مقالاتمقالات مختارة

جذور الاستبداد في الفكر الصيني

جذور الاستبداد في الفكر الصيني

بقلم د. عز الدين الورداني

تتعدد الأفكار والفلسفات في الصين منذ القدم، وأكبرها وأهمها هي: الكونفوشيوسية، الطاوية، التشريعية، البوذية الوافدة للصين من جارتها الهند. وتشترك فلسفات الصين الأصلية في مسألة محورية هي الاهتمام بالحالة السيئة التي كان عليها شعب الصين القديمة الذى طحنه الفقر ومزقته الحروب بسبب انتشار الثورات والتمرد على ظلم الحكام، فضلا عن الحروب بين مختلف الممالك، بمعنى أنها تركز على الهموم والمشاكل الحياتية للمجتمع الصيني، ومن ثم فهي تعد نزعات عقلية وتصورات فكرية عن المجتمع والأخلاق والسياسة بعيدا عن مناقشة الغيبيات وما وراء الطبيعة كعادة الفلسفات الأخرى؛ وتقع كل الفلسفات الصينية تقريبا في التناقض بين دعم سلطة الحاكم والانحياز إلى جانب عامة الشعب في مواجهة القهر الواقع عليهم.

الكونفوشيوسية ومؤسسها كونفوشيوس (551- 479) ق.م، في رأي البعض تؤكد على خضوع الرعايا للحاكم وتزيد من سلطة الإمبراطور والطبقة الحاكمة ومكانتها، ويضع “موتزو” الذى انشق عن الكونفوشيوسية – ورغم ذلك وافقهم الكثير من آرائهم – مبدأ الاندماج بالرئيس فما يظنه الرئيس أنه صواب فعلى الجميع أن يؤمنوا أنه صواب، وما يعتقد الرئيس أنه خطأ يجب على الجميع أن يؤمنوا أنه خطأ، كما اهتم الكونفوشيوسيون بأن يكون الحكم بيد أشخاص بدلا من أن تكون السيادة للقانون أي أن الشخص هو القانون.  ويرى بعض فلاسفتها أن الحكومة للشعب وليست للحاكم، وأن إفقار الناس وسوء معاملتهم تشجيع للاضطراب؛ يقول “هسين تزو” الذي يشكل جسرا بين الكونفوشيوسية وفلسفة المشرعين الاستبدادية: لا يمكن أن يفوز حاكم في حرب وليس بينه وبين شعبه تناسق ولا يلتف حوله، وأن طبيعة الإنسان شريرة؛ وبالرغم من وجود روح ديموقراطية وقيم جيدة بالكونفوشيوسية القديمة إلا أنها فشلت في الاستمساك بتلك الروح ومالت إلى تقوية نفوذ الحكام واستبدادهم.

أما الطاوية وهي فلسفة تأملية في واقع الحياة، ويعنى “الطاو” الطريق وأسلوب العمل والأشياء في مجموعها، ودائرة الطاو الشهيرة ” الين واليانغ” تعبر عن مفاهيم التناوب والتكامل والثنائية الضدية أي أن الشيء يمكن أن يتحول لنقيضه؛ ويرى فلاسفتها ومن أهمهم:  “تشوانج تزو” المتوفي عام(300)ق.م و”لاو تزو”  أن الإنسان يجب أن يكون على وفاق مع القوانين الأساسية للكون لا أن يكون ثائرا عليها، وبالطاوية جانب كبير من السلبية تجاه أحداث الحياة وعدم التدخل على الإطلاق وهو جانب فوضوي في تلك الفلسفة التي تؤكد على الحرية الفردية في حين تمنح الحاكم تفويضا بالاستبداد يقول لاو تزو في كتابه: والحكيم ليس محبا للخير فهو يعامل الناس بلا رحمة.

وتنشد الفلسفة التشريعية التي استقت مبادئها التسلطية من كافة فلسفات الصين القديمة الدفاع عن نفوذ الحاكم ضد الآراء الأخرى التي تصر على أن الحكومة قائمة من أجل الشعب وليس الحاكم وأن أي حكومة تفشل في إرضاء الشعب مقضي عليها، ويرى فلاسفة المشرعين أن الإمبراطور يجب أن يتحكم في العوامل التي تتحكم في الحياة والموت، يقول “هاي فاي تزو” أهم فلاسفة المشرعين – توفى (233) ق.م – وتلميذ “هسين تزو” بأنه: ليس للأسرة الحازمة عبيد متمردون ولكن الأم مسلوبة اللب من المؤكد أن يكون لها ابن مدلل، ومن هذا أعرف أن قوة بث الرعب وحدها يمكن أن تقمع العنف في حين أن الشفقة والأخلاق الكريمة لا يمكن أن تردع المتمرد.

أما البوذية التي أسسها “بوذا” (560 – 480) ق.م والتي وفدت إلى الصين من جارتها الهند في بداية العصر المسيحي وأضحت قوة ثقافية كبيرة ما بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين ورغم الإطاحة بها في العام 845م وهدم نحو40000 معبد بوذي ومصادرة أراضيها الزراعية الشاسعة وتحرير150000من عبيد المعابد وتسريح 260000 راهب بوذي إلا أنها عبرت تلك المرحلة ولاقت نجاحا كبيرا في الصين؛ غير أنها ظلت وافدا غريبا على العقل الصيني الدنيوي بدرجة عالية والمتشكك نوعا ما، والذى لا تصور لديه للحياة بعد الموت بينما تتحدث البوذية عن الميلاد الثاني للشخص والنعيم والعذاب بالنيران، البوذية ولديها طقوس دينية معقدة وتؤله بعض مذاهبها بوذا؛ وترى الكونفوشيوسية الحديثة التي تبلورت في عهد أسرة سونج (960 – 1279) م أن البوذيين بدلا من حل مشكلات العالم كان كل ما فعلوه أنهم هربوا منها كما وجهت نقدا كبيرا للبوذية في الصين؛ وإجمالا يمكن القول بأن البوذية تقدم تصورات ميتافيزيقية وتعاليم أخلاقية ودعوات للتسامح وتزكية النفس والبعد عن الشهوات والرذائل في محاولة للوصول إلى حالة الصفاء الروحي (النيرفانا) دون أن تقدم تصورا اجتماعيا أو سياسيا كسائر فلسفات الصين.

ولا شك أن فلسفات الصين تركت أكبر الأثر على أنظمة الحكم والإدارة عبر تاريخ الصين داعمة للاستبداد السياسي منذ أقدم إدارات الصين الموحدة وحتى النظام الشيوعي الحاكم الآن في نظرته التسلطية وإدارته القمعية للمجتمع الصيني بأسره فضلا عمن ينتمون لعرق آخر فهم يتعرضون لقمع أكبر مما يلاقيه سائر المجتمع الصيني المنكوب بحكامه ومنظري الاستبداد عبر تاريخه الطويل.

(المصدر: تركستان تايمز)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى