مقالاتمقالات مختارة

جواب السائل عن الوباء والنوازل (1-10)

جواب السائل عن الوباء والنوازل (1-10)

بقلم د. أسامة جادو

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

تمر بنا أحداثٌ جسامٌ تجعل الحليم حيراناً، ويشيب لها الولدان، فلم تترك كارثة ” فيروس كورونا ” بلداً إلا ونزلت به وأحلت به الكوارث والنكبات ، وأصاب الناس من الفزع والهلع والخوف الشديد ما جعلهم في كرب عظيم  ونسألُ الله تعالى أن يلطفَ بأمتنا الإسلامية وأن يتعافى المصابون ويرحم الموتى و يخلف على الناس خيراً مما فاتهم ، ويجبر كسرهم.

وقد طلبَ إلي بعضُ الإخوة الأكارم أن أجيبهم على هذه الأسئلة التي تتردد على ألسنة الناس ويتوجهون بها إلى دور الإفتاء طالبين معرفة الحكم الشرعي فيها، وأستعين بالله تعالى طالباً منه التوفيق والسداد و القبول.

السؤال الأول :

هل وردت أخبارٌ بالحجر الصحي عن عصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو الصحابة؟ وما هو الحكم الشرعي للحجر و أقوال العلماء وأئمة المذاهب فيه؟

أحب أن أبدأ أولاً بتعريف موجز عن الحجر الصحي:

مقصود به إذا وقع الوباء ببلد فلا يجوز الخروج من البلد الذي وقع فيه و لا يجوز الدخول إليه، حتى ينتهي الوباء ويرتفع البلاء، وهذا مفهوم من الحديث الذي رواه الإمامُ مسلمٌ في صحيحه :” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ”.

وحكمة المنع من الخروج حتى لا ينتشر المرض، ويتمَّ السيطرة عليه، وهذه إجراءات وقائية وتدابير احترازية.

ثانياً : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ”. [حديث حسن، رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما]

فلا يجوز أن يتسبب الإنسان في الإِضرار بنفسه فيعرضها للتهلكة والمرض، و قوله تعالى: [و َلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، الذي ينهى عن تعريض النفوس إلى ما فيه هلاكها، بلا ضرورة ملجئة، سواء كان الإضرار مادياً أم معنوياً، ولا يجوز له أن يلحق الضرر بالآخرين سواء أهل بيته أو جيرانه أو زملائه في العمل أو إخوانه في المسجد، فلا يكون المسلم سبباً في نشر العدوى و بث المرض بل إن العلماء أكدوا على حرمة من يتسبب في انتشار العدوى ونقل المرض.

ثالثاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التهاون في التعامل مع صحة النفس و سلامتها، وجاء الأمر النبوي أن يفرَ الإنسان من الشخص المريض بالجذام حيث قال صلى الله عليه وسلم: ” وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ” رواه الإمامان البخاريُّ و أحمدُ رضى الله عنهما، قال الحافظ المناوي: “ومن ذلك الخوف من المجذوم على أجسامنا من الأمراض والأسقام، فصون النفوس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب. [انظر الفروق للإمام القرافي 4/237 وهامشه 4/ 258].

وقد ورد في سنن إبن ماجه رضى الله عنه أَنَّهُ كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ”. ولا يخفى على اللبيب حكمةُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التصرف، فهو يعتذر من هذا الرجل المريض المجذوم ويطلب منه أن يرجع ولا يُقدمُ على المدينة، ويعلمه أنَّ بيعته قد تمت وأنَّه معذور بمرضه.

رابعــاً : قد سبق في عهد الصحابة الكرام أن امتنع سيدنا عمر بن الخطاب ومعه جموع الصحابة من دخول الشام حين وقع طاعون عمواس، ففي سنة 17هـ أراد عمر رضي الله عنه أن يزور الشَّام للمرَّة الثَّانية، فخرج إِليها، ومعه المهاجرون والأنصار حتّى نزل بِسَرْغٍ على حدود الحجاز والشَّام، فلقيه أمراء الأجناد، فأخبروه: أنَّ الأرض سقيمةٌ، وكان الطَّاعون بالشَّام، فشاور عمر رضي الله عنه واستقرَّ رأيه على الرُّجوع وبعد انصراف عمر رضي الله عنه حصل الطَّاعون الجارف المعروف بطاعون عِمَواس وكانت شدَّته بالشَّام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ، منهم: أبو عبيدة بن الجرّاح، وهو أمير النَّاس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث بن هشام، وقيل: استشهد باليرموك، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وأشراف النَّاس، ولم يرتفع عنهم الوباء إِلا بعد أن وليهم عمرو بن العاص، فخطب النَّاس، وقال لهم: أيُّها الناس! إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ عمر ما فعله عمرو، فما كرهه.

ذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ أنه “حينما أصاب المسلمين طاعون عمواس خرج بهم عمرو بن العاص إلى الجبال، وقسمهم إلى مجموعات، ومنع اختلاطها ببعض، وظلت المجموعات في الجبال فترة من الزمن حتى استشهد المصابون جميعاً، وعاد بالباقي إلى المدن”.

وذكر د. علي الصلابي أن ” تعامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع هذا البلاء في منتهى الحذر حيث لم يدخل هو ومن معه إلى الشام، كما حاول إخراج المعافين من أرض الوباء، كما قام بتحمل المسؤولية كاملة بعد انجلاء هذا الوباء فرحل إلى الشام وأشرف على حل المشكلات وتصريف تبعات هذه الأزمة”.

وللحديث بقيــــــــــــــــــــة

نسأل الله تعالى أن يحفظ أمتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير

دكتور / أســـامة جادو
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الزهراء – تركيا

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى