مقالاتمقالات مختارة

جماعة كفتارو المعركة العلنية بين المريدين والاستقواء بالمخابرات

جماعة كفتارو المعركة العلنية بين المريدين والاستقواء بالمخابرات

بقلم محمد خير موسى

في الأوّل من أيلول/ سبتمبر من عام 2004م توفي الشيخ أحمد كفتارو عن عمر بلغ تسعةً وثمانين عامًا.

كان غياب بشّار الأسد عن الجنازة لافتًا للكثيرين؛ غير أنّه غيابٌ منسجمٌ مع التوجّه الذي انتهجه نظامه عقب عام 2000م تجاه المؤسسة الدّينيّة بل العمل الدّيني في سوريا بشكلٍ عام.

  • خلفَ كواليس الجنازة

أكثر ما لفت الأنظار في جنازة الشيخ أحمد كفتارو التي شهدها مئات الآلاف في دمشق هو حجم التنظيم الذي شهدته الجنازة ممّا جعل أحداثها تمضي بسلاسة دون أيّة مشكلاتٍ كتلك التي شهدتها الجنازات الحاشدة المماثلة.

كان واضحًا أن هناك حالة من التّرتيب في سير الجنازة وفي إعداد فريق خاص بمراسم الجنازة له لباسه الموحّد ومهامّه التي ينفّذها بدقّة.

وخلف الكواليس كانت حالة التّنظيم تشمل التّواصل العاجل مع السّفارات المختلفة وإعداد بيانات صحفيّة بعدّة لغات قبل إعلان خبر الوفاة، وتقديم تفاصيل استباقيّة للحدث، ووضع خطط بديلة في حال تعثّر سير الخطة المعتمدة.

كان عنوان هذا التّرتيب والتّنظيم لأحداث الجنازة وما يدور في كواليسها هو الأستاذ غسّان الجبّان نائب مدير مجمع الشّيخ أحمد كفتارو.

من الطّبيعي أن يكون أبناء الشّيخ كفتارو ومعهم وزير الأوقاف هم أصحاب القول الفصل في ترتيبات كهذه، لكنّ ما ظهر للجميع هو أنّ العقل التّنظيميّ في جماعة كفتارو هو الأستاذ غسّان الجبّان، وهذا الظّهورُ أقلق الجبّان بعد زوال نشوة النّجاح حتّى إنّه حدّث بعض جلسائه بمخاوفه وشعوره بالنّدم من الظّهور بهذا المظهر التنظيميّ لأنّ الأمر سيلفت نظر أجهزة المخابرات والحكومة إلى وجود جانب تنظيمي حركي في جماعة كفتارو وهذا ليسَ صحيحًا من جهة و لا مصلحة للجماعة في ظهوره من جهةٍ أخرى.

لكنّ اسم غسّان الجبّان سيتردّدُ كثيرًا عقب وفاة الشّيخ كفتارو، وسيكون محورًا فيما سيتفجّر من أحداث في السّنوات التّالية لوفاة الشّيخ كفتارو من عمر الجماعة.

  • من هو غسّان الجبّان؟

يمكننا وصف الأستاذ غسّان الجبان بأنّه “دينامو المجمّع” والمحرّك الرّئيسيّ لغالب ما يجري فيه، وقد كان على خلاف بالغ الشدّة مع الدّكتور صلاح الدّين كفتارو إبّان إدارة الدّكتور محمود كفتارو للمجمّع، وكان منحازًا في الخلاف إلى محمود وقد وصل الأمر بينه وبين صلاح الدّين كفتارو إلى الاشتباك بالأيدي.

غسّان الجبّان المولود في دمشق عام 1947م حاصل على إجازة جامعيّة في العلوم من جامعة دمشق عام 1972م، وقد التحق بدروس الشّيخ أحمد كفتارو في بداية السّتينيات، وقرّبه الشّيخ كفتارو منه، وسلّمه حلقةً من الحلقات المتميّزة في الجماعة المعروفة باسم “حلقة الصّناعة” التي كان يديرها الدّاعية برهان حربة الذي توفي في شبابه، وأصبحت حلقة غسّان الجبّان من أبرز حلقات الشّيخ أسامة الخاني المعروف بعقليّته التّرتيبيّة التّنظيميّة.

نال غسّان الجبّان مكانةً كبيرةً في المجمّع لما عرف به من حسن التّنظيم والقرب من المريدين في الحلقة مع محاولة الخروج من الثّوب المشيخيّ الصّارخ بتطبيق الشّورى والحوار داخل الحلقات، لكنّه لا يعدو كونه حوارًا لإقناع المريد باختيار ما يريده الشّيخ وهو جزء من بنية العقل المشيخي في المؤسسات الدّينيّة التّقليديّة عمومًا، كما أنّه حظي بالتفاف كبير من المريدين حوله بسبب دعمه الماليّ للدّعاة فقد كان يخصّ الدّعاة في حلقته بدعم ماليّ واهتمامٍ معنويّ خاصّ.

  • دوافع خلف ستار المعركة

ما حازه الأستاذ غسّان الجبّان من مكانةٍ وما امتلكه من مؤهّلات جعله يتعامل مع مجمّع كفتارو بمنطق “أبو الولد” فكان يرى أنّه الأب الحقيقيّ للمجمّع، وكان يطمح إلى أن يكون العنوان الرّئيس للمجمّع بعد وفاة الشّيخ كفتارو، فهو يعتقدُ أنّه الأحقّ بإدارته من أبناء الشّيخ الذين جاؤوا بالوراثة.

كما أنّه كان يسعى ليكون القوّة المحرّكة لمشايخ الصّف الأوّل والقائد الفعليّ للجماعة لكن من خلف السّتار، فالتّصدّرُ في المجمّع يختلفُ عن التّصدُّر في الجماعة من حيثُ الإمكان والتّكاليف الواجب بذلها في كلّ منهما.

كان الأستاذ غسّان الجبّان يرى في صلاح الدّين كفتارو خصمًا تاريخيًّا له، وازدادت الخصومة له مع تسلّم صلاح الدّين إدارة المجمع غير أنّ وجود الشّيخ كفتارو على قيد الحياة كان يمنع من ظهور هذا الصّراع إلى العلن.

وبعد وفاة الشّيخ أحمد كفتارو بشهرٍ ونيّف؛ في الرّابع من تشرين الأوّل “أكتوبر” من عام 2004م تمّ تعيين الدّكتور زياد الدّين الأيوبي وزيرًا للأوقاف، وهو من جماعة كفتارو، وكان أوّل عملٍ يقوم به بعد صدور تكليفه بالوزارة زيارة قبر الشّيخ أحمد كفتارو ومعاهدته على أن يكون على طريقه ومسيرته.

بدأت الصّراعات المحتدمة بين الأستاذ غسّان الجبّان والدّكتور صلاح الدّين كفتارو عقب وفاة الشّيخ كفتارو لكنّها بقيت أيضًا تحت السّيطرة إلى حدٍّ معقولٍ بسبب وجود وزير الأوقاف زياد الدّين الأيوبيّ الذي أخّر وجوده على كرسي الوزارة خروج الصّراعات إلى الفضاء المفتوح وتحوّلها إلى حرب معلنة.

خلال هذه الفترة كان يسري تهامُسٌ في أروقة المجمّع يشكّك في أنّ الوصيّة التي تركها الشّيخ أحمد كفتارو من إملائه أو كتابته من حيث الأصل، بل إنّها كانت من كتابة صابر حمشو بالاتفاق مع صلاح كفتارو، وأنّ الشّيخ أحمد وافق عليها دون دراية حقيقيّة لما فيها بسبب كبر سنّه وعدم قدرته على التّركيز والاستحضار.

من الواضح أنّ هذا التّهامس كان تمهيدًا لانقلابٍ يتمّ التّحضيرُ له خلف الكواليس، وفعلًا ظهر هذا إلى العلن عقب إقالة الدّكتور زياد الدّين الأيوبي من وزارة الأوقاف يوم السّابع من شهر كانون الأوّل “ديسمبر” من عام 2007م ليتمّ تعيين الدّكتور محمّد عبد السّتّار السيّد وزيرًا للأوقاف في اليوم التّالي مباشرة.

كان وزيرُ الأوقاف محمّد عبد السّتّار السيّد على علاقة سيّئة مع جماعة كفتارو عمومًا ومع صلاح الدّين كفتارو على وجه الخصوص، فقد عرفت عنه عبارته التي كان يردّدها أنّه سيجعل جامع كفتارو مثل جامع العفيف، وجامع العفيف أحد المساجد التي لا تحظى بأيّ اهتمام ولا نشاط علمي أو دعوي فيها آنذاك، فهو يكنّي بذلك إلى إعادة جامع كفتارو إلى الصّفر خاليًا من أيٍّ من أنشطته وأعماله.

كما وقعت العديد من المواقف الصّداميّة بينه وبين صلاح كفتارو في عددٍ من المحافل العامّة ممّا يؤكّد على وجود حالة عدائيّة إضافيّة بين الطّرفين.

  • الحربُ المٌعلنة ومعركة الوثائق

بعد تسلّم محمّد عبد الستار السيّد وزارة الأوقاف غدا الجوّ مواتيًا لتفجّر المعركة العلنيّة بين أركان جماعة كفتارو.

استطاع الأستاذ غسّان الجبّان أن يشكّل فريقًا مناهضًا لصلاح الدّين كفتارو داخل المجمّع للعمل على إقصاء صلاح الدّين كفتارو من المجمّع وعكف هذا الفريق الذي يترأسّه غسّان الجبّان ويعاونه فيه الدّكتور بسّام الصبّاغ رئيس الدّراسات العليا في فرع جامعة الأوزاعي في مجمّع كفتارو على كتابة وثيقة تبيّن ما وصفوه بأنّه جرائم وأخطاء وانحرافات صلاح الدّين كفتارو.

كانت أهمّ هذه الجرائم من وجهة نظرهم والتي تضمّنتها الوثيقة المعروفة “بوثيقة غسّان الجبّان” هي:

أولًا: الانحراف عن مسيرة الشّيخ أحمد كفتارو ومنهجه ومدّ الصّلات مع التيّار السّلفي وجماعة الإخوان المسلمين.

ثانيًا: إدخال السّياسة في الدّين من خلال منبر جامع الشّيخ أحمد كفتارو، ومهاجمة أركان الدّولة وهو ما يتناقض مع منهج الجماعة.

ثالثًا: مناهضته للشّيعة والإيرانيّين والعمل على إذكاء الرّوح الطّائفيّة.

رابعًا: الاستبداد في الرأي والإدارة في المجمع وعدم الاكتراث بوجود الآخرين أو مشاورتهم في أيّ أمرٍ من الأمور.

خامسًا: تلبّسه بشبهات في الفساد المالي، ورفضه تقديم أيّة كشوفات ماليّة في المجمّع.

وقد وقّع على هذه الوثيقة كل من الأستاذ غسّان الجبّان، الدّكتور بسّام الصبّاغ، الدّكتور محمّد خير فاطمة، الشّيخ رجب ديب، الشّيخ رمضان ديب، الشّيخ نذير شخاشيرو، الحاج صابر حمشو، الأستاذ زياد أغدار.

أُرسلت هذه الوثيقة إلى كلّ من محمد عبد السّتار السيّد وزير الأوقاف، واللّواء هشام بختيار رئيس الأمن القومي، لتكون هي التّجلّي الأبرز من تجلّيات الاستقواء بالأجهزة الأمنيّة والسّلطة في معركةٍ داخليّة الأصل فيها أنّها تخصّ الجماعة وحدها.

هذا الاستقواء بالأجهزة الأمنيّة في دولةٍ محكومةٍ أصلًا بقبضةٍ أمنيّة ستكون تداعياته على الجماعة أبعد ممّا أراده وتوقّعه أصحاب الوثيقة والموقّعون عليها.

تمّ تسريب أخبار الوثيقة إلى المريدين في المجمّع على أنّها إرادة مشايخ الجماعة وأنّ هذا التّحرّك يأتي لاستنقاذ الجماعة من الضّياع ولخدمة الدّين والدّعوة، كما تمّ تسريب التّهم إلى قواعد الجماعة في إطار التّحشيد والاستقطاب الدّاخلي، غير أنّ تهمة محاربة التشيّع والإيرانيين تمّ قلبها في الحديث مع المريدين إلى العمل على نشر التّشيّع لدغدغة عواطف المريدين، فكان في هذه النّقطة خطابٌ خاصّ بأجهزة المخابرات، وخطاب خاصّ بالمريدين.

بعد تسريب أخبار الوثيقة تحرّك صلاح الدّين كفتارو على عجل في مسارين اثنين لمواجهة وثيقة غسّان الجبّان وآثارها المحتملة:

المسار الأوّل: التّواصل مع بعض من وقّعوا على الوثيقة والعمل على ثنيهم عن موقفهم، وقد كان ذلك فعلًا فتراجع الشّيخ رجب ديب والشّيخ رمضان ديب والشّيخ نذير شخاشيرو عن موقفهم، لكنّ ذلك لم يكن له أيّ تأثيرٍ عمليّ إذ تمّ استثمار توقيعهم على الوثيقة دون النّظر إلى تراجعهم.

المسار الثّاني: إعداد وثيقة مناقضة لوثيقة غسّان الجبّان والعمل على حشد عددٍ أكبر من الموقّعين عليها.

والمحور الرّئيس الذي دارت عليه هذه الوثيقة المضادّة التي عرفت باسم “وثيقة صلاح كفتارو” هو التّأكيد على الالتفاف حول الدّكتور صلاح الدّين كفتارو، وأنّه وصيّة الشّيخ أحمد كفتارو، وأنّ العدول عن ذلك خيانةٌ للشّيخ أحمد ومنهجه ووصيّته.

وقد وقّع على هذه الوثيقة كل من الشّيخ رجب ديب، الشّيخ رمضان ديب، الشّيخ نذير شخاشيرو، في دلالةٍ واضحةٍ على تراجعهم عن توقيعهم الأوّل، كما وقّع عليها الشّيخ بشير الباني، الشّيخ عمر الصبّاغ، الشّيخ بشير الرّز، الشّيخ عبد الرّحيم شمص مدير الجامع، الدّكتور محمّد وهبي سليمان رئيس قسم الدّراسات العليا في فرع جامعة أم درمان الإسلاميّة في المجمع، الدّكتور بسّام عجك عميد كليّة الدّعوة في المجمع، الدّكتور علاء الدّين الحموي عميد فرع جامعة الأوزاعي في المجمع حينذاك، الدّكتور سمير الشّاوي مدير المعهد الشّرعي، الشّيخ محمّد ديب، الشّيخ عدنان الأفيوني، الشّيخ محمود المبارك من تلاميذ الشّيخ رجب، الشّيخ محمود شحادة من تلاميذ الشّيخ رجب.

لم يكن لوثيقة صلاح كفتارو أيّ تأثيرٍ حقيقيّ في أرض الواقع فقد غدا اللّاعب الحقيقيّ في المشهد هو الجهاز الأمنيّ الذي يترأسه اللّواء هشام بختيار وكان التّواصل مع وزير الأوقاف والأستاذ غسّان الجبّان هو لترتيب المشاهد الاستكماليّة كما يريدها المُخرج الأمنيّ.

يمكننا القول: إنّ وثيقة غسّان الجبّان كانت النّقطة المفصليّة فيما آلت إليه الجماعة بعدَ ذلك، وأنّ هذا الصّراع الذي تمّ الاستقواء فيه بأجهزة الأمن كان الخاسر الأوحد فيه هو جماعة كفتارو بمكوّناتها كلّها.

ولكن ماذا كانت النّتائج المباشرة لهذه المعركة الصّاخبة؟ ولماذا اعتقل صلاح الدّين كفتارو؟ وما هي أحوال الجماعة مع بداية انطلاق ثورة آذار عام 2011م؟؛ هذا ما سنجيب عنه ـ بإذن الله تعالى ـ في المقال القادم.

(المصدر: سوريا تي في TV)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى