مقالاتمقالات مختارة

جدل التطبيع في تونس

جدل التطبيع في تونس

بقلم سمير حمدي

كما كان متوقعاً، نال وزير السياحة التونسي الجديد، روني الطرابلسي، ثقة مجلس نواب الشعب، بغالبية 127 صوتاً واعتراض 25 نائباً، واحتفاظ نائب وحيد بصوته، غير أن حالة الجدل الواسع لم تتوقف، منذ تم الإعلان عن اسم طرابلسي في التعديل الوزاري الجديد الذي أجراه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وذلك في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، كما أن القوى السياسية المختلفة تبادلت الاتهامات بشأن توزير نجل رئيس الطائفة اليهودية في تونس ورجل الأعمال المعروف، على خلفية اتهامه بخدمة أجندات صهيونية، وأن المنصب الذي ناله لم يكن استحقاقاً، بقدر ما هو جزء من لعبة دعايات عامة، يخوضها رئيس الحكومة الحالي، وسير في ركاب التوجه الذي عرفته دول عربية مختلفة نحو التطبيع والتقارب مع العدو الإسرائيلي.
لم يكن روني طرابلسي أول تونسي يهودي الديانة يصل إلى منصب الوزارة، فقد سبقه أندري باروش وألبرت بسيّس في حكومات ما بعد الاستقلال زمن الحكم البورقيبي، غير أن شخصية الوزير الجديد بدت الأكثر إثارةً للجدل، بسبب علاقاته المتشابكة، وامتداداته الواسعة في إطار نشاطه الاقتصادي في مجال السياحة، فشركته هي التي تحتكر الرحلات السياحية ذات الطابع الديني إلى معبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة التونسية. وإذا علمنا أن غالبية الوافدين هم من حملة الجنسية الإسرائيلية كان من الطبيعي طرح السؤال بشأن خلفيات منح هذه الامتياز لهذه الشركة تحديداً، وطبيعة علاقاته بالجهات النافذة في دولة الكيان الصهيوني، حيث لم يتأخر الموقع الإلكتروني، إسرائيل بالعربية، عن تقديم التهاني للرجل وللحكومة التونسية.
لم يكن نفي روني طرابلسي حمله الجنسية الإسرائيلية كافياً لإقناع المتشككين بتونسيته وولائه لوطنه الأم. ومن هنا، تحرّكت قوى سياسية مختلفة لتنظيم وقفة احتجاجية ضد منحه وزارة السياحة، بالإضافة إلى إعلان محامين رفع دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية، لإلغاء قرار رئيس الحكومة المتعلق بهذا التعيين.
وخارج الصراع القانوني والوقفات الاحتجاجية، انتقل الجدل إلى اتهامات سياسية متبادلة بين جهات سياسية مختلفة، على خلفية دعم الوزير الجديد، خصوصاً وأن النواب الذين منحوه أصواتهم ينتمون إلى كتل مختلفة، أبرزها كتلة رئيس الحكومة المعروفة تحت اسم “الائتلاف الوطني”، ونواب حزب مشروع تونس، ونواب من حزب نداء تونس، بالإضافة إلى كتلة حزب النهضة الذي كان هدفاً لانتقاداتٍ واسعة، بسبب هذا الموقف.

والمعروف أن لدى الرأي العام التونسي حساسية خاصة تجاه القضية الفلسطينية، ويعتبر الكيان الصهيوني عدواً لا يمكن الصلح معه، خصوصاً في ظل اعتداءاته المتكرّرة على الأمن الوطني التونسي، بداية بقصف مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية في أكتوبر/ تشرين الأول 1985، مروراً باغتيال القيادي الفلسطيني الشهيد خليل الوزير في إبريل/ نيسان 1988، وصولاً إلى أحدث جرائمه الاستخباراتية على الأرض التونسية، التي استهدفت الشهيد محمد الزواري في ديسمبر/ كانون الأول 2016 على خلفية نشاطه مع كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس. وعلى الرغم من هذا المزاج الشعبي المعادي عموماً للصهيونية، والمؤيّد للمقاومة الفلسطينية، ظلت الحكومات التونسية، منذ قيام دولة الاستقلال، تتخذ سياسات تتقارب مع دولة الكيان الصهيوني، وبأشكال مختلفة، بداية من لقاء السفير التونسي في فرنسا محمد المصمودي مع رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، ألكسندر استرمن، في 1966، مروراً بفتح مكتب علاقات تونسية صهيونية في تل أبيب في مايو/ أيار 1996، وتولى رئاسته وزير الخارجية الحالي، خميس الجهيناوي، ووصولاً إلى مشاركة وفد إسرائيلي في القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس (نوفمبر/ تشرين الثاني 2005) برئاسة الوزير سيلفان شالوم.
لا تزال هذه الثنائية التي تحكم الوضع التونسي بين شارع رافض للتطبيع وتوجهات رسمية لا تجد حرجاً في الاستفادة من علاقاتٍ تحت الطاولة مع الكيان الصهيوني تشكل مصدراً للجدل الدائم والصراع بين القوى السياسية، والتي تتناقض مواقفها أحياناً ضمن الحزب الواحد. وهي تكشف عن الوضعية التي آلت إليها المنطقة العربية عموماً في ممارساتها السياسية بين رغبة الحكام في اكتساب رضا القوى الدولية النافذة، عبر إيجاد قنوات مختلفة (سياسية ورياضية وفنية) للعلاقة مع دولة الاحتلال، ومحاولة هؤلاء القادة السياسيين الظهور بمظهر المدافع عن القضية الفلسطينية، والداعم لها أمام الجمهور الواسع في حالةٍ من النفاق السياسي غير المسبوقة، في غياب الشفافية الضرورية في الحكم، ومحاولة تغييب الرأي العام عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالقضايا الكبرى، بل وتعمّد بعض الأنظمة حالياً الانتقال من مرحلة العلاقات الخفية مع الصهيونية إلى مرحلة بناء تحالف معها، من أجل حسابات إقليمية ضيقة، أو للحفاظ على كرسي السلطة، كما يظهر في التوجّهات الجديدة للعربية السعودية في ظل هيمنة حاكمها الجديد.

(المصدر: العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى