مقالاتمقالات مختارة

ثقافة الاستبداد وتدمير القيم والهوية

بقلم د. إبراهيم الديب

الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره، وتكمن خطورة الاستبداد

كونه انفراداً في أمر مشترك، فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، أي بإرادة واختيار الشعب ، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان.

فالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى منهم.

وهذا لاستبداد السياسي الذى يعبر في حقيقته الطغيان والفساد الأكبر حيث يفتح أبواب الظلم والفساد في شتى مجالات الحياة خاصة الفساد القيمي والسلوكي لأفراد المجتمع خاصة نخبهم ثم يمتد حتى عموم المجتمع

ولهذا كان الحكم والولاية العامة على المسلمين حق للشعب، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ” وجاء في زيادة: “إنه لا خلافة إلا عن مشورة”

ومن أول عواقب الاستبداد السياسي هو إهدار قيمة المواطن ، بل والشعب بأسره

واعتبارهم قطيع من العبيد لا حق لهم في الوطن وما يمتلكه من موارد ومقدرات ، إن هي إلا ملكا للحاكم المستبد الذى نصب نفسه رئيسا على هذا الشعب من القطيع ، ويتطور الأمر داخل نفسه الشاذة والمتمردة على فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، وبتملق وتزلف وعبودية معاونيه يجعل من نفسه إلها على هذا القطيع

يأمرهم وينهاهم بما يرى .

وهنا ينتقل فساد النفس من الحاكم المستبد الى جملة الشعب الساكت عليه الراضي به كرها ، وتدمر نفوس هذا الشعب تدريجيا فتنهار منظومة القيم الحاكمة لسلوكه

عبر هذه السلسة المتتالية من الاجراءات التي تودى بهذا الحاكم وهذا الشعب الى هاوية سحيقة من الجهل والتخلف والضعف والتبعية.

فمع بداية الاستبداد ينشط القمع والقهر وإذلال المقاومين والرافضين والغير راضين عن هذا الاستبداد ، فيعم الخوف ويسود ، والذى يولد من رحمه الفاسد الكذب والنفاق والتملق ، فيتبعها الفردية والانا واعلاء مصلحة الفرد على المؤسسة والمجتمع ، فتنتشر الانتهازية ، ويوقف العقل ويتجمد عن التفكير والابداع حيث يحرم التفكر الا على الحاكم الإله فقط ، فيسود التقليد الاعمى والتبعية المهينة والاستيراد الكامل للأفكار والمنتجات، فتفتر النفوس عن العمل والانتاج والانجاز فيزيد الاستهلاك وبذلك تتوالى وتتعاقب قيم الانهيار والضياع والتخلف ، وتغيب قيم وثقافة العمل والتنمية والنهوض .

وبالرغم من تكرار هذا الامر تاريخيا إلا أن سكون الشعوب وغياب إيجابيتها وجرأتها للثورة على الحاكم المستبد تعيد تكرار هذا السيناريو مرات ومرات

ولأجل ألا يستمر هذا قامت الثورات الربيع وكان الربيع العربي الموحى بمستقبل مشرق ان شاء الله على امتنا العربية .

(المصدر: موقع هويتي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى