تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان
بقلم د. ياسر عبد التواب
من الاعتراف بالتغير الذي يطرأ على الناس سواء أكان سببه فساد الزمان كما يعبر الفقهاء، أو تطور المجتمع، أو نزول ضرورات به،
ومن ثم أجاز فقهاء الشريعة تغيير الفتوى بتغير الأزمان والأمكنة والأعراف والأحوال،
مستدلين في ذلك بهدي الصحابة وعمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نهتدي بسنتهم ونعض عليها بالنواجذ.
بل هو ما دلت عليه السنة النبوية، وقبلها القرآن الكريم،
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين : ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم , فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال , وذلك كله من دين الله تعالى
ويقول الأستاذ صبحي المحمصاني مسجلا موقف الصحابة في كتابه “تراث الخلفاء”:
وقد أقروا مبدأ تغير الاجتهاد فتوسع عمر الفاروق بوجه خاص في الاجتهاد وفي تفسير النصوص بما يلائم حكمة التشريع وفلاح العباد ويناسب تطور الزمان والمكان وتقلبات الأحوال
وتعرض في ذلك لمسائل عديدة منها المؤلفة قلوبهم والطلاق الثلاثي المتسرع وبيع أمهات الأولاد وعدم التغريب في الحدود وإعفاء السارق من القطع عام المجاعة وتطوير عقوبة التعزير تأديباً وزجراً للمذنبين والمجرمين وتحديد عاقلة الدية في القتل والجراح وتفصيل أمور ضريبة الخراج”.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز قوله: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وقد قال ابن رشد إن لله أحكاماً لم تكن أسبابها موجودة في الصدر الأول فإذا وجدت أسبابها ترتبت عليها أحكامها.
هذه القاعدة وردت في مجلة الأحكام العدلية بعنوان: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان”.
وهي قاعدة ليست على إطلاقها فليست كل الأحكام تتأثر بتغير الزمان فوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وبر الوالدين والكثير من أحكام المعاملات والأنكحة
وكذلك فإن المنهيات القطعية كالاعتداء على النفس والأموال والأعراض وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأكل أموال الناس بالباطل ومنها الغش والخيانة ومحرمات عقود الأنكحة ومحرمات عقود البيوع المشتملة على الربا أو الغرر الفاحش أو الجهالة فكل تلك لا تستباح إلا بالضرورات التي تبيح المحظورات.
وإنما نقصد بالتغير ما قد يطرأ من صور تدخل في إطار عام مما أباحه الإسلام.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)