تعدد الكيانات الموازية
بقلم د. علي العمري -فك الله أسره-
لستُ سياسيًّا تنفيذيًّا لأطَّلعَ على تفاصيل اللعبة التامة التي تُحاك بالأمة، ولكن فيما يبدو أن الدخول في هذه المناصب لن يجدي كثيرًا ما لم يكن صاحبها ذا إدراكٍ عميق، وقرار مكين!
لأنَّ الذين هُم خارج السلطة التنفيذية اليوم وضَح أنهم بمجموع عقلائهم وخبرائهم وحكمائهم ومناضليهم قد يكونون (أقرب) إلى الوعي السياسي العام، وفهم مستقبل المنطقة، و(أبعد) عن التـحالفات الخدّاعة التي تُحيكها “الكيـانات المـوازية” في كـل (منطقة) و(مرحلة).
نحن اليوم (داخل) و(خارج) حلبة المنافسة.
نحن في داخلها عندما تَفرض الكياناتُ الموازيةُ الأزمات، وتتحمل الشعوب تبعاتها، إما بقرارات سياسية خاطئة، أو أثمان تتحمّل ضرائبها.
ونحن في خارجها عندما تكون الشعوب في موقف المتفرج، ولا تملك أيَّ أداة مادية، ولا منبرًا معنويًّا تعيد فيه ولو شيئًا مقبولًا من التوازن، مقابل التهور اللامعقول فيما يتعلق بمصيرها.
نحن اليوم كمن يصارع بعينيه ويداه مكبّلتان، أو يدفع المجتمع نحو قضايا هامشية وحبال المشنقة مرفوعة نحوه تقول هل من مزيد.
كل هذا يحدث أمامنا، وتيارات العمل المدني والمشروع الإصلاحي الوسطي السِّلمي تتخاصم على ماضيها، وتستغرق حالمة فيما يتعلق بمواقعها لمستقبلها، دون أن تنظر في حاضرها، أو إمكاناتها وقدراتها!
المشكلة الكبرى أن كل قواعد اللعبة باتت مكشوفة، والمعنيون بالإصلاح لا يزالون بعيدين عن إدراك مكامن الخطر!
هذه (داعش) بأيدي سبأ تعبث في الموصل وحلب وغيرهما في حركات بهلوانية حسب الطلب والغرض، لا نراها تقريباً تقاتل إلا حيث يوجد أهل السنة، وتجعلهم هدفًا لها.
الكثير من الأيادي تحرك أولئك الدواعش، وكأنهم إنما وجدوا لتمهيد الأرض لأعداء الأمة.
وهذه (الفيلة المتخمة) التي تُعيق عواصف الحسم والحزم، تُطِلُّ علينا من جديد ويُسَيّرها في السّيِرك ذوو قبعات (الكاوبوي).
والجمهور العالمي في موقع الفُرجة يصفق بحرارة لتلك الألعاب البلهوانية، دون مساهمة فعالة لإرجاع الحق إلى الشعب الذي تحاول العصابات إذلاله!
والشعوب نفسها ربما ملت من طول الأحداث، ووقوعها تحت رحى المعاناة، حتى تصاب باليأس، أو في أحسن الأحوال تتهم نفسها، وتجلد ذاتها، معتقدة أنها السبب الوحيد فيما يجري لها، وكأنها تستحضر وصف (نعوم تشومسكي): “حتى تتمكن من السيطرة على الشعب، اجعله يعتقد بأنه هو سبب تخلفه”.
جُلُّ من في المنطقة يُغطي عينه بغربال كالح، ويصنع كياناته الموازية بوعي وبدون وعي، ويُحاسب من لا يستحق المحاسبة.
المنطقة برمتها تلعب فيها القرود ما لا تلعبه الأسود!
قرود تَقفز من مكان لمكان بسهولة، وتُخرِّب العلاقات، وتُطيح بالأصدقاء والحُلفاء، وتُكهرب الحياة، وتَقطع أشجار العطاء والجَمال، وتَستنزف ما تبقى من بحيرات وسواقٍ، أو ترمي فيها “حميل السيل”؛ فوجودها وعدمها للحياة والأحياء سواء.
وفي الليل تغني القرود، وترقص القِيانُ على إيقاعها، ومن لم يشاهدها على الهواء مباشرة شغل وقته بمتابعتها في وسائل تواصلها الاجتماعي الموجَّهة!
في مقابل مسرح السيرك توجد ساحات التدريب العسكري والمواجهة الإعلامية ضد الأعداء، التي يتحدث عنها الشرفاءُ، وينصح قادتَها الحكماءُ، لكنَّ الكيانات الموازية مرة أخرى تجعل كلَّ ناصحٍ مُعاتبًا، وكلَّ صاحبِ رأيٍ مُتَدخِّلًا فيما لا يعنيه!
وسقوط الناصحين والشرفاء عند أعتاب الساحات نذير شؤم، وكسر أقلامهم وكبت أصواتهم عند أول المداخل يعني تحطُّم الأسوار الداخلية وترك الأبواب الخارجية لوحدها تصارع قدرها.
حديثنا عن المنطقة العربية والإسلامية برمتها، دون تخصيص أو تقويس.
ولأجل الدخول لحلبة المنافسة؛ فالتأكيد ضروري على أن الدخول للأقوياء فقط.
ولكن القوة الماديّة تحتاج معنويًّا لكل الجماهير (المشجعة بصدق) دون الالتفات لهيئاتهم وخلفياتهم.
وتَحجيم الداخلين للحلبة بحجج أيديولوجياتهم ومسمياتهم سخافة مُفتعلة.
ففي وقت المنافسة يحتاج من في الحلبة لكل مشجع، لكل صوت، لكل راصد، لكل مُحلل، لكل عين تَطرف وتتابع حتى لو من خارج الحلبة.
وفريق البطل يغربل كل ما قاله وتحدث به من حضر ومن لم يحضر.
والحال يشبه ناديًا يحتاج للمحللين من المحبين، أو حتى لو كان هؤلاء المحللون من الخصوم المتنافسين؛ لأنه هو المستفيد ليومه ومستقبله.
والكيانات الموازية فقط هي من تنشغل بالشتم، وتُحجِّم الرأي فيما ترى وتقول؛ فهي تشبه صحفيًّا مأجورًا يظن أنه وقد تمكن من الكتابة في عمود صحفي، يظن أنه العالم ببواطن الأمور، اللاقط لما بين السطور، وهو كاتَبٌ بالأُجرة! لكنْ ماذا لو كان رئيس الفريق ومدير النادي لا يتابع إلا هذا العمود من هذا الصحفي فقط؟!!
فهل على العاقل والناصح لومٌ بعدئذ؟!
ــــــــــــــــــــــــــ
* نُشر هذا المقال على موقع https://www.alomarey.net/
(المصدر: مجلة “كلمة حق”)