مقالاتمقالات مختارة

ثقبنا الأسود.. لماذا توقف المسلمون عن الاستفادة من القرآن الكريم؟!

ثقبنا الأسود.. لماذا توقف المسلمون عن الاستفادة من القرآن الكريم؟!

بقلم أحمدالتلاوي

في حدثٍ احتفى به العالم المتقدم مؤخرًا، تم الإعلان عن أول صورة “حقيقية” لثقب أسود.

ولكي نفهم حجم الإنجاز العلمي المتحقق في هذا الأمر؛ فإننا يجب أن نعلم أولاً ما هو الثقب الأسود.

الثقب الأسود – ببساطة غير مُخِلَّة – هو جُرمٌ سماوي ذو كثافة عالية للغاية، وينشأ نتيجة تجمُّع مواد صلبة كثيرة، تتحول إلى ثقب أسود بفعل انضغاطها الذاتي بسبب جاذبيتها الخاصة بها.
وعندما يصل هذا الجُرم إلى مستوىً معين من الكثافة والقدرة على الجذب، ويكون قادرًا على جذب الضوء نفسه، بسرعته المعروفة التي تُعد الثابت الكوني المطلق في الفيزياء والفيزياء الفلكية، وكذلك الموجات الكهرومغناطيسية التي تحمل جسيماتها سرعات مقاربة؛ فإنه في حينه يتحول إلى ثقب أسود؛ حيث لا تعكس أي قدرٍ من الضوء.

وفي هذا تفسير لماذا هذا الحدث الجديد؛ صورة فعلية لثقب أسود، هو عبارة عن إنجاز تقني؛ لأنه من المستحيل وفق المنطق التقليدي لمفهوم “التصوير” التقاط أية صورة لثقب أسود؛ حيث إنه لن يعكس لا ضوء ولا موجات كهرومغناطيسية، وهي الوسائل المعروفة للتصوير؛ حيث تصوير الجسم يعني إرسال موجات ضوئية أو أية موجات أخرى، تصطدم بالجسم، ويعكسها إلى مُسْتَقْبِلات تنقل له صورة واضحة.

وبعيدًا عن التقنية التي اتبعتها الهيئات العلمية الأمريكية والدولية التي توصلت إلى هذا الإنجاز؛ فإننا هنا نقف أمام ما يخص قضايا الأمة في هذا الصدد.

بدايةً؛ نقول حقيقة بديهية لا تُنْكَر، مؤسفة حقًّا، ولكنها حقيقة يجب الاعتراف بها، توطئة للتوصُّل إلى أسبابها، ومن ثَمَّ معالجتها، وهي أن الأمة الإسلامية الآن، باتت خارج السباق الحضاري الإنساني، وأنها مجَّرد مستهلِك للتقنية؛ لا مبدعةً لها .

وحتى هذا الأمر، استهلاك التقنية؛ لا يستهلك المسلمون في عمومهم التقنيات المفيدة؛ حيث في غالب الحال، نكون نتكلم عن تقنيات الميديا والاتصالات، فيما يتراجع كثيرًا المُنْتَج التقني الطبي مثلاً الذي يستهلك العالم العربي والإسلامي – ضمن دول الجنوب الأقل نموًّا – منتجات غير جيدة أو منتهية الصلاحية، وبعضها يكون على سبيل التجريب فينا!

ونقطة موضوعية مهمة هنا، وهي أنه عندما نقول “الأمة الإسلامية”؛ فإننا نقولها مجازًا؛ لأن المسلمين في الوقت الراهن ليسوا في حال له شخصية واضحة، مستقلة ومتمايزة في هويتها أو علائقها، بحيث يستحقون أن يحصلوا على لقب “أمة” الذي له معانٍ كبيرة جامعة في الماصدق الدلالي في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة.

ويأتي هذا الحال، بالرغم من أننا نملك الأدوات اللازمة لكي نكون أمةً سيدةً، حتى في المجالات الشديدة التخصص بالمعنى الفني للتخصص في المجال العلمي.

فما يتكلم عنه العالم الآن، ولم يكن أحدٌ حتى يسمع به حتى وقت الأبحاث التي قام بها الأمريكي جون مينشل، والفرنسي بيير سيمون لابلاس في نهايات القرن الثامن عشر؛ مذكور لدينا في القرآن الكريم!

فالثقوب السوداء بالمعنى العلمي السابق الإشارة إليه، ذُكِرَتْ صراحة في القرآن الكريم، في قوله تعالى: «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)» [سُورَة «التكوير»]، وفي شرح المعاني التي وردت في الآيتَيْن، وتنتمي بالمعنى الحرفي للكلمة، لعلوم الفلك، فإن «الْخُنَّسِ»، هي الأجرام السماوية التي تختفي ولا تُرى مرة ثانية، مثل المذنَّبات التي يبلغ طول رحلتها ملايين السنوات الضوئية، أما «الْجَوَارِ»: فهي الأجرام أي التي تجري وتتحرك بسرعات كبيرة، ومنها الشُّهُب والنيازك، وحتى المذنبات، ولكلٍّ منها طبيعة مختلفة؛ حيث منها ما هو صخري، ومنها ما هو غازي.

أما «الْكُنَّسِ»؛ فهي الثقوب السوداء؛ حيث يعني المصطلح، الأجرام السماوية التي تكنس وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها.

والسُّورَة بشكل عام تتكلم عن إعجاز الخلق الإلهي في الكون والأجرام السماوية، وصدق الله تعالى إذ يقول: «الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» [سُورَة «هود»].
إذًا هذا نجده مكتوبًا عندنا في القرآن الكريم. فما لنا فعلنا مثل أهل الكتاب وتجاوزنا عمَّا جاءنا من البينات فيه؟!

فعندما كذَّب اليهود والنصارى برسولنا الكريم «صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، كشف الله تعالى موقفهم من الكتب التي بين أيديهم. يقول تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [سُورَة «الأعراف» – الآية 157].

ونحن أولى من بني إسرائيل والنصارى بهذا المنطق.

فكيف بنا كأُمَّة لديها كتابٌ مثل هذا، ينطق بالحق، ولا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه، وفيه كل هذه الإشارات التي يمكن للمسلمين لو أنهم استغلوها حق الاستغلال؛ أن يصبحوا – كما كانوا – سادة الإنسانية، وهُداتها، وفي مقدمة الأمم.

نحن أمة لديها كتاب ينطق بالحق، ولا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه، وفيه كل هذه الإشارات التي يمكن للمسلمين لو أنهم استغلوها حق الاستغلال؛ أن يصبحوا – كما كانوا – سادة الإنسانية، وهُداتها، وفي مقدمة الأمم

وهذا – كما يقول علماء الأصول والفقه – لا يتحقق إلا من خلال التدبُّر والاجتهاد في تفسير القرآن الكريم.

إذًا – وهي حقيقة بديهية غابت للأسف في السنوات الأخيرة من عمر الأمة – سبب تخلف المسلمين، وتفكك الأمة، بمنتهى البساطة، هو ابتعادها عن القرآن الكريم، الكتاب الجامع لها.
إن الثقب الأسود الحقيقي، هو ذلك الذي اندحر فيه المسلمون منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، برغم امتلاكهم لكل عوامل التقدم والتطور .

والإنسان ليحزن وهو يقرأ سِيَر وتراجم عظماء من أمثال الأئمة عبد الله ابن عباس وأبي حنيفة النعمان والشافعي وغيرهم؛ حيث يجد أنهم، وبمنتهى البساطة، لأنه كان أمرًا بديهيًّا لدى الإنسان في حينه؛ يستخدمون المنهج العقلي في الاستدلال ومَنْطقة الأمور، الذي هو أساس المنهج العلمي المعاصر، في حياتهم اليومية، لا نقول حتى في مجال علوم الفقه والحديث وغير ذلك!
إن علاج هذه الأزمة ببساطة، هو استعادة المساحات المفقودة بيننا كمسلمين وبين كتاب الله تعالى، الذي نؤمن أنه ما فرَّط اللهُ تعالى فيه من شيء، وأن فيه تبيانًا لكل شيء.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى