تقارير وإضاءات

تقرير عن ندوة “تفكيك العنف: في سياق تعزيز ثقافة الاختلاف وتدبيره”

نظم مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث، ندوة علمية عشية الجمعة 23/02/2018، بقاعة لسان الدين بن الخطيب بفاس، وشارك في هذه الندوة ثلة من الأساتذة أهل الفكر والثقافة، السادة الأساتذة: الدكتور عبد العزيز انميرات، والدكتور إلياس بلكا، والدكتورة حكيمة الحطري، وسير الندوة الدكتور محمد الصادقي العماري مدير المركز.

 

تعرض الدكتور عبد العزيز انميرات في مداخلته التي عنونها بـ “العنف: تفكيك المفهوم ودلالة السلوك”، إلى المقاربة المفاهيمية لظاهرة العنف ودلالاتها، وأشار إلى الاختلاف الحاصل في تعريف العنف؛ إذ يصعب الوقوف على مفهوم شامل جامع لهذه الظاهرة؛ لاختلاف زوايا النظر الإيديولوجية، واختلاف مجالات العنف، لكن يمكن رصد بعض المعاني التي أشارت إليها هذه التعاريف، فإذا جمعناها تجلى لنا خطر هذه الظاهرة ومنها: “استعمال القوة” “الأثر النفسي” “الإيذاء الجسدي” “اختلال النظام” …

كما أشار إلى أسباب ظاهرة العنف وذكر منها: الأسباب الأسرية، والاجتماعية، والسياسية، وأسباب ترتبط بالمؤسسات التعليمية والجامعية، وفصل في هذه الأسباب كلها وأكد بالأساس على العنف الأسريوالمدرسي والجامعي، وعدد مظاهره على مستوى الواقع.

وختم مداخلته بمقترحات للتخفيف من ظاهرة العنف، ما دام القضاء عليه لا يدخل في حيز الإمكان، وقسمها إلى وقائية وعلاجية، وركز الدكتور على تعزيز ثقافة الاختلاف، وذلك بدعم المراكز العلمية المتخصصة، ولم يفوت فرصة التنويه بفكرة مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث؛ إذ بمثل هذه المراكز يمكن تضييق دائرة العنف في المجتمع الإنساني، وتعزيز ثقافة الاختلاف، وإدارته بحكمة.

أما المداخلة الثانية فكانت للدكتورة حكيمة الحطري، الأستاذة الجامعية والفاعلة الجمعوية، المهتمة بالشأن الأسري وقضايا المرأة، وكان سيماؤها: “قراءة في دراسة مفاهيم نبذ العنف عن المرأة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة”، فجاءت دراستها على شكل جرد واستقراء لمفاهيم الوحي، التي تدحض أطروحة أن نصوص الوحي تكرس ظاهرة العنف ضد المرأة، وأن ما يقع للمرأة من ممارسات عنيفة في أوطاننا العربية والإسلامية، مستمد من النصوص التأسيسية الأولى لرسالة الاسلام.

وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن الاسلام ينبذ العنف ضد المرأة، وأن نصوصه قرآنا وسنة جاءت بمفاهيم تؤكد كرامة المرأة، وأنها شقيقة الرجل في الأحكام، وأنها هي والرجل من أصل واحد، وأن الله تعالى جعل بين الرجل والمرأة المودة والرحمة، ونبذ العنف والكراهة ..، إلى غير ذلك، مما يوضح رؤية الوحي اتجاه عنف المرأة، وأكدت الدكتورة في آخر مداخلتها على أن نصوص الوحي تنبذ العنف، وتحث على شرعية الاختلاف، وتدعوا إلى إدارته وتدبيره.

أما المداخلة الثالثة والأخيرة: “إدارة العنف: مقارنة بين التراثين الإسلامي والغربي”، فكانت للدكتور إلياس بلكا، الذي حاول مقاربة الموضوع مقاربة مقارِنة، حيث عرض لظاهرة العنف في الفكر الغربي وواقعه، وعرج على بعض الصور التي تؤكد ترسيخ ثقافة العنف في الفكر الغربي، وذكر منها: الاضطهاد الذي تعرض له الهنود الحمر، وما وقع في الحرب العالمية الاولى التي كان عدد ضحاياها تقريبا عشرين مليون إنسان، والحرب العالمية الثانية، كان عدد ضحاياها أكثر من أربعين مليون إنسان …، وغيرها من الصور العنيفة التي تؤكد رسوخ ثقافة العنف في الفكر الغربي، وألمع إلى أن الغرب وضع مجموعة من الآليات، ساعدته على تضييق دائرة العنف داخليا، ومن هذه الآليات: الديمقراطية، الأحزاب، والنقابات، والإعلام ..، فاستطاع من خلال هذه الآليات، أن يستوعب العنف داخليا إلى حد ما، لكنه صدره خارجيا.

وقال الدكتور إلياس أن الأصل في الثقافة الإسلامية هو اللاعنف، وأن العنف منبوذ منهي عنه، إلا أن المسلمين تأثروا بغيرهم من الثقافات الأخرى، وسنة التأثير والتأثر واقع في تاريخ البشرية، وأشار الدكتور إلى نكتة علمية دقيقة، تتعلق بتصنيف الفقهاء للممارسات العنيفة، وقسمها إلى: صنف قطاع الطرق، الذين ينهبون، ويسرقون، ويقتلون بدون وجه حق(الحرابة)، وصنف الخارجين على الحاكم -الدولة-، وتطالبه بمطالب معينة(البغاة)، وصنف الخارجين على الحاكم -الدولة-، ولهم رئيس، ورأي سياسي موحد، وترفع السلاح في وجه الحاكم –الدولة-(الخوارج)، ..

وبعد التفصيل في هذه الأصناف، ختم الدكتور مداخلته بخلاصة دقيقة مفادها: أن العنف لا يصيب إلا المجتمعات المنغلقة، ولا يصيب المجتمعات المنفتحة، وكأنه يقول إن علاج العنف يحصل بتعزيز ثقافة الاختلاف وتدبيره داخل المجتمعات الإنسانية، فكلما كان المجتمع متعايشا؛ يعترف بالمخالف، ويحترم الرأي الأخر،وتسوده ثقافة الاختلاف، كلما كان مجتمعا للسلم، وكلما ضاقت به ثقافة الاختلاف، كلما كان المجتمع مجتمعا للعنف والكراهية.

وبعد مداخلات السادة الأساتذة، ختمت الندوة بتدخلات الحضور من الأساتذة والباحثين، وسلمت شواهد المشاركة، وشواهد الانتماء للهيئة الاستشارية، للسادة المحاضرين.

 

 

(المصدر: مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى