جوازُ الإنكارِ العلني على الحاكم الذي خالفَ الشريعةَ عَلَنًا
بقلم الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة
يقول السائل:ما قولكم فيمن يزعمُ أن الإنكارَ العلني على الحاكم الذي خالفَ الشريعةَ عَلَنًا غيرُ مشروعٍ ومخالفٌ لمنهج السلف، وأن المشروعَ هو الإنكار السري، أفيدونا؟
الجواب:أولاً: الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر من الواجبات الشرعية بضوابطه التي بينها العلماء، ويدلُ على وجوبه قوله تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}سورة آل عمران الآية 104.
وقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} سورة آل عمران الآية 110.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجابُ لكم) رواه أحمد وابن ماجة، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يدي الظالم، ولتأطرنَّه على الحقِّ أطراً، أو ليضربنَّ اللهُ قلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعننَّكم كما لعنهم) رواه الطبراني وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) رواه أحمد والترمذي، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله ليسألُ العبدَ يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكرَ أن تُنكره؟ فإذا لقنَ اللهُ عبداً حجته قال: يا رب رجوتك وفَرِقتُ من الناس) رواه ابن ماجة، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:(بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصحِ لكل مسلمٍ) رواه البخاري. وغير ذلك النصوص.
وفريضةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها شروطٌ وآدابٌ لا يتسعُ المقامُ لتفصيلها، ولكن أذكرُ أمراً مهماً وهو الخلاف في علنية الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكرِ أو الإسرار بذلك وخاصةً فيما يتعلق بمنكرات الحكام، وهو محلُّ السؤال، فقد أشاع السلفيةُ الجامية والمدخلية أنه لا يجوز الإعلانُ بإنكار المنكر على الحاكم مهما ارتكب من المنكرات، وجعلوا قولهم هذا هو قولَ السلف كما زعموا، وأن القولَ بعلنية الإنكار على الحكام ليس من منهج السلف.
وأدعياءُ السلفية هؤلاء ألبسوا ولاة الأمر هالةَ التقديس، ومنعوا إنكارَ المنكر علناً ولو ارتكب الحكامُ الكبائر جهاراً نهاراً، بل لو زنوا وشربوا الخمر على البث المباشر على التلفزيون الرسمي يُمنع انتقادهُم علناً، ولا ذكرُ أسمائهم لا تصريحاً ولا تعريضاً، كما قال بعض أدعياء السلفية المدخلية:[إنه لو قام الحاكم بالزنا لمدة نصف ساعة، وشرب الخمر على التلفزيون الرسمي، فإنه لا يصحُّ الخروجُ عليه، أو انتقادهُ على العلن. ولو أن ولي الأمر زنا نصف ساعة على التلفاز، فلا يجوز لك التحريضُ عليه، ولا ذكرُ اسمه لا تصريحاً ولا تعريضاً] فأي شرعٍ وأي دينٍ يقرُّ هذا المنكر، وهذا الهذيان، وإن السلفَ منكم براءٌ، وولي أمركم الزاني وشارب الخمر جهاراً نهاراً على التلفزيون على قولكم، تسقطُ ولايتهُ ويجبُ إقامةُ الحدِّ الشرعي عليه، إلا إذا أعطيتموه حصانةً دبلوماسية تحصنهُ من إقامة الحدود؟ وأين أنتم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ
تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)رواه مسلم. أجيبوا يا أدعياء السلفية!!
أوَ ما سمعتم وقرأتم كلام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال:[والإنسان إذا جَهَر بالمُنكَر فليس له حرمةٌ إذا جَهَر به بين الناس، فليس لمجاهرِ الفسق حرمةٌ في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أنَّ الغِيبة في حقِّ مَنْ أَظهرَ الفسقَ لا تكون غِيبةً إذا أَظهرَه ولم يستحِ] دروس للشيخ عبد العزيز بن باز 9/17.
وفي هذا المقام أردتُ أن أبينَ أن كلامَ السلفية الجامية والمدخلية غيرُ صحيحٍ، وأن السلفَ منذ الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى أعلام السلفية المعاصرة قد قالوا بعلنية الإنكار على الحكام، مع قولهم بالإنكار السري كما سيأتي.
ثانياً: إن الأدلة والشواهد على أن الإنكارَ على الحكام علانيةً كثيرةٌ ومنها:
(1) قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ففي الآية الكريمة وجوبُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً لجميع هذه الأمة، ولم تفرق الآيةُ بين الأمر والنهي العلني أو السري، لأن الأصلَ هو العلنيةُ لا السرية، ولم يردْ نصٌ شرعيٌ معتبرٌ في التحول عن هذا الأصل.
(2)قوله تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وفي هذه الآية أمرٌ مطلقٌ بالدعوة إلى الخير وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الأمرُ المطلق يفيدُ الوجوب، وهو عامٌ في كل أمرٍ ونهيٍ، ولم يُقيد ذلك الوجوب بالسرية ولا بالعلنية, والأصل في هذا هو العلنية، وهو ما يتوافق مع بقية النصوص الشرعية في القرآن والسنة.
(3)قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم. وهو حديثٌ عامٌ في النهي عن المنكر يشملُ كل نهي ولم يقيد ذلك الوجوب بالسرية ولا بالعلنية.
(4)عن جابر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (سيِّدُ الشُّهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله) رواه الحاكم وصححه، ورواه الخطيب، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقد جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أفضلَ الشهداءِ حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ورجلاً وقف أمام سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله. وجائر أي: ظالمٍ أو فاسقٍ، “فأمَرَه” أي: أمَرَه بالمعروفِ، ونهاهُ عن المنكَرِ، فقتَلَهُ الإمامُ الظالمُ بسبَبِ نُصحِه له، وفي الحديث دلالة على علانية الإنكار على الحاكم.
(5) قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) رواه أحمد وابن ماجه، وصححه العلامة الألباني. وفيه نصحُ الإمام وتوجيهه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر علانيةً أمام الناس لبيان عِظَمِ هذا الذنب المقترَف، وعِظَمِ المعصي، وأنه ليس له مهابةٌ من دون الله.
(6) عن سالمٍ عن أَبيه عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما قال: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ»رواه البخاري، ولم يُنكِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ابنِ عمر إنكارَه على خالدٍ ولا حتَّى صفةِ إنكاره بالعلن.
(7)قول النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا هابت أمَّتي أنَّ تقولُ للظَّالمِ يا ظالِمُ، فقد تُودِّعَ منهم)رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، وقال الهيتمي:[رواه أحمد والبزار بإسنادين ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح] مجمع الزوائد 7/262.
قال المناوي عند شرح الحديث: [فقد كانت عادةُ السلف التصريحُ بالإنكار] فيض القدير شرح الجامع الصغير 1/455.
(8)عن أبي ذر رضي الله عنه قال:(أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصالٍ من الخير، أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرَّاً) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/287.
(9)اعترض عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه في صلح الحديبية فقال له: (علام نعطي الدنية في ديننا). رواه البخاري. وفعلُ عمر رضي الله عنه كان نصيحةً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامَ أصحابه، ولم ينكر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ من أصحابه فعلَه ذلك، مما يدل على مشروعية الإنكار على الحاكم والنصح له علناً.
(10)اعتراضُ عمر بن الخطاب وبعض الصحابة رضي الله عنهم على أبي بكر رضي الله عنهم لقتاله مانعي الزَّكاة حيث قال لهم: (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا) وما زال أبو بكر رضي الله عنه يجادلهم حتى أقنعهم برأيه) رواه البخاري. واعتراضُ عمر رضي الله عنه وكثيرٌ من الصحابة رضي الله عنهم على رأي أبي بكر وإعلانهم لهذا الاعتراض والمجاهرة به يعتبر تقويماً له ومناصحته علانيةً، ولم ينكر أبو بكر عليهم فعلهم ذلك، ولو كان منكراً لأنكر عليهم.
(11)اعترض بلال رضي الله عنه مع جماعة من أصحابه على سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن الأرض المغنومة، وطالبوه بتقسيمها على الفاتحين، ورأى عمر رضي الله عنه وقفها على جميع المسلمين، وما زالوا يجادلونه حتى دعا الله عليهم، وكان يقول: اللهم اكفني بلالاً. رواه البيهقي في السنن الكبرى. وذكره ابن القيم في إعلام الموقعين. واعتراض
بلال رضي الله عنه مع جماعة من أصحابه على سياسة عمر في الأرض المغنومة علانيةً ولم ينكر عليه سراً. ولو كان الإنكار على الإمام علانيةً محرماً إلا بإذنه لأنكر ذلك عمرُ بن الخطاب عليهم، بل لو كان محرماً لم يجرأ صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل هذا المنكر، لأنهم أبعدُ الناس عن مقارفة المنكرات والمحرمات، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين في ذلك الوقت رضي الله عنه لم يجد وسيلةً لمجابهة معارضيه في هذه القضية إلا محاورتهم ثم الدعاء عليهم.
(12)عَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، قالَ: دَخَلَ المَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابنُ أُمِّ الحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقالَ: انْظُرُوا إلى هذا الخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} رواه مسلم. والشاهد أنه أنكر على ولي الأمر علناً، قال الإمام النووي:[هَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَالْإِنْكَارَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إِذَا خَالَفُوا السُّنَّةَ] شرح النووي على صحيح مسلم 6/152.
(13)عن طارقِ بنِ شهابٍ أنَّه قال: (أَوَّلُ مَن بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَومَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوانُ. فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فقالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنالِكَ، فقالَ أبو سَعِيدٍ: أمَّا هذا فقَدْ قَضَى ما عليه، سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ) رواه مسلم.
وفي هذه الحادثة دلالةٌ واضحةٌ على أن المنكرات العامة الواقعة من الحكام لا تبرأُ ذمةُ المسلم فيها إلا بالإنكار عليها علناً، فإنكارُ الرجلِ عليه فعلهُ ذلك أمام عموم المسلمين, وفي مصلى العيد ولم يسر له ذلك, ولما قام الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال مقولته المشهورة عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم المسلمين: (أما هذا فقد أدى ما عليه) فمقولة أبي سعيد (أما هذا) فإنها تدل على سقوط الوجوب عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم الناس. أما أولئك الذين لم ينكروا على الحاكم جهراً من عموم المسلمين الذين حضروا هذا الموقف فإنهم لم يقوموا بأداء الواجب عليهم، مع أنه من المعلوم ضرورة أنه لم يكن من بين كل أولئك الحاضرين من لم ينكر بقلبه أو أضمر في
نفسه مناصحة الحاكم (مروان بن الحكم) سراً فيما بينه وبينه. ومع ذلك فإن أبا سعيد رضي الله عنه بين أن من أدى الواجب عليه، هو من أنكر هذا المنكر الظاهر جهراً وأمام عموم الناس.
(14)عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ -زاد أبو داود: وَهُوَ يَدْعُو فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ-فَقَالَ: (قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم. وهذا فيه الإنكارُ العلني على الوالي أمام الناس في المسجد.
(15)عنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا، ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) رواه مالك في الموطأ ورواه الشافعي وأحمد والنسائي والبيهقي. وقال الشيخ شعيب الأرناووط في تخريج شرح السنة: إسناده صحيح. وهذا فيه الإنكارُ العلني على الوالي أمام الناس.
(16)عن موسى بن أنس قال: (خطب الحجَّاج بن يوسف النَّاس فقال: اغسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلُكم، فاغسلوا ظاهِرَهما وباطِنَهما وعراقيبَهما، فإنَّ ذلك أقربُ إلى جَنَّتكم، فقال أنس: صدق الله، وكذب الحجَّاج {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قال: قرأها جرًّا». رواه البيهقي في السنن الكبرى والطبري في تفسيره. فقد أنكر أنس بن مالك رضي الله عنه على الحجاج علانيةً وهو يخطب النَّاس.
(17)عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيد قال: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى
رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» رواه البخاري ومسلم. وزاد أبو داود: قَالَ: الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّى أَرْبَعًا، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: «عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا» قَالَ:«الْخِلَافُ شَرٌّ» رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة. ففي الحديث أنكر ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه على عثمان علانيةً.
(18)عن مروانَ بنِ الحَكَمِ، قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ وعَلِيًّا، وعُثْمانُ يَنْهى عَنِ المُتْعَةِ وأنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُما -أي: الحجِّ والعمرة، وهو القِرانُ، وهو مِنَ المُتعة لأنَّ فيه الترفُّهَ بتركِ أحَدِ السفرين- فَلَمَّا رَأى عَلِيٌّ أهَلَّ بِهِما: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ، قالَ: «ما كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أحَدٍ» رواه البخاري ومسلم. ففي الحديث أنكر عليٌ رضي الله عنه على عثمان علانيةً.
(19)عن عكرمة «أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَلَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ»»، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: «صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ» رواه البخاري، ففي الحديث أنكر ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه على علي رضي الله عنه علانيةً، ففلما بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فقَالَ: «صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ» ولم ينكر عليه.
(20)قولِ أبي بكر الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: «وإِنْ رَأَيْتُمُونِي عَلَى بَاطِلٍ فَسَدِّدُونِي» وفي لفظٍ: «وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي» رواه ابن جرير في «التاريخ» وابن هشام في «السِّيرة النَّبوية»، وقال ابنُ كثيرٍ: «وهذا إسناد صحيح» «البداية والنهاية» 5/248.
وفي هذا الأثر دعوةٌ صريحةٌ من أبي بكر رضي الله عنه للإنكار عليه إذا زاغ عن الحق. انظر online.com-https://www.msf
(21)قام عبد الله بن عمر رضي الله عنه للحجاج بن يوسف وهو يخطبُ في الحرم المكي فقال: (يا عدو الله! استحلًَّ حُرمَ الله، وخرَّبَ بيت الله، وقتلَ أولياءَ الله] سير أعلام النبلاء 3/230.
(22)قال الحجاج وهو يخطبُ عند الكعبة: (إنّ ابن الزبير بدَّلَ كلامَ الله، فقام ابن عمر فقال كذبتَ، لم يكن ابنُ الزبير يستطيعُ أن يُبدل كلامَ الله ولا أنت، قال إنك شيخٌ قد خرفت اقعد، قال أما إنك لو عُدتَ عُدتُ] سير أعلام النبلاء 3/230.
(23)قال الإمام النووي عند حديثه عن أثر أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (لو أتيت عثمان فكلمته…) قال النووي موضحاً قصدَ أسامة: [وَفيهِ الأَدبُ مع الأُمَرَاءِ واللُّطفُ بِهم وَوَعْظُهُمْ سِرًّا وَتَبْلِيغُهُمْ ما يقولُ النَّاسُ فِيهِم لِيَنْكَفُّوا عَنهُ، وَهَذَا كُلُّه إذا أَمكَنَ ذلك، فإِنْ لم يُمكنِ الوَعظُ سِرًّا وَالإِنكارُ فَلْيَفْعَلْهُ عَلانيَةً؛ لِئَلَّا يَضِيعَ أَصلُ الحَقِّ] شرح النووي على صحيح مسلم 18/118.
وهنالك وقائعُ أخرى كثيرةٌ عن الصحابة والتابعين والسلف ورد فيها الإنكارُ العلني على ولي الأمر.
وأما أعلام السلفية من المعاصرين الذين أثبتوا ـ في الجملة ـ الإنكارَ العلنيَّ بضوابطه، فمنهم:
(24)الشيخ العلامة عبد العزيز بنِ بازٍ حيث إنه:[سُئِل: ما ضابطُ الإنكار مِنْ حيث الإسرارُ والجهرُ به، وإذا لم يُجْدِ الإسرارُ فهل يُجهَر بالإنكار؟ وهل هنالك فرقٌ بين الحاكم والمحكوم في هذه المسألة؟ وكيف نوجِّه قصَّةَ أبي سعيدٍ الخُدريِّ مع الخليفة في تقديم الخُطبة على الصلاة، وقصَّةَ سلمان مع عمر في قصَّةِ القميص، وغيرَها مِنَ الوقائع؟
فأجاب:[الأصل أنَّ المُنكِر يتحرَّى ما هو الأصلحُ والأقربُ إلى النجاح، فقَدْ ينجح في مسألةٍ مع أميرٍ ولا ينجح مع الأمير الثاني، فالمسلم الناصح يتحرَّى الأمورَ التي يرجو فيها النجاح، فإذا كان جهرُه بالنصيحة في موضعٍ يفوت الأمرُ فيه، مِثل قصَّةِ أبي سعيدٍ، والرَّجل الذي أَنكرَ على مروانَ إخراجَ المِنبَر وتقديمَ الصلاة، فهذا لا بأسَ لأنه يفوت؛ أمَّا إذا كان الإنكار على أمورٍ واقعةٍ، ويخشى أنه إِنْ أَنكرَ لا يُقبَل منه أو تكون العاقبةُ سيِّئةً، فيفعل ما هو
الأصلحُ، فإذا كان في مكانٍ أو في بلدٍ مع أيِّ شخصٍ، ويظهر له ويرتاح إلى أنَّ الأصلحَ مُباشَرةُ الإنكار باللسان والجهر معه، فلْيَفعل ذلك ويتحرَّى الأصلحَ؛ لأنَّ الناس يختلفون في هذه المسائل: فإذا رأى المصلحةَ ألَّا يجهر، وأَنْ يتَّصِل به كتابةً أو مشافهةً فَعَل ذلك؛ لأنَّ هذه الأمورَ تختلف بحسَبِ أحوال الناس؛ وكذلك الشخصُ المُعين يحرص على السَّتر مهما أَمكنَ، ويزوره، أو يكاتبه، وإذا كان يرى مِنَ المصلحة أنه إذا جَهَر قال: فلانٌ فَعَل كذا، ولم تنفع فيه النصيحة السرِّيَّة، ورأى مِنَ المصلحة أنه ينفع فيه هذا الشيء فيفعل الأصلحَ، فالناس يختلفون في هذا، والإنسان إذا جَهَر بالمُنكَر فليس له حرمةٌ إذا جَهَر به بين الناس، فليس لمجاهر الفسق حرمةٌ في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أنَّ الغِيبة في حقِّ مَنْ أَظهرَ الفسقَ لا تكون غِيبةً إذا أَظهرَه ولم يستحِ] دروس للشيخ عبد العزيز بن باز 9/17.
(25)الشيخ العلامة الألبانيِّ حيث قال: [فإذا الحاكمُ خالف الشريعةَ علنًا، فالإنكار عليه علنًا لا مخالفةَ للشرع في ذلك، لأنَّ هؤلاء الذين يسمعون الإنكارَ -يعني: المنكر- مِنَ الحاكم -وإنكاره مُنكَرٌ- يدخلُ في قلوبهم فيما إذا لم يُنكَرِ المُنكَر مِنَ العالم على ذلك الحاكم؛ فهذا وجهُ حديثِ أبي سعيدٍ، لكنَّ هذا لا يناقض القاعدةَ التي جاء ذِكرُها في الرسالة]مِنْ درسٍ صوتيٍّ منشور على الشبكة العنكبوتيَّة.
(26)الشيخ العلامة ابنِ عثيمين حيث قال: [كذلك أيضًا في مسألةِ مناصحة الوُلَاة: مِنَ الناس مَنْ يريد أَنْ يأخذ بجانبٍ مِنَ النصوص وهو إعلانُ النكير على وُلَاة الأمور مهما تَمخَّض عنه مِنَ المفاسد، ومنهم مَنْ يقول: لا يمكن أَنْ نُعلِن مُطلَقًا، والواجب أَنْ نناصح ولاةَ الأمور سِرًّا كما جاء في النصِّ الذي ذَكَره السائل، ونحن نقول: النصوص لا يُكذِّب بعضُها بعضًا، ولا يصادمُ بعضُها بعضًا، فيكون الإنكارُ مُعلَنًا متى؟ عند المصلحة، والمصلحةُ هي أَنْ يزول الشرُّ ويحلَّ الخيرُ، ويكون سرًّا إذا كان إعلانُ الإنكار لا يخدمُ المصلحةَ، لا يزولُ به الشرُّ ولا يحلُّ به الخير] لقاء الباب المفتوح ٦٢/١٠.
وقال الشيخ العلامة ابنُ عثيمين أيضاً: [فإذا رأينا أنَّ الإنكار علنًا يزولُ به المُنكَرُ ويحصلُ به الخيرُ فلنُنْكِرْ عَلَنًا، وإذا رأينا أنَّ الإنكارَ عَلَنًا لا يزول به الشَّرُّ، ولا يحصل به الخيرُ بل يزدادُ ضغطُ الوُلاةِ على المُنكرينَ وأهلِ
الخيرِ، فإنَّ الخيرَ أَنْ نُنكرَ سِرًّا، وبهذا تجتمعُ الأدلَّة، فتكونُ الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكون علنًا: فيما إذا كُنَّا نتوقَّعُ فيه المَصلحةَ، وهي حصولُ الخيرِ وزوالُ الشَّرِّ، والنُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ الإنكارَ يكونُ سِرًّا: فيما إذا كان إعلانُ الإنكارِ يزدادُ به الشَّرُّ ولا يحصلُ به الخيرُ] لقاء الباب المفتوح ٦٢/١٠.
(27)الشيخ عبد الله بن قعود حيث قال: [فأنا أرى إن كان هذا الأمرُ الذي سيُنصح به أمرًا ظاهرًا ومعلَنًا وواضحًا، فالمُنكرُ المُعلنُ الواضحُ الظَّاهرُ أرى أنَّه لا حرجَ في أن يناصَح الحاكم من مواجهةً أو مِن عمودِ صحيفةٍ أو مِن مِنبرٍ أو بأيِّ أسلوبٍ من الأساليب، إذا كان المنكرُ واضحًا وواقعًا في الناس وعلنيًّا، فالقاعدة السَّليمةُ أنَّ ما يُنكَرُ إذا كان علنًا عُولج ونُصِح به علنًا] «شريط وصايا للدعاة: الجزء الثاني» للشيخ عبد الله بن حسن القعود.
(28)الشيخ عبدالمحسن العباد حيث قال: [وإذا ظهرت أمورٌ منكرةٌ من مسئولين في الدولة أو غير مسئولين سواء في الصحف أو في غيرها، فإن الواجب إنكارُ المنكر علانيةً كما كان ظهوره علانيةً] مقاله(حقوق ولاة الأمر المسلمين النصح والدعاء لهم والسمع والطاعة في المعروف)
(29)قال الشيخ محمَّد علي فركوس الجزائري:[أمَّا إذا لم يُمكِنْ وَعظُهُم سِرًّا في إزالةِ مُنكرٍ وقَعوا فيه علنًا، وغَلَبَ على الظَّنِّ تحصيلُ الخيرِ بالإنكارِ العَلَني مِنْ غيرِ تَرَتُّبِ أيِّ مفسدةٍ فإنَّه يجوزُ ـ والحال هذه ـ نصيحتُهم والإنكارُ عليهم عَلَنًا دون هتكٍ ولا تعييرٍ ولا تشنيعٍ، وهو ما تقتضيه الحِكمةُ مِنْ إنكارِ المُنكرِ وإحقاقِ الحقِّ وتحصيلِ الخيرِ، فقد أنكر الصَّحابيُّ الجليلُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضي اللهُ عنه على مروانَ بنِ الحَكَمِ في تقديمِهِ الخُطبةَ على صلاة العيد من غير تشهيرٍ ولا تأليبٍ، ولكنَّه كان علنًا على مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم مِنْ غيرِ نكيرٍ.أخرجه البخاريُّ] https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1260
ثالثاً: بعد استعراضِ الأدلةِ والشواهد وأقوالِ الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء الذين ذكرتهم ومَنْ لم أذكرهم، يظهرُ لي بطلانُ ما يزعمه الجامية
والمدخلية أن منعَ الإنكار العلني على الحكام هو منهجُ السلف حقيقة وأنه القولُ الوحيد في المسألة.
وفي الحقيقة والواقع أن المسألة فيها القولان: الإنكار العلني على الحكام، والإنكار السري عليهم، وأن الذي يحددُ أحدهما هو النظرُ في تحقيق المصلحة من الإنكار، فإن تحققت بالإنكار العلني فبها ونعمت، وإن تحققت بالإنكار السري فبها ونعمت أيضاً، وهذا ما قرره أهلُ العلم والشواهد على ذلك كثيرة يضيق المقام بذكرها، قال الإمام العيني في التعليق على أثر أسامة في تكليم عُثْمَان رَضِي الله عَنهما فِيمَا يَقع من الْفِتْنَة بَين النَّاس: […قَالَ الطَّبَرِيّ مَعْنَاهُ إِذا أَمن على نَفسه أَو أَن يلْحقهُ من الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِه،ِ رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَهُوَ مَذْهَب أُسَامَة، وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ على من رأى مُنْكراً من ذِي سُلْطَان أَن يُنكره عَلَانيَةً كَيفَ أمكنه، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَأبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِب أَن يُنكر بِقَلْبِه] عمدة القاري 15/166-167.
وأقول إذا كان كلُّ مَنْ ذكرتهم من الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء ليسوا من السلف؟! فهل الجامية والمدخلية هم سلفُ الأمة الذين يقررون منهج السلف؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ، وافتراءٌ مبينٌ!!
قال الشيخ محمد فركوس الجزائري: [عمومُ النصوص الشرعيَّة النَّاهية عن المُنكَر تدلُّ على مُطلَق الإنكار سرِّيًّا كان أو علنيًّا لا على الإنكار المُطلَق؛ لورود الضَّوابطِ المُقيِّدةِ له والمُستخلصةِ مِنَ القواعدِ الشَّرعيةِ العامَّةِ والمُستوحاةِ مِن المَقاصدِ والحِكَمِ المَرعيَّة ذات أبعادِ النَّظرةِ المَآليَّةِ، وهي تدلُّ ـبمُجمَلهاـ على مشروعيَّةِ الإنكار السرِّيِّ والعلنيِّ بجميع وجوههما إذا توفَّر شرطُهما وانتفى مانعُهما سواءٌ بالمشافهة السرِّيَّة أو الوسائل السرِّيَّة الأخرى أو كانت علنيَّةً بالمشافهة بحضرَتِه أو بالتصريح أو التعريض أو التلميح في غَيْبته] https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1263
وقال د. أحمد بن عبد الكريم نجيب: [إن تقييدَ الإنكار بالإشهار أو الإسرار أمرٌ تحكمه مقاصدُ الشريعة، ويجب ضبطه بضوابطها، ويُنظر إليه من خلال المصالح المترتبة على القيام به، والمفاسد المترتبة على تركه، وهذا يختلفُ بحسب الأمور المنكرة، وحال المنكِر، و المنكَر عليه، وأسلوب الإنكار، لذلك رأينا أئمة السلف ينكرون المنكر على الحاكم علانيةً تارةً، وخفيةً تاراتٍ أُخَر، فيما بينهم وبين الحاكم، دون أن يتحجَّر أحدُهم واسعاً، أو يحملَ الناسَ على رأيه مكرَهين] http://www.saaid.net/Doat/Najeeb/14.htm
وإن طالب العلم المنصف إذا أَمْعَنَ النظرَ فيما سبق من الأدلة والشواهد وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء، يجزمُ أن دعوى الجامية والمدخلية أن مذهبَ السلف حرمةُ الإنكار العلني أو بدعيته، قولٌ باطلٌ ليس له أساسٌ من الصحة، وأن مِنَ السلف مَنْ أخذ في مواقف، الإنكارَ في السر، وأن منهم منْ استعملَ الإنكار العلني في مواقف كثيرةٍ كما سبق، لذا فإن القولَ الصحيح في المسألة هو جوازُ الأمرين، والتفضيلُ بينهما يكون بحسب المصالح والمفاسد عند من يأخذ بأحدهما. وأقولُ لسلفية الجامية والمدخلية: أين شعاركم المرفوع “الكتاب والسنّة بفهم سلف الأمّة”؟! لقد ضربتم الشواهدَ والنصوصَ بعرض الحائط إرضاءً لأولياء أموركم، وما هذا الموقفُ بمستغربٍ عليكم لأنكم صنيعة أجهزة مخابرات الطغاة.
والذي أختاره هو الإنكارُ العلني لمنكراتِ الحكام وغيرهم، لأن منكراتُهم علنيةً، بل هم مَنْ ينشرُها ويعلنُ عنها عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ثم أقولُ لسلفية الجامية والمدخلية: قد ولى زمانُ التواصلِ مع الحكام مباشرةً، لا من العلماء ولا من غيرهم، فقد حالت القصورُ والحراساتُ بينهم وبين الرعية، وتمترسوا بحاشيةِ السوء ؟
ثم إن استدلال سلفية الجامية والمدخلية بالحديث:(مَن أرادَ أن يَنصَحَ لِذي سُلطانٍ فلا يُبدِهِ عَلانيةً ولَكِن يأخذُ بيدِهِ فيخلوا بهِ فإن قبلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ
قد أدَّى الَّذي عليهِ )رواه أحمد والحاكم وقال:(صحيح الإسناد). وردّه الذهبي بقوله: (قلت: ابن زبريق واهٍ).
أقول لا يجوزُ بناءُ حكمٍ في مسألةٍ فيها أدلةٌ كثيرةٌ على دليلٍ واحدٍ على فرضِ صحته وثبوتِه، فكيف وهو مطعونٌ فيه، ولا يتسعُ المقام للتفصيل، وقد فصَّل د. خالد الحايك الكلامَ على ضعف الحديث بعنوان “إِعلامُ البَرية بضعف حديث النصيحة السّرية” فانظره http://www.addyaiya.com/uin/arb/Viewdataitems.aspx?ProductId=348
رابعاً: إن أدعياء السلفية من الجامية والمدخلية قد تلاعبوا في النصوص الشرعية ولووا أعناقها حتى تُسند أقوالهم الباطلة، وإن المرءَ لا ينقضي عجبهُ عندما يسمعُ هؤلاء وهم يتحدثون عن ولاة أمورهم! فهل من يفعلُ هذه الطامات والجرائم الفظيعة والمنكرات هو ولي أمرٍ بالمفهوم الشرعي الصحيح؟ إن ولي الأمر في الشرع الحنيف هو الذي يقيمُ لواءَ الدِّين ويصلحُ الدنيا به، وهؤلاء المساكين يغدقون الألقابَ والأوصافَ على هؤلاء الظلمة، حتى إن المرءَ ليظنُ أن تلك الأوصاف لو قيلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم لاستكثرها! فكيف إذا أطلقت على من يحاربُ الله ورسوله ويحاربُ دينه جهاراً نهاراً!
ووصل الأمرُ بأدعياء السلفية هؤلاء إلى حدِّ اعتبار “بول بريمر” الحاكم العسكري الأمريكي الذي عينه الرئيسُ الأمريكي جورج بوش رئيسًا للإدارة المدنية بعد احتلال العراق وليَ أمرٍ، وعلى العراقيين السمع والطاعة له، ولا يجوزُ الخروج عليه، على فهمهم السقيم لحديث “ولو جلد ظهرك وسلب مالك”.
إن اعتبار أدعياء السلفية حكامَ اليوم من الطغاة والمحاربين لله ولرسوله ولدينه، ومن الكفار أيضاَ، أولياءَ أمرٍ وتسويتهم مع خلفاءِ الأمة الراشدين، أمرٌ عجيبٌ غريبٌ، وقد أنكرَ العلامةُ الألباني وانتقدَ ربيعَ المدخلي والجامي، فاستغرب كيف يعتبرون هؤلاء الطغاة أولياءَ أمرٍ] فقال:[ ربيع المدخلي هداه الله ألف رسالةً في جواز الاستعانة بالكفار ضد العراق، وهذه
مصيبة…الحكومة السعودية فُرضَ عليها دخولُ الأمريكان وليست هي من طلب ذلك…الرسالة فيها متناقضاتٌ المقصودُ منها تبريرُ هذا الواقع…أسأل الله أن يهدي المسلمين الى الفهم الصحيح، وأن لا يتعصبوا لحاكمٍ وأن يُعطلوا كلمةً شاعت في هذا العصر (ولي الأمر هكذا يريد) وليُ الأمر مَنْ هو ؟ هل هو عمر بن الخطاب؟ كل دولة تدعي أنها تحكم شرع الله يجب أن تشكل مجلس شورى يستشار، أما أن يقرر وليُ الأمر ولا يشاور ثم يفرض على أهل العلم أن يبرروا، وأن يسوغوا هذا الواقع، فهذا ليس من الاسلام في شيءٍ أبداً. الشيخ أمان- الجامي- حوله تساؤلاتٌ لعله متصلٌ مع بعض الجهات القومية هناك !!!]التفريغ منقول بمحتواه من صفحة الرد البديع على المرجئة وغلاة التبديع.
خامساً: يجب التفريقُ بين إنكار المنكر العلني وبين الخروج على الحاكم، لا كما يزعمُ سلفية الجامية والمداخلة أن كلَّ مَنْ أنكر منكراً بالعلن على الحاكم، أنه خارجٌ عليه بمجردِ الإنكار العلني، وأنه يكون خارجي المنهج وليس له علاقة بالسلفية؟!
قال د. أحمد بن عبد الكريم نجيب: [التفريقُ بين إنكار المنكر وبين الخروج على الحاكم، إذ ليس كل من أنكر منكراً على حاكم ذي سلطة -شرعية أو غير شرعية- خارجاً عليه بمجرد الإنكار، فضلاً عن أن يكون خارجي المنهج والفكر والمذهب، كما يصوره البعض، لأن الأمَّة مازالت تنكرُ على حكامها وولاة أمورها سرّاً وجهراً، بحسب الإمكان، وما يقتضيه الحال، ولم نقف في تاريخنا المديد على من اتُّهم بالخروج، أو نُسب إلى الخروج أصلاً، فضلاً عن أن يُنسب إلى الخوارج –كطائفة- لمجرد إنكار المنكر –علانيةً- على الحاكم، ودعوته إلى العدل والإنصاف وردِّ المظالم وإحقاق الحق. ويشهدُ لهذا ما ورد في تبويب صحيح مسلم بما يؤكد على التفريق بين الإنكار الواجب والخروج المحرم “بَابُ وُجُوبِ الإِنْكَارِ عَلَى الأُمَرَاءِ فِيمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ”. وما رواه ابن ماجة في سننه بإسنادٍ صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)، وفي رواية:(كلمة
حقٍّ).. وما صح في سننه أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ عند الجمرة الأولى،فقال: يا رسول الله أيُّ الجهاد أفضل؟ فسكت عنه. فلما رمى الجمرة الثانية سأله، فسكت عنه. فلما رمى جمرة العقبة وضَعَ رِجْلَه في الغَرْز ليَركب، قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: (كلمةُ حقٍّ عند ذي سلطان جائر).
قلتُ: لو كان إنكارُ المنكر على السلطان الجائر منكَراً، لما كان القيام به أفضل الجهاد في سبيل الله! ولما جعل من قُتِل دون ذلك في مقام سيِّد الشهداء، كما صحَّ بذلك الخبُر عن النبي صلى الله عليه وسلَّم إذ قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله) رواه الحاكم في مستدركه عن جابر بإسناد صحَّحه، وأقرَّه الذهبي] http://www.saaid.net/Doat/Najeeb/14.htm
وورد في فتاوى الشبكة الإسلامية:[إن انتقاد الأوضاع الفاسدة, وبيان الحقائق, وإنكارَ المنكرِ الظاهرِ حسب المراتب المبينة في الحديث ليست خروجًا على السلطان, ولا بغيًا على الإمام, وبعضُ الناس قد يخطئ فيظنُ أن كلَّ من أمر بمعروفٍ, أو نهى عن منكرٍ, أو دعا إلى إصلاحٍ أنه خارجٌ على ولي الأمر] https://www.islamweb.net/ar/fatwa
وخلاصة الأمر أن الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر من الواجبات الشرعية بضوابطه التي بينها العلماء.
وأن فريضةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها شروطٌ وآدابٌ لا يتسعُ المقامُ لتفصيلها، ولكن أذكرُ أمراً مهماً وهو الخلاف في علنية الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكرِ أو الإسرار بذلك وخاصةً فيما يتعلق بمنكرات الحكام، وهو محلُّ السؤال
وأن السلفيةً الجامية والمدخلية أشاعوا أنه لا يجوز الإعلانُ بإنكار المنكر على الحاكم مهما ارتكب من المنكرات، وجعلوا قولهم هذا هو قولَ السلف كما زعموا، وأن القولَ بعلنية الإنكار على الحكام ليس من منهج السلف.
وأن أدعياءَ السلفية هؤلاء ألبسوا ولاة الأمر هالةَ التقديس، ومنعوا إنكارَ المنكر علناً ولو ارتكب الحكامُ الكبائر جهاراً نهاراً، بل لو زنوا وشربوا
الخمر على البث المباشر على التلفزيون الرسمي يُمنع انتقادهُم علناً، ولا ذكرُ أسمائهم لا تصريحاً ولا تعريضاً.
وأنني أردتُ أن أبينَ أن كلامَ السلفية الجامية والمدخلية غيرُ صحيحٍ، وأن السلفَ منذ الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى أعلام السلفية المعاصرة قد قالوا بعلنية الإنكار على الحكام، مع قولهم بالإنكار السري.
وأن الأدلةَ والشواهد على أن الإنكارَ على الحكام علانيةً كثيرةٌ، وقد ذكرت (29) منها بالتفصيل.
وأنه بعد استعراضِ الأدلةِ والشواهد وأقوالِ الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء الذين ذكرتهم ومَنْ لم أذكرهم، يظهرُ لي بطلانُ ما يزعمه الجامية والمدخلية أن منعَ الإنكار العلني على الحكام هو منهجُ السلف حقيقة وأنه القولُ الوحيد في المسألة.
وأنه في الحقيقة والواقع أن المسألة فيها القولان: الإنكار العلني على الحكام، والإنكار السري عليهم، وأن الذي يحددُ أحدهما هو النظرُ في تحقيق المصلحة من الإنكار، فإن تحققت بالإنكار العلني فبها ونعمت، وإن تحققت بالإنكار السري فبها ونعمت أيضاً.
وأن أدعياء السلفية من الجامية والمدخلية قد تلاعبوا في النصوص الشرعية ولووا أعناقها حتى تُسند أقوالهم الباطلة، وإن المرءَ لا ينقضي عجبهُ عندما يسمعُ هؤلاء وهم يتحدثون عن ولاة أمورهم! فهل من يفعلُ هذه الطامات والجرائم الفظيعة والمنكرات هو ولي أمرٍ بالمفهوم الشرعي الصحيح؟ إن ولي الأمر في الشرع الحنيف هو الذي يقيمُ لواءَ الدِّين ويصلحُ الدنيا به، وهؤلاء المساكين يغدقون الألقابَ والأوصافَ على هؤلاء الظلمة، حتى إن المرءَ ليظنُ أن تلك الأوصاف لو قيلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم لاستكثرها! فكيف إذا أطلقت على من يحاربُ الله ورسوله ويحاربُ دينه جهاراً نهاراً!
وأنه قد وصل الأمرُ بأدعياء السلفية هؤلاء إلى حدِّ اعتبار “بول بريمر” الحاكم العسكري الأمريكي الذي عينه الرئيسُ الأمريكي جورج بوش رئيسًا للإدارة المدنية بعد احتلال العراق وليَ أمرٍ، وعلى العراقيين السمع والطاعة
له، ولا يجوزُ الخروج عليه، على فهمهم السقيم لحديث “ولو جلد ظهرك وسلب مالك”.
وأنه يجب التفريقُ بين إنكارِ المنكر العلني وبين الخروج على الحاكم، لا كما يزعمُ سلفية الجامية والمداخلة أن كلَّ مَنْ أنكر منكراً بالعلن على الحاكم، أنه خارجٌ عليه بمجردِ الإنكار العلني، وأنه يكون خارجي المنهج وليس له علاقة بالسلفية؟!
وأقول ختاماً إنه إذا كان كلُّ مَنْ ذكرتهم من الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء ليسوا من السلف؟! فهل الجامية والمدخلية هم سلفُ الأمة الذين يقررون منهج السلف؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ، وافتراءٌ مبينٌ!!
والله الهادي إلى سواء السبيل