
تلُّ السُّلطان تُباد.. و50 ألف فلسطيني بين نار القصف ومصيرٍ مجهول!

في مسلسل الإبادة الجماعية التي تشنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، صعّد الاحتلال من حربه على المواطنين الفلسطينيين غرب محافظة رفح جنوب قطاع غزة. حيث حاصر المدنيين، وأقام حاجزًا للتفتيش الأمني على طريق النزوح، بعد فترة وجيزة من إنذاره بإخلاء المنطقة، في سيناريو متكرر لما حدث في شمال القطاع في شهر أكتوبر الماضي.
ما يزيد على 50,000 مواطن محاصرون غرب محافظة رفح، بلا ماء أو غذاء أو دواء، وسط انهيار تام للخدمات الصحية. مصيرهم إما القتل أو السجن، بعد التصعيد في القصف الجنوني، الذي أسفر عن استشهاد وإصابة فلسطينيين، الكثير منهم لا يزال في الشوارع.
وقال نازحون حاولوا الخروج من الحي إن الآليات العسكرية الإسرائيلية أطلقت النار عليهم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم. فيما قالت مصادر طبية إن قوات الاحتلال منعت طواقم الإسعاف من إجلاء المصابين وانتشال جثامين من الحي.
ونقل شهود عيان صورًا مأساوية لستة شهداء لم يتمكن أحد من إنقاذهم، مما اضطر الأهالي إلى دفنهم تحت التراب خشية أن تلتهمهم الكلاب الضالة.
“نزوح تحت الموت”
عادت مشاهد النزوح مجددًا مع تصاعد الغارات الإسرائيلية، وسط انعدام أدنى مقومات الحياة. إذ يبحث النازحون عن مكان آمن، لكنهم وجدوا أنفسهم مجددًا في خيام مهترئة، رافقتهم في رحلات نزوحهم المتكررة على مدار أشهر الحرب، قبل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وحمل الفلسطينيون في رحلة النزوح، التي خاضوها مشيًا على الأقدام تحت أزيز الطائرات وتهديد القصف، بعضًا من أمتعتهم ومستلزماتهم.
وفي هذا السياق، قال أحد النازحين إنه لم يغادر منزله طوعًا، بل أجبرته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الخروج مع عائلته بحثًا عن مكان آخر. وأشار إلى أن قوات الاحتلال تستخدم جميع الوسائل لإجبارهم على مغادرة بيوتهم، بما في ذلك طائرات مسيّرة صغيرة الحجم تُستخدم لإرهاب العائلات داخل منازلهم.
وقال شهود عيان إن قوات الاحتلال وضعت حاجزًا للتفتيش الأمني في طريق النزوح الذي حددته لمرور الفلسطينيين، الأمر الذي نشر حالة من الذعر في صفوف المواطنين.
وأفادت مصادر محلية أن جيش الاحتلال استهدف عربات (تجرها حيوانات) وعشرات النازحين خلال خروجهم من حي تل السلطان، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى.
“جثث في الشوارع”
الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، كشف عن الوضع المأساوي الذي تعيشه مدينة رفح جراء الاستهداف الممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي للطواقم الطبية والمسعفين.
وقال الهمص: “الاحتلال يستهدف الطواقم ويعرقل عملها، واليوم كان أكبر دليل؛ دخلت 4 سيارات من إسعاف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بسائقيها وضباطها، والآن فقدنا الاتصال بهم. ما يصلنا من داخل منطقة تل السلطان أنها، كما يقول الاحتلال الإسرائيلي، منطقة قتال ومنطقة حمراء”.
وأوضح أن الوضع الصحي في رفح كارثي، حيث لا توجد مستشفيات أو مراكز طبية تقدم الخدمات للجرحى، مما يجعل المصابين في وضع حرج للغاية.
وأضاف أن محاولات فرق الدفاع المدني لإنقاذ زملائهم من طواقم الإسعاف باءت بالفشل، حيث انقطع الاتصال بهم أيضًا بعد دخولهم إلى المنطقة المستهدفة.
كما تحدّث عن المشاهد المروعة التي تصل من رفح، حيث تنتشر جثث الشهداء والأشلاء في الشوارع دون إمكانية انتشالها، في ظل استهداف الاحتلال لكل من يحاول تقديم المساعدة.
وفي ظل الوضع الكارثي، وجّه الهمص نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل الفوري وإنقاذ الجرحى، محذرًا من أن استمرار الاستهداف المتعمد للطواقم الطبية يُنذر بكارثة صحية غير مسبوقة في المدينة.
“تل السلطان مقبرة جماعية”
بلدية رفح جنوبي قطاع غزة، قالت إن حي تل السلطان غربي المدينة يتعرض لإبادة جماعية، وإن آلاف المدنيين محاصرون تحت قصف إسرائيلي عنيف. في حين ارتفع عدد الشهداء منذ فجر اليوم إلى 21 في أنحاء متفرقة من القطاع.
وقالت البلدية في بيان صحفي إن الاتصالات مقطوعة عن حي تل السلطان، والعائلات بلا ماء أو غذاء أو دواء، وسط انهيار تام للخدمات الصحية. موضحةً أن الجرحى في المنطقة ينزفون حتى الموت، والأطفال يموتون جوعًا وعطشًا تحت الحصار والقصف المتواصل.
وأضافت: “إمعانًا في الجريمة، لا يزال مصير طواقم الإسعاف والدفاع المدني مجهولًا منذ أكثر من 36 ساعة، بعد فقدان الاتصال بهم أثناء توجههم إلى تل السلطان لإنقاذ الجرحى”.
وأشارت إلى أن: “استهداف المنقذين وعرقلة عملهم يُعد جريمة حرب بشعة وانتهاكًا صارخًا لكل القوانين الدولية والإنسانية. ما يجري في تل السلطان هو جريمة إبادة تُرتكب أمام أعين العالم، وسط صمت مخزٍ وتخاذل دولي غير مبرر”.
وحملت بلدية رفح الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، كما حمّلت المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة مسؤولية صمتهم وتخاذلهم.
وطالبت بـ”تدخل دولي فوري وحاسم لإنقاذ المواطنين المحاصرين، عبر فتح ممرات آمنة لإجلاء العالقين تحت النار، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وإجبار الاحتلال على وقف هجماته الهمجية على رفح وتل السلطان فورًا”.
كما دعت إلى الكشف الفوري عن مصير طواقم الإسعاف والدفاع المدني، ومحاسبة الاحتلال على هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية.
وأكدت البلدية أن استمرار الصمت الدولي يعني التواطؤ المباشر في هذه المجازر، داعية العالم إلى أن يتحرك الآن، قبل أن تتحول تل السلطان إلى مقبرة جماعية لسكانها ومنقذيها.
تحذيرات الدفاع المدني
من جانبها، حذرت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة من خطر محدق يتهدد أرواح ما يزيد على 50,000 مواطن في منطقة البركسات غرب محافظة رفح، بعد أن تم حصارهم من قبل قوات الاحتلال.
ودعت المديرية، في بيان وصل وكالة “شهاب” يوم الأحد، الصليب الأحمر والمنظمات الدولية إلى القيام بمسؤولياتها في حماية المواطنين والطواقم المحاصرة.
كما حذّرت من المساس بطواقم الدفاع المدني التي تعرضت للحصار في ذات المنطقة، بعد تدخلها لإنقاذ طواقم من الهلال الأحمر، وما زال الاتصال بها مفقودًا.
يُذكر أنه منذ فجر يوم الثلاثاء 18 مارس/آذار الجاري، خرق الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل شهرين مع حركة حماس، وأُطلق بموجبه سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين وجثث آخرين، مقابل الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.