جامعة بير الإسلامية ..قرون من العطاء العلمي
إعداد سيدي عبد المالك
تأسست جامعة بير الإسلامية في القرن السابع عشر ميلادي بمملكة ولولوف بمنطقة كايور(السنغال حاليا)، و ظلت هذه المؤسسة التعليمية تحتفظ بعطائها المعرفي و نشاطها العلمي رغم عاديات الزمن و سياسات الكيد التي حيكت ضدها من طرف السلطات الاستعمارية.
تعتبر الجامعة رافدا إسلاميا تخرجت منه أهم القامات العلمية بالمنطقة و كانت احدي قلاع الجهاد الثقافي بالمنطقة، و التي أغاظ اشعائها و حضورها العلمي الاستعمار الفرنسي مما دفع الحاكم الفرنسي فرانسوا كزافي فاليير إلي اتخاذ قرار بحرقها سنة 1870، بتهم ملفقة تتعلق بدور مزعوم للجامعة في إيواء المجاهدين و وجود مخابئ أسلحة المجاهدين بداخلها. و قد أتلفت عملية الحرق الكثير من المخطوطات النفسية للمركز.
و تمر حلقات التعليم بالمدرسة بمرحلتين، فالمرحلة الأولي تقوم على تعليم القرآن و القراءة و التمرن على الكتابة، في حين تقوم المرحلة الثانية على الدراسة المعمقة للعلوم الشرعية و علوم اللغة العربية.
القاضي المؤسس
أسس جامعة بير الإسلامية القاضي عمر فال الذي ولد سنة 1555 بمنطقة فوتا بالشمال من السنغال و توفي سنة 1663، و هو سليل الأسرة الحاكمة للولوف، حيث سمح له ابن عمه الحاكم دامل بعد عودته من دراسته للعلوم الشرعية ببلاد شنقيط(موريتانيا حاليا) بتأسيس مركز إسلامي و مسجد لتعليم أهل المنطقة أمور دينهم و نشر المعارف الإسلامية.
و كان القاضي فال رحمه الله يتحمل عن طلابه الغذاء و المشرب و الملبس و المسكن، مقابل العمل في الحقول التي توفر المئونة اللازمة لتسيير نفقات المركز.
عمت شهرة الشيخ عمر فال المنطقة وأصبح الناس يفدون إليه من نواح بعيدة لحضور جلساته العلمية، وخاصة مجلس تفسير القرآن الكريم، وكان احدهم عندما يسأل: إلى أين أنت ذاهب؟ يجيب قائلا: إلى بِرِمَا، التي تعني باللهجة اللولفية: مجلس التفسير، من هنا جاءت تسمية منطقة بير .
رافعة للثورة الإسلامية بفوتا
و يُحسب لجامعة بير بأنها كانت القاعدة الخلفية للثورة الإسلامية التي عرفتها منطقة فوتا تورو، حيث أن فكرة تأسيس دولة إسلامية بمنطقة فوتا تورو تم إنضاجها في جامعة بير حين كان مؤسسو هذه الدولة يتلقون تعليهم بالجامعة.
فقد درس تيرنو سليمان بال مؤسس دولة الأئمة في فوتا تورو و خليفته الأول الأمير عبد القادر كن في جامعة بير، و كانا دائما يناقشون آلية لإصلاح الوضع في منطقة فوتا تورو على ضفاف نهر السنغال.
فقد كان الوضع في منطقة فوتا تورو وضعا جاهليا و كانت الطريقة التي يتبعها الحكام من أسرة دينينكوبي تقوم على الظلم الفاضح، و بالتالي كانت هذه الحالة تتطلب تدخلا و إصلاحا. و أن طريق هذا الإصلاح يجب أن يقوم على العودة إلي الإسلام و لا شيء غيره، و ذلك من خلال اعتماده عقيدة و شريعة ينبثق منها قيام نظام حكم على أساس الإسلام و وفق رؤية واضحة.
فلما عاد الشيخ سليمان بال من جامعة بير كان يحمل معه مشروعا واضح المعالم لإقامة دولة التي كانت ركائزها الأساسية تقوم على قواعد الشرع، مما أفضي لتأسيس دولة الأئمة التي امتدت للفترة ما بين سنة 1770 لغاية 1880.
و امتدت فترة حكمه لبلاد فوتا تور لما بين سنتي 1776 و 1806، و قد اشتهر بأنه أول حاكم مسلم بالمنطقة قام بمنع تجارة الرقيق سنة 1776، و ذلك قبل قيام الثورة الفرنسية سنة 1789، التي تم بموجبها تحريم بيع الرقيق على مستوي فرنسا.
شهدت المنطقة توسعة لرقعة الإسلام بعد انتصار الإمام بال على خصومه، و كان أول قرار يتخذونه بعد تحقيق أي انتصار على الأعداء هو إلزام الناس باعتماد الإسلام نظاما للحكم ، و كانوا يبعثون بالدعاة بهدف نشر الإسلام و التعريف به.
(المصدر: إسلام أونلاين)