مقالاتمقالات مختارة

تعصب ديني وعلماني.. كيف ينشأ التطرف الفكري؟

تعصب ديني وعلماني.. كيف ينشأ التطرف الفكري؟

بقلم صهيب الزبيدي

إن معظم الأديان حول العالم لديها حركات أو مجموعات أصولية في داخلها تستمسك بالنص وتسعى لنصرة دينها وفكرته بالطريقة التي تراها مناسبة. قد تكون هذه الحركات دينية أو سياسية أو اجتماعية حيث تكون لها أشكال عدة ومنطلقات مختلفة. حيث نجد أن أغلب هذه الحركات وخصوصا في العراق يكون لديها أهداف سياسية وإن لم تكن معلنة كما في حالة داعش. إن الطابع العام لهذه التنظيمات قد يكون العسكرة أو الاجتماعية السلمية أو السياسية كما نرى في الأصولية البعثية التي تعتمد على نظام القطب الواحد في هيكليتها السياسية.

إن المجتمعات التي تعيش قريبا من الصحراء تميل إلى البداوة أكثر من ميلها إلى الحضارة في صفات أفرادها وسلوكياتهم وفي حركة المجتمع أو الحركات الاجتماعية داخل هذا المجتمع. يعد العراق من البلدان الحضرية التي تعتبر من أولى الحضارات الإنسانية في العالم المتمثلة بأول مدينة حضرية في العالم وهي ميزوبوتاميا أو ما يسمى بحضارة وادي الرافدين. إلا أنها تعرضت للعديد من الموجات البدوية عبر التاريخ كونها قريبة جدا من الصحراء العربية. حيث تعتمد هذه المجتمعات البدوية على صفة التغالب في بينها كما يقول عالم الاجتماع علي الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي).

التغلب، السبي، الغارات هي أوجه من الصفات التي تتمتع بها المجتمعات البدوية وتكون واضحة في حالة الأصوليين العرب وما يدعون إليه من أفكار وممارسات يروجون لها بالنص لا بتفسيره حسب معطيات العصر داعش نموذجا. حيث نستطيع أن نعتبر أن الأصولية وجه أخر أو ممارسة واضحة في مجتمعاتنا والتي تمثل جزء أو شكل من أوجه البداوة في المجتمعات العربية. حيث تتعرض مجتمعاتنا إلى موجات تتغلب فيها الصفات الحضرية على البدوية والعكس صحيح.

إن الفترة الملكية والتي استمرت إلى عام 1958 من أبرز المراحل التي مرت على العراق والتي تعتبر حضرية. كان العراق في هذه الفترة غني بالنخب السياسية الرائدة التي تحكم البلد وفق نظام توزيع السلطات المدني. فكان العراق يخضع لنظام واضح يعتمد على المهنية والكفاءة والمصداقية والدبلوماسية العالية. إلا أن الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم في عام 1958 صار نقطة تحول بارزة في طبيعة المجتمع العراقي من الناحية السلبية أكثر منه في الجوانب الإيجابية. يعقب كل انقلاب عسكري أو سياسي نظام بوليسي قمعي يعتمد على تصفية المنافسين حيث تم قتل العائلة الحاكم كلها وتعتبر مجزرة لن ينساها أبناء الشعب العراقي أبدا.  فكان هذه الانقلاب بداية لمجموعة من الانقلابات قد تشبه كونها موجات بدوية أثرت على المجتمع العراقي بشكل كبير ولا يزال تأثيرها إلى الآن. هذه الانقلابات نتج عنها الأصولية البعثية إضافة إلى أشكال أخرى للأصولية كانت نتيجة لهذا الانقلاب أو غيره نأتي إلى ذكرها لاحقا.

الأصولية العلمانية وجه من أوجه البداوة لأنها تتجه نحو التفريط وخصوصا حين تتخذ خرق القواعد الإنسانية والدينية الأخلاقية في المجالات السياسية والحياتية الشخصية والمجتمعية قاعدة من قواعدها. فكان نتيجة ممارسات نظام الشاه في إيران تشكل الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة خامنئي ويده اليمين كما يقال المفكر الاجتماعي علي شريعتي. حيث كان مبدا نقل ونشر الثورة عنصر أساسي وكان العراق أول الوجهة لهذه الثورة والذي أدى إلى صراع طويل الأمد بين الأصولية البعثية والأصولية الخمينية والتي تشكلت بحرب استمرت 8 سنين والتي اعتبرت انها أطول حرب في القرن العشرين. يعتبر النظام الإيراني شكلا واضحا من أشكال الأصولية الدينية التي لها التأثير الأكبر في تغذية وإعادة تغذية الحركات الأصولية في العراق كالحشد الشعبي وداعش كرد فعل على من تمولهم إيران.

الأصولية طبيعة ترافق الطبيعة البدوية ولا تعالج إلا بعد معالجة الصفات البداوية. يقصد هنا بمعالجة الصفات البدوية هو زيادة مركزية الدولة وإعادة التوازن الريفي والمدني على الجغرافيا العراقية. تحسين نظام التعليم وجعله نظام تعليم يركز على المنظومة الدينية والقبلية في المجتمع العراقي ويروضها نحو مركزية الدولة لا مركزية القبيلة أو المرجع الديني. إن التعصب لأي فكرة كانت يذهب عالميتها ويفقد من قيمتها مهما كانت وأيا كانت. فمن الممكن أن نقول أن الفكر الحر والمرونة في فهم المعاملات الحياتية سبيل يجب أن يتبع من قبل الشعوب لتحقيق الحضارة وفق فكر حر يعطي الجميع حق الحرية والعيش والسلام والاستفهام.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى