله حينما وصف أناسا من الذين عطلوا أسماعهم وأبصارهم وعقولهم عن العمل، ختم الآية بقوله تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف: ١٧٩]

– تحذير النبي من الغافلين:
لخطورة الغفلة على الإنسان في معاشه ومعاده؛ فقد شن القرآن الغارة على الغفلة وشنع بالغافلين، ووصل الأمر إلى تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من أن يصير من الغافلين، فقال له تعالى: {ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: ٢٠٥]، مع أنه تعالى قد رباه على عينه وأدبه فأحسن تأديبه!
وبجانب ذلك فقد حذر الله نبيه من طاعة الغافلين، فقال عز من قائل: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: ٢٨]؛ ذلك أن النتيجة واحدة بالنسبة لمن صار من الغافلين ومن أطاعهم؛ حيث تقسو قلوبهم ويهيمن عليها الشيطان، ثم تطيح بهم الأهواء وتنحطّ بهم النزوات!جواهر التدبر (٢٣٦) .. مخاطر الغفلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى