مقالاتمقالات المنتدى

تعزية للشعب العراقي والأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الداعية والمفكر الدكتور محمد أحمد الراشد (رحمه الله)

تعزية للشعب العراقي والأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الداعية والمفكر الدكتور محمد أحمد الراشد (رحمه الله)

 

كتبه: د. علي محمد الصلابي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (خاص بالمنتدى)

 

قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾

توفي يوم أمس الثلاثاء الموافق 23 صفر 1446هـ / 27 أغسطس 2024م في دولة ماليزيا أحد أعلام الدعوة الإسلامية في التاريخ المعاصر الشيخ العراقي عبد المنعم صالح العلي العزي المعروف #محمد_أحمد_الراشد رحمه الله، عن عمر ناهز الــ 86 عاماً، وكان أحد كبار رجالات الإصلاح والفكر الإسلامي.
نُعزي الشعب العراقي والأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الداعية والمفكر أحمد الراشد (رحمه الله)، التقي الورع، والصادق المخلص، صاحب السبق والفضل، والعمل والهمة، والجد والسعي، وقد كان لي أن تتلمذت على كتبه، وأخذت عنه وعرفته معرفة شخصية والتقيت به مرات عديدة، فكان ذا علم وفهم، وفقه وأدب، وفكر وعمق، يمتلك رؤية واضحة ويمتاز بها في طرحه ونظرته ووعيه (رحمه الله تعالى وأكرم نزله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء).
إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى عظم الله تعالى أجرنا، وغفر لفقيدنا، وجعله في عليين، وصبّر قلب أحبابه وأهله.
سيرته وحياته:
اسمه ونسبه:
هو عبد المنعم صالح العلي العزي (مواليد بغداد، 8 يوليو 1938 م، واسمه الحركي: محمد أحمد الراشد) وهو داعية إسلامي، هاجر بعد حرب الخليج الثانية إلى أوروبا، ويعتبر الراشد من أهم منظري ومؤلفي الحركة الإسلامية فهو مؤلف العديد من الكتب التي تحاول أن تجمع روح الحركة مع العلم الإسلامي ونوع من الروحانيات والتأكيد على الأخلاق الإسلامية. وترجمت كتبه للكثير من اللغات الأجنبية، يعتبر الراشد من أهم منظري ومؤلفي الحركة الإسلامية فهو مؤلف العديد من الكتب التي تحاول أن تجمع روح الحركة مع العلم الإسلامي ونوع من الروحانيات والتأكيد على الأخلاق الإسلامية، وترجمت كتبه للكثير من اللغات الأجنبية.
ومن يقرأ كتب الراشد يرى بوضوح وجلاء تام أن كاتبها ليس مجرد داعية قضى عمره في الدعوة إلى الله، ونشر العلم فحسب، وإنما يرى فيه أديباً يجاري كثيراً من الأدباء في بلاغته، وهذا الأسلوب إنما جاء مع كثرة الاطلاع الأدبي وقراءة كتـب الادباء والشعراء؛ يقول الشيخ عن نفسه: ولما كنت في أول شبابي وقع في يدي كتاب وحي القلم للرافعي فقرأته مراراً؛ الجزء الأول من وحي القلم قرأته عشرين مرة؛ أما إذا أردت المبالغة أقول أكثر من ذلك لكن عشرين مرة أجزم بها”.
وقرأ لأدباء كثر من العصر العباسي حتى العصر الحاضر، كالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام، وهو أكثر من تأثر به الشيخ بعد الرافعي، وعشرات الدواوين والمجلات الأدبية ناهيك عن كتب الفقهاء المتقدمين الذين تمتاز كتبهم بقوة عباراتها ورصانة جملها.
