مقالاتمقالات مختارة

تفكك النظام الدولي وقواعد الهيمنة

تفكك النظام الدولي وقواعد الهيمنة

بقلم بادية شكاط

يقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، وأحد أشهر مهندسي النظام العالمي “هنري كيسنجر”: “الشرعية تعني قبول كل القوى الكبرى إطار النظام الدولي، بحيث لا يوجد على الأقل دولة مستاءة جدًا.. النظام الدولي لا يجعل الصراعات مستحيلة،فقد تقع الحروب ولكنها ستخاض باسم الهيكل الحالي، ويبرّر السلام الذي يلي بأنه تعبير أفضل عن الإجماع العام المشروع، ولا تكون الدبلوماسية بمعناها التقليدي -أي تسوية الاختلافات عن طريق المفاوضات ممكنة- إلا في الأنظمة الشرعية”

إنّ أكثر ما يزعزع استقرار النظام الدولي هو ذلك التباين الذي يحصل بين الدول في القدرات العسكرية، الاقتصادية، والتكنولوجية، فيتغير النظام من حالة التوازن والاستقرار إلى حالة الفوضى والدمار، وعلى أنقاضه  يبني هذا النظام قواعده على ما يدعوه الشرعية الدولية.

فكيف نشأ النظام الدولي الحالي وكيف استمد شرعيته؟

منذ اكتشاف المادة، بدأت أوروبا تنتقل من البيولوجيا إلى الميكانيكا، فكانت بحاجة ماسة إلى ثروات الأرض الباطنية، التي تعتبر الدول العربية منها ثرية، وحتى يحافظوا على هيمنتهم على تلك الدول، أرادوا الحصول على الثروات بأقل تكلفة، فأنشئوا لأجل ذلك وحدة سياسية هي ما يدعى بالدولة القطرية، فمزقوا المنطقة العربية، وفككوا الدولة العثمانية، وقسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام إلى أربع دول باتفاقية سايس بيكو، ثم قسموا الجزيرة العربية إلى سبع دول، ودول المغرب العربي الكبير إلى خمس دول، وبلاد الترك إلى سبعة دول، وانتقموا من الأكراد الذين طردوا الصليبيين وانتفضوا لاستعادة الدولة العثمانية، فقاموا بتوزيعهم على أربع دول،لكن بعد حرب الخليج الثانية سنة 1992، وعلى منبر الأمم المتحدة دعا جورج بوش إلى نظام عالمي جديد، فظهرت العولمة كنظام عالمي يربط مصالح البشرية بدون أية خصوصية، وانفتح العالم على بعضه البعض، ونشأت تنافسية عالمية عالية حول القطبية، فالصين بدت كعملاق استيقظ لينافس أمريكا بغزارة إنتاجه، ورواج سوقه، فاستعرت بين الدول الكبرى معارك وجودية بمقاربات أمنية،سياسية واقتصادية تضمن لها استمرار الهيمنة، خاصة وأن النظام الرأسمالي في طريقه إلى الزوال، وبات مجرد بناء هش لا يمكن أن تقف عليه أقدام الدول الكبرى لتحكم العالم من جديد، وأمام كل ذلك أصبحت الدول الكبرى منقسمة بين دول تريد الحفاظ على الهيمنة ودول تتنافس عليها، ونحن كدول ضعيفة مجرد قواعد نحفظ هذا البناء كي لا ينهار.

وأمام كل ذلك ماذا تفعل الدول العربية للخلاص من الهيمنة؟

إنّ الشعوب العربية وهي تنتفض بما يسمى بثورات الربيع العربي تمر بثلاث مراحل في ثوراتها:

1- مرحلة إسقاط الرئيس

2- مرحلة تفكيك قواعد النظام

3- مرحلة تفكيك قواعد الهيمنة

وللأسف فإن ما شاهدناه يتكرر من مخرجات الثورات العربية هو التوقف عند إسقاط الرئيس، وبعدها إما أن تحدث انتخابات رئاسية مزورة، يتم من خلالها ترئيس مَن يُجدّد الرئيس، فيكون الانقلاب الناعم على الشرعية الشعبية، أو انقلابات مباشرة عسكرية، أو انتخابات نزيهة فيها يعين الرئيس الشرعي وتسلب منه كل صلاحية سيادية،يمكن أن تجعل من دولته دولة قوية.

فما هو خطأ الشعوب العربية لعدم إمكانية تفكيك قواعد النظام يا ترى؟

يقوم النظام الدولي على قواعد عالم إسلامي قابل للالتحام بعد الانقسام، ولحماية تفككه، قاموا بربطه بثلاث مرابط في المنطقة الإسلامية:

1- المربط اليهودي: في بيت المقدس، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية لمنع أي شكل من أشكال الالتحام.

2- المربط النصيري في الشام: غايته احتواء كافة حركات التحرر والتمرد التي ستنشأ ردًا على تفكيك العالم الإسلامي والهيمنة.

3- المربط العقدي: المنتشر في كل العالم، والذي بموجبه وظفت الفتوى في خدمة النظام الدولي وأمنه واستقراره، فضلاً عن فرض الوصاية التامة للدولة القومية على الدين.

ومن الواضح والجلي أن الوعي بهذه المرابط هو السبيل لتفكيكها، غير أن عملية التفكيك لا تتم بالاعتماد على  الدول الخارجية أو من خلال الثورة المضادة الداخلية، بل تتم من خلال الشعوب الإسلامية التي تقرر أن يكون الإسلام بينها رباطًا أشد من أي رابطة دموية، وأن تجعل من الحرية غاية، ومن قوتها العسكرية، العلمية، والاقتصادية، ووحدة شعوبها عروة وثقى تفك كل مرابطهم الشيطانية.

يقول عبد الوهاب المسيري:”عندما يُدرك الناس أنّ الدولة تُدار لحساب نخبة وليس لحساب أمة، يصبح كل فرد غير قادر على التضحية من أجل الوطن وينصرف ليبحث عن مصلحته الخاصة”.

إنه لمن المؤسف أن لا نفهم ما يراد بنا، فنواجه ما يتربص بنا من دوائر الاستعمار بكثير من الإستحمار، ونصير كمن بيته يحترق وهو بدل أن يسارع بالإطفاء،يسارع بالتضرع والدعاء، ونخلط بين مهمة مسلم في الحياة، وبين مهمة نبي من الأنبياء، فنسلك سبيل التيه ونحن من يحمل مصابيح الهدى،لنصل إلى واد من التخلف سحيق، بزادٍ من الذاكرة المشرقة عتيق.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى