تلازم المنظومة الحضارية مع المنظومة القيمية الإسلامية
بقلم د. خالد سعيد
لا يتزعزع اليقين في منهج الحضارة الإسلامية في نفوس أبنائه إلا في فترات التخلف والتراخي والجهل بمنهج الوحي.
وإن المتأمل لهذا المنهج ليجد أنه من المستحيل أن يتبدل أو أن يصيبه عوار النسبية بل هو أكثر تماشياً مع حقائق التاريخ والاجتماع والسياسة؛ بحيث يصيغ ما تمكن تسميته “بثبات القيم” وهو الأمر الذي فقهه مفكرونا العظام.
فعندما تقرأ لعالم مثل الدهلوي في كتابه: “كشف الخفاء عن خلافة الخلفاء” ما ينقح الدول والأشخاص والحوادث بفرزها على “مبدئية القيم” الراسخة، إذ يعد فترة كخلافة أبي بكر وعمر أرشد من غيرها؛ بينما يعتبر أن خلافة عثمان وعليّ شابها ملك (ربما لتطور الدولة ونظمها) مع أنهم جميعاً راشدون، ثم يصنف ملك معاوية في طائفة الملوك الراغبين؛ رضي الله عنهم أجمعين بينما يندرج غيرهم من الملوك الأمويين والعباسيين في الملوك المتغلبين، وبغض النظر عن مناقشة مثل هذا الطرح إلا أن ما يعنيني هنا هو التأكيد عل الثبات القيمي المتحرك داخل إطاره المرن لا الجامد؛ وهذا على صعيد التطور التاريخي والأممي.
وعلى نفس المنهاج تتعامل آلات علم الحديث المتطورة جداً آنذاك مع ما ينسب لرسول الله عليه الصلاة والسلام نقداً وتفنيداً حتى تحافظ على “ثبات القيم” من أية شائبة وتكشف عن تأثير حركة السياسة في محاولات الإدراج أو الوضع، كزيادة حديث: وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع، أو زيادة: فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد، الباطلتين مع كون الأصل صحيحاً لورود أصل كلا الحديثين في الصحاح؛ وما تؤديان إليه من حرف للأمة عن مبادئها الثابتة وتطويعها للنسبية السائلة الخاضعة لمنطق السلاطين لا الشرع الحنيف.
أما على مستوى التطور الأخلاقي فينضبط التحريم والتحليل بالقاعدة الاستقرائية والاستنباطية من مجموع النصوص وبالجمع بين أطراف الأدلة فيما هو خاضع للتطور والتغير، فهذه ثلاثة لا تستوفي المقصود: النقد السياسي والتاريخي بالعرض على مفرزة القيم والتنقيح المصدري لضبطها والتطبيق التنفيذي غير المنخرم، وبهذا فالمنهج الإسلامي راسخ من جهة ومتحرك ومرن من جهة أخرى وهذا هو معنى الوسطية وهو ما يحيل النسبية كذلك.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)