تعرّف على محمد أمين سراج أحد أبرز علماء الحديث في تركيا
إعداد حسام خضر
شُيع جثمان الشيخ سراج من مسجد الفاتح، المسجد نفسه الذي ألقى به الشيخ سراج محاضراته في الفقه والتفسير والحديث لما يقرب من 65 عاماً، حيث تتلمذ على يديه المئات من طلبة العلم سواء من داخل تركيا أو خارجها. وفي رسالة التعزية التي نشرها الرئيس أردوغان في وفاة الشيخ محمد أمين سراج قال: “سنذكر بالخير والاحترام أستاذنا الموقر الذي كرّس حياته للتفسير الصحيح للإسلام، وساهم في تأهيل مئات الطلبة داخل وخارج تركيا”.
وفي كلمة له عقب صلاة الجنازة ترحم أردوغان على روح الفقيد، مبيناً أنه تعرف سراج منذ سنوات طويلة، وأضاف أنه كان يزور الشيخ سراج بين فترة وأخرى وكان يستفيد كثيراً من نصائحه وإرشاداته. وفي هذاالتقريرنستعرض حياة الشيخ محمد أمين سراج وأبرز إنجازاته.
نشأته
ولد الشيخ محمد أمين سراج عام 1929 في بلدة “تانوبا” التابعة لمدينة “طوقات” شمال الأناضول، لعائلة متعلمة ومتخصصة بعلوم الدين والقرآن، والده مصطفى أفندي حافظ ومدرس للقرآن الكريم، كما حصل جده على رتبة مدرس أفندي خلال تدريسه في مدرسة مسجد “كشفي” في “نيكسار” التابعة لمدينة “طوقات”.
بدأ بحفظ القرآن في سن السادسة على يد جده، وفي تلك الفترة كان تعليم القرآن واللغة العربية ممنوعاً حيث تمت محاكمة وحبس والده مصطفى أفندي لتعليمه القرآن واللغة العربية لأبنائه في المنزل. بين عام 1940 وعام 1943 درس علوم الدين في ولاية “مرزيفون”، من ثم أرسلته عائلته إلى إسطنبول لاستكمال تعليمه الديني، حيث استضافه إمام مسجد الفاتح عمر أفندي لثلاثة شهور، من بعدها التحق بمدرسة “أوشباش” في منطقة “كاراجومرك ” القريبة من مسجد الفاتح ليدرس صحيح البخاري على يد شيخ الحديث سليمان أفندي الذي منحه أول إجازة لعلوم الحديث.
بقي في مدرسة “أوشباش” لغاية عام 1950، خلال هذه الفترة تتلمذ على يد نخبة من علماء التفسير والحديث أمثال الشيخ علي حيدر أفندي وإمام مسجد الفاتح الشيخ عمر أفندي، وفي فترة إقامته في مدينة إسطنبول درس علوم التفسير والحديث والفقه والأصول، كما قرأ سنن الترمذي وصحيحي البخاري ومسلم ومراقي الفلاح وغيرها الكثير من كتب التفسير والحديث.
هجرته إلى مصر
في عام 1950 وبتشجيع من الشيخ علي حيدر أفندي قرر السفر إلى مصر من أجل استكمال تحصيله بالعلوم الدينية، لم تكن الرحلة إلى مصر بتلك السهولة حيث إن الشيخ محمد لم يكن يملك جواز سفر، لذلك قرر السفر إلى مصر من خلال الذهاب إلى بغداد أولاً، وعليه ركب القطار إلى مدينة ديار بكر ومن ثم انتقل إلى مدينة ماردين، ولكن لظروف خاصة قرر العودة إلى مدينته “طوقات” ومن ثم إلى إسطنبول، وهناك تمكن من الحصول على جواز سفر بمساعدة صديق جده، وبحصوله على جواز السفر ركب البحر من إسطنبول إلى مصر.
وما إن وضع قدميه على أرض مصر حتى ذهب إلى زيارة محمد زاهد كوثري آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية، والذي هاجر بسبب خلافه مع حزب الاتحاد والترقي إلى مصر عام 1922، وعمل في الترجمة من التركية العثمانية إلى العربية في دار المخطوطات المصرية، كما انشغل بتأليف العديد من الكتب في مجالات العقيدة والكلام والفقه حتى وفاته في القاهرة عام 1952.
أتم الشيخ أمين سراج تسجيله في ثانوية الأزهر بعد وصوله إلى القاهرة، ومن ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة الأزهر بعد أن نجح في اجتياز امتحانات القبول. وخلال فترة دراسته هناك ولغاية الإطاحة بالملك فاروق كان يقيم في فندق بغداد حاله كحال الطلبة الأتراك، حيث خصّص الملك فاروق الفندق لاستضافة الطلبة والمدرسين القادمين من تركيا.
وعلى الرغم من علمه عن عدم اعتماد تركيا شهادته العلمية من الأزهر فإنه بقي في مصر لما يقرب من 9 سنوات، تتلمذ خلالها على يد ثلة من علماء الدين أمثال محمد زاهد كوثري ومصطفى صبري أفندي وغيرهم الكثير، الذين كانوا يعتبرون محمد أمين سراج وأمثاله من الطلبة القادمين من تركيا أنهم “أبناء الخلافة العثمانية”.
عودته إلى إسطنبول
عاد محمد أمين سراج إلى إسطنبول في نهاية عام 1958، وبعد ستة أيام من عودته أتيحت له الفرصة لمواصلة حياته العلمية من خلال التدريس في ثانوية “أئمة وخطباء إسطنبول”، واستمر هناك حتى انقلاب عام 1960. وفي تلك الفترة تزوج ابنة المفتي علي يكتا أفندي بتوصية من شيخه علي حيدر أفندي، أنجب ولدين من هذا الزواج أحدهما بروفيسور الأدب التركي محمد يكتا سراج الذي يشغل منصب رئيس مجلس التعليم العالي التركي، والآخر فاتح سراج وهو مشغول حالياً بالتجارة.
أتم الشيخ محمد أمين سراج خدمته العسكرية الإجبارية خلال فترة الانقلاب عام 1960، فيما واصل حياته العلمية في الجيش من خلال تدريسه لطلاب المعهد الإسلامي العالي الذين كانوا يأتون إلى مسجد “سد آباد” في فترة خدمته العسكرية، وفور الانتهاء من خدمته العسكرية خضع الشيخ سراج لاختبار في مديرية الأوقاف في مدينة أنقرة، ولأنه يتقن اللغتين العربية والتركية العثمانية تم تعيينه في غضون ساعات قليلة.
ولرغبته في البقاء في إسطنبول والتعليم فيها استقال من وظيفته في مديرية الأوقاف وذهب إلى الحج، وما إن عاد من الحج حتى بدأ بإلقاء الدروس والمحاضرات الدينية في مختلف الجمعيات الإسلامية. شارك الشيخ سراج في ترجمة كتاب “في ظلال القرآن” لسيد قطب، ولكنه فضل التدريس بدل الانغماس في الكتابة والترجمة، حيث تخرج من بين يديه أكثر من 2000 طالب أغلبهم من الأئمة والوعاظ والمدرسين والأكاديميين.
وقام الشيخ سراج بتمثيل تركيا في العديد من المحافل العلمية الدولية في الكويت وفلسطين وسوريا ومصر والأردن وباكستان والهند، كما حافظ على اتصالاته مع العديد من الدول الإسلامية، وخلال 65 عاماً قدم الشيخ محاضراته العلمية في التفسير والحديث والفقه في مسجد الفاتح في إسطنبول، حيث تتلمذ على يديه المئات من طلبة العلم سواء من داخل تركيا أو خارجها.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)