لذلك جاءت كتبه مزيجاً عجيباً من الأدب والفقه والعقيدة، والاستشهاد بأقوال السلف، والخلف، مع إيحاءات ثقافية عامة لا تكاد تنفك عن كل كتاباته.
دراسته، ومراحل تعليمه:
درس الابتدائية في مدرسة تطبيقات دار المعلمين، وهي أرقى مدرسة في العراق، وكان وهو ابن ثماني سنوات يقرأ المجلات الأدبية كمجلة الأنصار وغيرها بتشجيع من أخيه الأكبر.
وتميز عبد المنعم في صباه بالوقار والجدية وعفة اللسان والصدق والطاعة والالتزام والاحترام لمعلميه، كما كان واسع النشاط متعدد المواهب، فكان يلعب كرة القدم ويجيد الركض والسباحة، فقد عبر نهر دجلة وعمره 8 سنوات ودون الاستعانة بأحد، كما كان لا يفتر عن التجوال على الدراجة الهوائية، تفتحت نفسه منذ الطفولة المبكرة على العلم والقراءة والمطالعة، فقد كان شقيقه الأكبر يضع مجلة الرسالة في يده فيأتي عليها من الغلاف إلى الغلاف دون أن يفهم منها إلا قليلاً، ولكن ترسبت منها في اللاشعور بعض معانيها، مما ضاعف لديه سمة الجد الذي فطره الله تعالى عليه.
درس الراشد في كلية الحقوق في جامعة بغداد فتلقى فيها أصول الفقه والمواريث ومسائل الطلاق، وأبواباً من المعاملات عبر الفقه المقارن، مما أدى إلى توسيع مداركه في العلوم الشرعية، وتخرج فيها عام 1962م.
وهكذا، بدأ رحلته الدعوية من العراق، بغرس شرعي ودعوي ونشاط دعوي كبير منذ صغره، ثم انتقل إلى الكويت، وأسهم في الكتابة بمجلة “المجتمع” الكويتية الشهيرة، وأسس محاضن تربوية، وشرعية، فتعلم، وتأسس فيها العديد من الشباب، ثم انتقل إلى الإمارات، وكتب في مجلة “الإصلاح” هناك، وعمل في الدعوة والتربية كذلك، وبعدها انتقل إلى أكثر من دولة ختامها في ماليزيا حيث عاش بقية حياته هناك .
أساتذته وتلاميذه:
تتلمذ على أيدي العلماء والدعاة، ومن أبرزهم نذكر:
1-الشيخ عبد الكريم الشيخلي، وهو من علماء السلف، وقد قاتل مع الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله في كثير من معاركه، وقد تتلمذ على يديه في الحديث.
2- الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي: عالم معروف نال الدكتوراه من ألمانيا، أخذ عنه علوم الحديث.
3-والشيخ محمد القزلجي الكردي: وهو من أوائل الطلاب الذين درسوا في الأزهر، لازمه 3 سنوات منذ عام 1956م وقرأ عليه مقدمات في علم الفقه، وكتاب الهداية في الفقه الحنفي، ومسائل لغوية أخرى، وقد حضر عنده الراشد يومياً من صلاة العصر إلى المغرب.
4- والشيخ أمجد الزهاوي -رحمه الله- رئيس علماء العراق، من خلال دروسه في المساجد.
5- ثم الشيخ محمد بن حمد العسافي: وهو صاحب توجه سلفي، ومن أهل نجد الذين سكنوا مدينة الزبير، ثم انتقل إلى بغداد، وغيرهم من العلماء الذين كانت تزخر بهم العراق.
كما تأثر الراشد بفكر محمد محمود الصواف، وبقصائد شاعر الدعوة وليد الأعظمي، وتميز بسعة اطلاعه على كتب الأدب والشعر بدءاً من العصر العباسي حتى العصر الحديث إذ تأثر بالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام وغيرهم كثير وكتب عنه:
مؤلفاته:
ساهم الشيخ محمد أحمد الراشد بالعديد من المؤلفات فى مجال الدعوة والتربية وتقديم النصائح للدعاة، ومنها:
ـ إحياء الإحياء، وهو تهذيب إحياء علوم الدين.
ـ إحياء فقه الدعوة، رواية الجانب الشرعي من فقه الدعوة، تتناول رواية الجانب المعرفي العام استلالاً من الفلسفات والآداب والتاريخ والفن، من أجل إحاطة شاملة وموازاة النمط العصري، وقد تم ترجمته إلى اللغة التركية.
ـ أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلامية، في أربعة أجزاء تتناول منهجية الاجتهاد وسياسات الدعوة الداخلية والخارجية.
ـ الرقائق
ـ الظاهرة القيادية.
ـ العوائق.
ـ الفقه اللاهب، وهو تهذيب لكتاب الغياثي للجويني.
ـ المسار، ترجم إلى الملاوية.
ـ المنطلق، ترجم إلى الملاوية.
ـ النفس في تحريكها الحياة.
ـ تهذيب العقيدة الطحاوية.
ـ تهذيب مدارج السالكين لابن القيم. نشره باسم عبد المنعم صالح العلى العزى، دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا، 1997م.
ـ تنظير التغيير، ويتناول ما يتعلق بنظرية التغيير السياسي الإسلامي، محاضرة ألقاها على القيادات الدعوية بعد خلع طاغية مصر مبارك عن عرشه.
ـ حركة الحياة.
ـ دفاع عن أبي هريرة. وأقباس من مناقب أبي هريرة (وهو مختصر الدفاع).
ـ رؤى تخطيطية.
ـ سلسلة رسائل بعنوان: (مواعظ داعية)، وهي سلسلة جديدة تمزج الموعظة بفقه الدعوة، الرسالة الأولى منها:(صراطنا المستقيم)، والرسالة الثانية: (آفاق الجمال).
ـ صحوة العراق.
ـ صناعة الحياة، دار الفكر، دمشق ،2004، وترجم إلى الانجليزية.
ـ عبير الوعي.
ـ عودة الفجر.
ـ رسائل (حركة الحياة).
ـ رسائل العين.
ـ سبائك السُبكي، تهذيب لكتاب تاج الدين السُبكي (معيد النِعَم ومبيد النِقم).
ـ صناعة الحياة.
ـ مواعظ داعية.
ـ موسوعة معالم تطور الدعوة والجهاد، في خمسة أجزاء.
ـ منهجية التربية الدعوية، في مجلد واحد.
وترجمت بعض كتبه إلى التركية والملاوية والتاميلية و الفارسية والروسية والصينية الإنجليزية والفرنسية.
ونشرت دار الغرب بعض مؤلفاته، وله مقالات في مجلة المجتمع، ومحاضرات في المؤتمرات.
ومقالات في مجلة المجتمع، ومحاضرات في المؤتمرات، وقد توجه بعض الدارسين لكتابة منهج الشيخ في الدعوة والتربية العلاجية وفي الموضوعات الحركية.
وهناك موضوعات في فكره ومنهجه تستحق الدراسة منها:
1-التربية السياسية في ضوء كتابات محمد أحمد الراشد.
2-أثر التربية الروحية في بناء الداعية من خلال كتابات الراشد.
3- التربية النوعية في ضوء كتابات محمد أحمد الراشد.
قالوا عنه:
قال عنه الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
كان أحد أبرز القيادات الإسلامية التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الدعوة. تتلمذ على يد كبار الشيوخ والعلماء في بغداد، مثل الشيخ أمجد الزهاوي والشيخ العلامة محمد القزلجي، حيث جسّد روح العلم والإيمان. هاجر بعد حرب الخليج الثانية إلى أوروبا، لكنه أصر على أن يكون له دور فعّال في نشر رسالة الإسلام. ألّف العديد من الكتب التي مزجت بين الفكر الإسلامي والأدب الرفيع والأخلاق. ما زلت أذكر كيف كانت كلماته تعبر عن روحه الحقيقية، إذ قال: “يريدون تصفية العدو، ونفوسهم أحق بالتصفية”، مما يعكس عمق تفكيره ووضوح رؤيته.

وسأل الشيخ الكويتي الدكتور محمد عبد الله مطر (أحد طلابه) بعد نبأ وفاته سؤالاً، وهو:
السؤال: لماذا تميز محمد أحمد الراشد في إضافة بصمته الكبيرة؟
1- كانت كتبه ومقالاته فيها من العمق التأصيلي الشرعي والثقافي، فدراسته الشرعية العميقة في مختلف فنون الشريعة سخرها ووظفها بشكل رائع للتنظير الدعوي والحركي، فعند قراءة كتاب “المنطلق” مثلاً تجد التأصيل الرائع لمفاهيم الدعوة ومنطلقاتها بالأدلة الشرعية ، وأقوال العلماء ، والتجارب المعاصرة، واستخدام الأدوات الأصولية والتقعيدية.
2- قارئ نهم للتجارب السياسية والتاريخية وتعددية في المشارب الثقافية وظفها في كتاباته
3- صاحب ذوق مميز في الأدب والشعر خاصة، فعمل به بشكل مميز في كتاباته فأخذت لوناً جمالياً رائعاً، وأضاف أيضاً تأملاته ورسماته التي يضعها على أغلفة كتبه تعبر عن أفكاره وتصوراته للكتب.
4- قدرته الشرعية التأصيلية تجسدت في كتابيه : “الدفاع عن أبي هريرة” و “مناقب أبي هريرة” ثم تهذيبه “لشرح العقيدة الطحاوية” و “أصول الاجتهاد التطبيقي” في أربع مجلدات تطبق فيه نظريات أصول الفقه وقواعد بطريقة محترفة، وتهذيبه “لمدراج السالكين لابن القيم” ووضع عناوين الكتب بصورة جمالية تظهر عمقه الثقافي والشرعي.
5- لديه تدبر عميق في السياسة والتخطيط،والعمل الحركي الجماعي وظروفه الواقعية والنفسية وتجد تأملاته الجميلة في “المسار” و”صناعة الحياة” و”بوراق العراق” و”سلسلة رسائل العين” و”منهجية التربية الدعوية” و”مقدمات في العمل التطوري” وغير ذلك… فكتاباته كانت لوحة جمالية من تأصيل منحوت بأسلوب أدبي، ولمسات فنية، وعمق وتدبر .. وأضاف: تشرفت بالجلوس معه عام 2006م في قطر لمدة ثلاث ساعات كانت غير مملة، ومليئة بالفائدة، وغزارة التجربة. وختم بقوله: رحمك الله كم أسهمت في تربية أجيال الدعوة … وكم أسهمت في تأصيل مفاهيمها الدعوية والحركية، وكم كتبت منتقداً الانحرافات الفكرية والبدع ، وكم تدارس الشباب كتبك وتعلموا منها.. وعلى الحركة الإسلامية الوفا لهذا الرمز بنشر سيرته، وتدريس كتبه ، وتطبيق مقترحاته وتأملاته ..(فهو الوفاء الحقيقي).. .. أتعبت من بعدك يا أستاذنا أبو عمار..
وقال محمد أحمد الكندري: رحم الله فقيد الأمة الإسلامية الشيخ المصلح، والمفكر الكبير، والمربي القدير، والكاتب المتمكن..
وقال عنه الدكتور محمد الأحمري: الكاتب الموهوب والعالم واسع الاطلاع. كنا في زمن التكوين ننتظر مقالاته وكتبه الرائدة بكل شوق، مثل: المنطلق والعوائق والرقائق، ومقالاته الخالدة مثل: سهر ليلة شتاء طويلة مع إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، في مجلة المجتمع الكويتية، وقد كتب كتابا من أهم ما كتب في علم الحديث عن الشبه المثارة حول الصحابي أبي هريرة سماه: (دفاع عن أبي هريرة) نشره باسمه الحقيقي، وصمم غلافه في طبعته الأولى تصميما ذكيا رائعا، حصلت عليه حين كنت مسافرا في مكتبة بالباحة. وقد أثنى على الكتاب كثيرا الشيخ المحدث عبد الرحيم #الطحان، وقد كتب كتبا دعوية وحِكيمة كثيرة وكانت له محاضرات قيمة. لقيته مرتين الأولى في الإمارات عام 1994 والأخيرة في زيارة له إلى قطر وتغدينا في مطعم لوزار، وكان قد ضعف بدنيا ولكن ذاكرته كانت حية وهمته عالية.
والدكتور محمد الصغير: توفي اليوم في #ماليزيا ابن #العراق وعالم المسلمين، الأستاذ المربي والداعية المفكر محمد أحمد الراشد، وهذه نبذة مختصرة عن حياته وعطاءاته، تغمده الله بواسع رحمته وأخلف الأمة خيرا، وخالص العزاء والدعاء لأهله، وطلابه وأحبته.
كلمة أخيرة:
كانت مواقف وأفكار شيخنا الراشد دائمًا تعمق التفكير، وتعزز الفهم، وتصقل النفس، وتهذب الخلق، وتقبل على الحياة على أساس التحدي وأن نكون من صناع الحياة، وليس مجرد مُتلقين لها، و كان رحمه الله تعالى علمًا يؤمن بقوة بالكلمة وفعلها، ولذلك قال: “من لا يستطيع تصحيح أخطاء نفسه فلا يصح له أن يكون قيّماً على أخطاء الآخرين”. رحل عن دنيانا صاحب رسائل العين، وواضع خط المنطلق، ومحدد المسار، والمتجاوز برقائقه العوائق.
رحل إلى ربه، وماجاد به يراعه مما خطته روحه ستبقى حاضرة في حياتنا، وسيظل إرثه الفكري شاهدًا على عمقه وتفرده.
نسأل الله أن يرحمه ويغفر له، وأن يُلهمنا الصبر والسلوان في فقدانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى