بقلم د. محمد الأحمري
من مقولات نيتشه المتبصرة: “من ينازع وحوشاً يجب أن ينتبه جيداً ألا يتحوّل إلى وحش. فحين تطيل النظر إلى الهاوية، تنظر الهاوية أيضاً إليك وتنفذ فيك”[1]. “لا بد لكل جيل أن يكتشف رسالته وسط الظلام، فإما أن يحققها وإما أن يخونها”[2]. لقد صنع التطرف الغربي تجاه تطرف بعض الإسلاميين غرباً أكثر تطرفاً، وتفسير التطرف اليميني الغربي أو العالم المسيحي -كما لا يحب أن يسمى -لا يمكن فصله عن تطرفه السابق، وكذلك لا يمكن فصل التطرف في الشرق أو العالم الإسلامي عن التطرف في العالم المسيحي الغربي. وفصل حالة عن الأخرى مجرد تحيز ورؤية جزئية أو تجاهل للحقيقة، وإذا كان العدل قيمة فطرية، فإن التحيز حالة فطرية أيضاً، ولكن عدم الوعي بالتحيزات خطأ شنيع يسبب استمراره الجور الشامل. ويلاحظ أن التحيز فاضح لسلوك الإنسان في كل مكان، حتى إن بعضهم يرى أن من لم يكن متحيزاً لم يكن إنساناً، كما يقول جراهام جرين: “عاجلاً أو آجلاً، على المرء أن يختار طرفاً إذا أراد أن يكون إنساناً”؛ فـ”الانحياز إلى طرف ليست مسألة أخلاقية بقدر ما هي مسألة وجود”[3]، إذ لا ينتج وعياً بالمشكلة، ولا إنهاء لها. إنما للحقيقة والواقع فإن الحلول المقدمة من العالم المسيحي ومن أنصاره إلى عالم الإسلام، تكاد تكون أحياناً محاولة لاستدامة المواجهات وترويجها، ودعما مستمرا لموجات إرهابية متبادلة، بينما السعي إلى علاقة إنسانية عادلة توجب على الطرفين نبذ التطرفات، والتغلب على التحيزات الجائرة؛ ذلك أن الطرف الآخر في المواجهة لا يؤمن بأن عليه إيقاف إشعال النار من جهته أو تهدئتها، وعلى الضحايا أو على الجبهة الأخرى أن تعلن بشكل نهائي إنهاء مقاومتها من طرف واحد؛ ذلك لأن عالم المسيحية تعود لأكثر من خمسة قرون أن يغلب ويقهر ويستعمر ويستعمل منافقيه ووسطاءه في قهر العالم الإسلامي. وما استطاع إلحاقه به في بقية العالم، إلى جانب تعوده أن ينتصر ويقهر، فإنه دائماً يستلحق أتباعاً، ويجند مرتزقة ليكونوا صدى لرأيه وأفكاره وقوته، مثل تلك الصخور الصماء التي ترجع الصدى، ولذا وجد المنتصر نفسه مندفعاً يجتاح لوحده بلا رادع لا من آخر ولا من ضمير، فزاد الغزو، وتعاظم السلاح، وتطورت إدارة المستعمرات والملحقات. وقرر الغالبون أن على العالم الإسلامي البقاء في عالم الاستسلام والمغلوبية والتبعية، ويوجه اللوم إليه دائماً، أحسن أم أساء فعليه أن يعتذر لكل سلوك قريب منه، صادر عنه، أو متوهماً أنه صدر عنه، أو قام به أحد يعود أصله إليه أو فكره أو موقفه. وحتى حين يهاجر فإنه يبقى شاعراً بعقد نقص وتبعية ويجب أن يكون كذلك، وهكذا ألمحت الروائية البنجلاديشية مونيكا علي، في روايتها الشهيرة شارع بريك لين، إلى أن أهم كلمتين على لسان المهاجر البنجالي في بريطانيا هما: “شكراً وآسف”[4]. وعلى المنتصر، أو الذي تعود أن ينتصر، أن يعلن دائماً بأن أعماله أخلاقية وتقدمية وعالمية ومبررة كلما أجرم أو عاقب بتطرف أي سلوك مضاد لسياسته. فمرة يردد المحتلون بأن التاريخ حلقة واحدة، ومرة يقولون بل نفصله ونختار مراحل منه، لكنهم في النهاية يفسرون التاريخ على ضوء كتابتهم له، ولا يحق لنا أن نفسره ولا أن نفهمه، ولا أن ندخل تعبيراتنا وتوصيفاتنا إليه ولو كنا نتحدث عنا، فهم الأحق بإطلاق الألقاب والأوصاف دائماً؛ لأننا كنا مستضعفين ومغلوبين ويجب أن نبقى كذلك، وليس لنا حق الفهم؛ فقد قرروا أنك مغلوب تابع، والمغلوب ليس له أن يخرج من دائرة المغلوبية طوال التاريخ القادم، أو لأننا كنا نقع في زمن الغرابة والأمية والتبعية أو زمن الترحال إلينا لاكتشافنا فنصبح موجودين في هذا العالم، ولأن من لم يكتشفوه فلم يكن يوجد، والوجود هو الحضور بالتعرف والتعريف حين يدخل عالم معلوماتهم! “لاحظ عناوين مثل: اكتشاف الجزيرة العربية، واكتشاف منبع النيل، تماماً مثل اكتشاف الكهرباء والجاذبية”، أي الدخول إلى عالم المعرفة والوعي والاعتراف بأشياء، وربما لم يكن الإنسان الآخر إنساناً عند بعضهم، بل كما قال كيبلنج في قصيدته الشهيرة بأن الشعوب المكتشفة أو سكان المستعمرات: “نصف شيطان ونصف طفل”، أو ما أطلقوا عليه: المحليين[5]. وتم التصنيف بأن ما يرونه غرباً فهو: “رجولي ونشط وعقلاني”، أما الشرق فـ”أنثوي وصامت وغامض”، فالغرب حتى في الروايات الأقدم يمثله رجل والشرق تمثله امرأة تفتقر إلى موهبة التعبير[6]. وللقاتل الغازي حق تفسير الأحداث وتعريف المصطلحات باستقلالية تامة، وعلى المغلوب ترديد صدى الموقف والفكرة، فهم الأصل، ولهم القول صناعته وتوجيهه، والآخرون الصدى، على مذهب أبي الطيب: ودع كل صوت غير صوتي فإنني ** أنا الصائح المحكي والآخر الصدى أو كما عبر سارتر عن هذه الظاهرة بتفصيل في مقدمته لكتاب فانون معذبو الأرض، الذي شرح بوضوح أنهم يصنعون دائماً أتباعاً وأصواتاً ومقلدين وموالين، يراهم: “أكاذيب حية تسعى، لا يملكون ما يقولونه لإخوتهم؛ لأنهم لا يزيدون على أن يرجّعوا ما يسمعون [من أصوات]، فمن باريس ولندن وأمستردام كنا نحن نهتف قائلين: بارتينون، إخوة، فإذا بشفاه تفرج في مكان من الأمكنة بإفريقيا أو آسيا، لتقول: بتينون! خوة.. وكان ذلك هو العهد الذهبي. وانتهى ذلك العهد وأخذت الأفواه تنفتح من تلقاء ذاتها”[7]. كتب ذلك حين صدمه فانون القادم من جزر المارتنيك، فهو لا يؤمن بأنه صدى لصوت وموقف المستعمر، ولا يعي الأمور من موقع التابع والخائف أو الشاكر أو المعتذر لوجوده عرضاً في عالم الغالب الذي لا يحبه. وما يكون للغازي وللمستعمر من حق فإنه باطل لو مارسه أحد سكان البلاد التابعة، أو ما كان يسمى مستعمرات، وقد تقلصت هذه لتكون تخوماً تابعة، وحقوق السكان الأصليين باطلة لو واجهت مصلحة الغازي. في يوم 24 يوليو 1920 أنذر القائد الفرنسي غورو الملك فيصل بن الحسين، وخاطبه خطاباً شديد اللهجة على أنه “قائد جيش الحجاز”، وسمى القوات السورية التي كانت معه قوات شريفية، وأن المؤتمر السوري حكومة ودولة لم يعترف بها، وتضمن الإنذار البنود التالية: 1. أن تقبل الحكومة العربية بالانتداب الفرنسي، وهو مساعدة من فرنسا ولا تمس استقلال البلاد! 2. أن توقف التجنيد وتخفض عدد أفراد الجيش. 3. أن ترضى بالتعامل بورق النقد السوري. 4. أن لا تمانع في احتلال محطات خطوط رياق وحلب وبعلبك وحمص وحماة، واحتلال مدينة حلب نفسها احتلالاً عسكرياً. 5. أن تعاقب الثائرين[8]. خاطب الجيش الفرنسي، المحتل لدمشق، حكومة الملك فيصل بن الحسين، بأن عليه أن يخرج من دمشق لأنه جيش غاز لها، فهو الجيش الحجازي المعتدي على سوريا والمستعمر لها، وسوف يحرر الفرنسيون السوريين من الحجازيين الغزاة. ولم يقف عند معلومة معروفة كبيرة ومدركة في الدنيا كلها وهي أنهم عرب في بلادهم، وأن دعاة الدولة العربية وإدارتها أكثرهم شاميون وعراقيون وجيشهم مشكّل من كل هؤلاء، بل ليس ذلك فحسب، فقد خرج قادة الشام مع الملك فيصل يوم قرر المستعمر إنهاء الحكم العربي وبدء الحكم الفرنسي. وعلى المحليين أن يؤمنوا بأن المحتل الفرنسي هو الحامي المخلص وأهل البلاد بغاة يجب أن يخرجوا منها إلا حين يقبلون بالتبعية. ولا فرق كبير بين شروط غورو على الحكومة العربية في دمشق وشروط بول بريمر الحاكم الأمريكي على العراق بعد نحو قرن (2003م). فكلاهما كانت لديه مشكلة سيادة العرب المسلمين على أرضهم، فينصبون مستبدين ومستعمرين يضمنون إخضاع الرعاع لهم؛ “لأن الخطر العام هو الاستقلال”[9]. وكان خطاب غورو أقل حصافة مما تطور إليه خطاب المحتلين التالين؛ إذ لم يعد الغزاة المستعمرون يسمون المقاومين ثواراً، بل “إرهابيين”. ومن قبل هاجم الفرنسيون الجزائر لإنقاذها أو لتحريرها من الحكم التركي، كما زعموا، وقد كان الحكام فعلاً وواقعاً مسلمين جزائريين، وليسوا غرباء عن البلد بعد قرون من استيطانهم. وكذا فعل الإيطاليون يوم غزوا ليبيا واحتلوها كانت حجتهم تحرير الليبيين من حكام أصولهم ربما تركية، ولكنهم امتزجوا بالليبيين منذ قرون من أمهات ليبيات[10]. وجاء الأمريكان للعراق بحجة تحرير الأغلبية الشيعية من الأقلية السنية، ثم تحرير الأقلية الكردية من الأغلبية العربية، وجاءت روسيا تؤيد الطاغية وتقتل السوريين بحجة تحرر سوريا من الإرهاب، وكل غاز ومغتصب حمل شعار التحرير، وكم تنتهي عملية التحرير بتحرير الأرواح من ثقل الأجساد، ونصب العملاء والأصنام، وفشل متكرر ونهر دماء لا يقف. ويوم يقوم أي إرهابي قادم من عالم الغرب، سواء أكان مسيحياً أم يهودياً أم ملحداً، فلا يصح ولا يجوز نقده ولا محاكمته، ومهما قام به من إرهاب خالص فيجب اعتباره عند المغلوبين مُحضِّرا ومحررا ويعمل على خير العالم وقبح الشر الإسلامي، حتى يوم يُبيد الأطفال في سوريا ويدمر البلاد، أو يقتل نصف مليون طفل عراقي فجرائمه مبررة، كما أشارت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا عن موت نصف مليون طفل عراقي[11]. لكن افتئات أشخاص على عالم المسلمين وقتلهم لنحو ثلاثة آلاف في أمريكا لا بد وأن يدمر بسببهم عالم واسع من عالم الإسلام، هذا قانون الغاب، وقد كاد يكون كل مسلم في زماننا معاباً ومهدداً ومطارداً في العالم ومداناً حتى تثبت براءته، ولم يلق القاتل المسيحي موقفاً ولا عقاباً مهما فعل. ثم جاءت مذابح أفغانستان والعراق، وكان التدمير والتمزيق والإبادة والاستتباع هو الحل للعالم المنتهك. ويوم خرجت فئة مارقة على الأمة المستسلمة وأحياناً جماعة أو جماعات عاصية خارجة على قوانين المسلمين وعلى قوانين المحتلين، فإن المجتمع المسيحي كله يهب لنشر ثقافة الإرهاب المضاد في وقت يصم فيه مجتمعاتنا بالإرهاب، ويوصل الأحزاب والأشخاص لمنصات الحكم، ويبقى رغم عدوانه اللفظي والفعلي محميّاً بقوانين غربية لمصالح غربية، وليس على عالم الإسلام إلا الاستسلام للأفكار والأحزاب والجماعات المتطرفة التي مرقت عليه في مجتمعه، وتلك الجماعات الغربية التي تعادي كل مظهر أو شعار للإسلام في بلادها، وتختزل عالمنا إلى ظاهرة إرهاب، يرد عليه بإرهاب! وبالتالي يفرض الحصار الشامل على مجتمعاتنا، ويمنع المسلمون من السفر ومن حرية التنقل إلى بلاد كثيرة. وحتى يوم نُفذت العولمة وسادت وانتشرت فقد منعنا من الحماية التجارية لمصانع ناشئة، بل يسعى المحتلون لوضع قوانين ومخترعات تضعف مستقبل بضائعنا التي ترخص عندهم دائماً وتزيد أسعار بضائعهم عندنا، فإن مخالفتنا لإرادتهم مخالفة لقوانين عولمتهم، وحرية التنقل مضمونة لهم ومحرمة علينا لكوننا مسلمين فقط. ويكون شعار حملاتهم مطاردة المسلمين الذين أصبح يعبر عنهم بـ”الإرهابيين” وإخراجهم وسجنهم وتقييدهم، والتسميات وإن كذبت فقد صُممت لتبرر الجرائم والتصرفات غير الأخلاقية ولا القانونية. جيش من التسميات واللغات يبلغ العبث اللغوي بالمغلوبين أقصاه، حين يمنع المحتلون أو الغالبون المقهورين من استعمال تصنيفاتهم أو تسمياتهم الموحية بوحدتهم وتميزهم، فمثلاً جرى منع استعمال مصطلح “عالم إسلامي” حتى على أوباما في خطبته في القاهرة، لما لهذا الوصف من أبعاد وظلال، فتسمية “عالم إسلامي” تعترف بـ”عالم مسيحي” ممايز، ولأن هذا يشعر بكيان أو حال أو حقوق ومظلومية، لذا عليه أن يختصر عالم الإسلام إلى مناطق تابعة متناثرة ومتنافرة ومقطعة، يحرم عليها أن تتشارك في شيء. إن لهم حرية كاملة في الوصف والتصنيف، أي لهم حرية استعمال اللغة والتعريف، ومحرم علينا حتى هذا، ويوم نجرؤ فإننا نغامر بالتشبه بأي مقاومة، وكل مقاومة لاحتلالهم أو جرائمهم إرهاب. ثم يحرمون على المقهورين والتابعين وضع عناوين حرة أو مستقلة عن تصنيفهم، فمن يقاوم احتلال العراق فهو إرهابي، وكل محتل للعراق أو مجرم ممتهن لأشنع الجرائم ضد المدنيين أو كل مدمر ولص أو عابث أو سارق لهذا البلد فهو “مُحرر” مُحق ويجب أن يُحمى بالقانون الدولي وقانون الغازي نفسه[12]. ويجب على بقية العالم الإسلامي المغلوب والمقهور أن يسمي الاحتلال تحريراً والمقاومة إرهاباً. حتى لما ثبت أن قصة وجود سلاح نووي كذبة وحجة خادعة عن الحقيقة، مثل حجة فرنسا في تحرير مصر والجزائر وسوريا، فإن آثار الغزو لم يتم التخلص منها، ومن هنا نجد أن حجة الغازي المسيحي، بحسب وصف بوش الابن، واحدة من الأندلس إلى كابل، ومن دمشق إلى القدس، ومنذ أكثر من خمسة قرون لم تتبدل. نعم، تتبدل بعض الكلمات والتنويعات، لكن سلاحهم في تقدم دائم، وأذاهم يتعاظم، ويوم يستنكر الضحية ما يقع عليه فإنه يصبح إرهابياً أو مروّجاً للإرهاب. وبما أن اللغة يسبق احتلالها احتلال الأرض، حيث يمكن العبث بمصطلحاتها ومعانيها في مرحلة التهيئة للحرب، أو ما يسمى بـ”طبول الحرب”، فهي تتغير في سياق “الهيلمة” السابقة، أو تكوين الموقف والإعداد للحرب، فإن كانت الحقيقة أول ضحايا الحرب فإن التضحية باللغة تسبق أي معركة، حيث تنحاز للقادر على العبث بها أكثر من غيره، وتنحاز لصاحب الصوت والمنبر والخطاب الأعلى تأثيراً. واللغة هنا لا يُعنى بها الحروف والكلمات ولكن المصطلحات والتعبيرات والمعاني؛ فقد بلغ أمر احتلالهم للغة بعد احتلال الأرض والسماء والبر والبحر مؤديًا إلى احتلال اللسان والعقل وأسلوب التعبير، وحتى بدأنا نستنكر ألسنتنا يوم نقول بعض الحقيقة ونستنكر آراءنا يوم نتحدث عن إرهابهم أو جورهم، وأصبح من بني قومنا، أعني من نفس العرق أو اللغة أو الجغرافيا، من يستنكر على نفسه لومهم ويدافع عنهم أكثر مما يدافعون هم عن أنفسهم؛ لأن المهزوم دائماً يكون في دائرة الخطأ، والتشنيع، وتدور عليه دائرة عدم الثقة بالنفس، وهذا جانب واحد مما يسمى ثقافة الهزيمة، فالمهزوم لا بد له أن يقر بأن الأفكار التي يحملها ويؤمن بها هي سبب هزيمته، ويبلغ التشكيك بثقافته حد التشكيك ببدنه وعقله ولغته وجغرافيته، ليجمع في عقله كل دليل يؤيد كونه مهزوماً دائماً، وهذا الاحتلال العقلي واضح عند من يصبح ويمسي يهجو قومه؛ لأنهم لم يكونوا كالآخرين الذين انتصروا في الحرب. وكان المهاتما غاندي يقول إنه قضى وقتاً للبحث في سبب قدرة الإنجليز على التحكم في الهند رغم قلة العدد وبعد المسافة وسفاهة بعض المحتلين، فخطر بباله يوماً أن كون الإنجليز يأكلون اللحم هو سبب قوتهم، وكون الهنود نباتيين -خاصة الهندوس- هو سبب استعمارهم للهند[13]. إن جيشاً من الألفاظ والمعاني والانطباعات والصور ترسل في البدء قصداً، ثم تصبح عادة ثقافية توجه إليه بدون قصد إلى عقل المهزوم فتشل قواه، وتوحي له دائماً بضعف المقدار وعدم الأهلية وقصور الحجة، تفقده الثقة بالنفس والثقة بالفكرة والموقف واللغة، فضلاً عن القدرة على تغيير مكانه في سياق التاريخ، وحتى حين تنفتح له الفرصة التاريخية للوجود أو التعبير عن النفس لا يحسنها، لأنه لم يتعود أن تكون له فكرة أو موقف، فضلاً عن مكان في العالم فهو لا يراه، ويلجأ للشكوى وعيب الذات، فهو مأسور بقيوده العقلية وبزبانية وعملاء الأقوياء، وبميراث الاستبداد المسلط عليه، لذا كان تحريره الفكري من الغضب ومن الغياب ضروريا للمشاركة الواعية والمغالبة والمجاذبة الإنسانية التي يجب عليه أن يتعلمها لا من العنف ولا من الغضب، ولا من الكراهية، ويستوي عنده تصحيح الفكر مع تصحيح اللغة والمصطلحات والخطاب نحو نفسه ونحو الاخرين، فما يحيط بنا ليس شراً موجهاً دائماً، وليس جنة أرضية ندعى إليها بلا ثمن من الوعي والمعرفة وحسن السلوك، ومهما صب عليك آخرون أذاهم فتعلم كيف تعرف نفسك أولاً ويعرفونك ثانياً في عالم تنزع أنت عنه ثقافة التوتر؛ لأن ثقافة التوتر قد تكون غاية منافسك أو خصمك ليلغي الوعي عندك ويجعلك تعيش عالم الغضب الدائم والاندفاع الدائم والكراهية وبالتالي العمى عن الغايات. إن حمولة الفكر العائد بالانتقام منا اليوم وكل يوم -كما يفعله بعضهم- هو فكر التطرف والانحياز والهجوم، ويبلغ حد التطهير العرقي المنظم في مناطق من عالمنا، ولكنهم لا يجيزون تسميته باسمه إن فعلوه، وعلينا -أيضاً- أن نقبل تسميتهم لنا بما شاءوا، وفي هذا الحال، وحين نكون صدى فإننا لا نكون مشاركين في هذا العالم بالوجود فكيف بحضور الحقيقة والمعلومة أو الصراحة، ونغش أنفسنا ونغش خصومنا يوم نستسلم لخطاب مخادع ومستبد، ونفتح بالصمت والاستسلام للخطاب المُستتبِع طريقاً للتطرفات من الطرفين، وكل من الطرفين أحوج للحقيقة من نظيره؛ ذلك لأن خطاب الإدانة الشاملة للضحايا، وخطاب العصمة التامة للمعتدي لا يخلو أن يكون تغريراً بالجانبين. إنذار مبكر استبق كليم صديقي رحمه الله ظاهرة التطرف اليميني الغربي الجديدة منذ زمن، وتحدث في أواخر الثمانينيات الميلادية متسائلاً عن من سيكون ضحايا “المحرقة” أو الهولوكوست القادم في أوربا؟ وكان يشير إلى أن التحفز الذي رآه يغلي ضد المسلمين في بريطانيا وضد موقفهم إثر احتجاجهم على كاتب رواية مثيرة للفتنة، أن الاحتجاج سوف يؤدي إلى احتمال مفارقة ثقافية، يُقصى المسلمون اجتماعياً ويكونون ضحاياه المنبوذين في دار هجرتهم. وبعد موت كليم صديقي حدث الهولوكوست ضد مسلمي البوسنة في بداية التسعينيات، وظن بعضهم ذلك تصديقاً لنبوءته، ولكنا نرى اليوم في عالم المسيحية ما يوحي بخطر قادم على المسلمين عموماً في المجتمعات المسيحية، وهي مجتمعات تعودت التصفية والمطاردة للمختلف سواء كان مسلماً أو يهودياً، وما كانت مذابح الأندلس وإجلاء المسلمين عنها في الحركة التي سموها “الاستعادة” إلا صورة مكررة للمذابح المسيحية لليهود في ألمانيا، مدفوعين بعقدة النقاء العرقي والديني، وهذا هاجس يتجدد اليوم، ويزيد التواصل الإعلامي العالمي الكاسح من شيوعه وتنفيذه، فقد كانت جريمة بريفك سفاح النرويج الذي قتل 77 نرويجياً بحجة تسامحهم مع المهاجرين، فكيف بموقفه من المهاجرين أنفسهم! وقد تبين أثناء محاكمته وقبلها تأثره بأفكار اليمين الأمريكي، وصلته الشخصية ببعضهم، وأن التحريض وصله من هناك وعبر مثقفي اليمين الذين كانوا يحيطون بجورج بوش الابن، وهؤلاء أسوأ تأثيراً في أيامنا، ومن المؤكد أنه لا ينالهم على التحريض حتى عتاب فضلاً عن معاقبة. وتوحي الحملات العنصرية التي بلغت أن تكون خطاباً سياسياً عالياً وأحياناً غالباً في المجتمعات الغربية، وتفسر الفقر والفشل الاقتصادي في بعض المجتمعات الغربية أحياناً بحجة المهاجرين وبخاصة المسلمين، وتصدر أكثر الدول متاجرة بشعار الحريات والعالم الحر قرارات دينية وعنصرية متطرفة ضد جنسيات مسلمة، ولا ترى عيباً في ذلك، ويحسب -هنا- للأحرار والعقلاء وقفتهم ضد التبجح الذي يلغي عقلانية وعلمانية وحرية مجتمعاتهم، ويودي بحقوق الإنسان المسلم. إن تماسك العنصري العرقي بالديني عندهم أمر واضح، ولا معنى للمواقف الساذجة التي يزعمها بعضهم أن هتلر خارج عن المسيحية، فمنبع ذلك أعمق، والأفكار العنصرية وجدت في الدين بداية طورها المتطرفون القوميون، ثم ماذا عن بريطانيا التي أخرجت اليهود من أرضها عام 1290م، وبقوا خارجها محرومين من دخولها لأكثر من ثلاثة قرون ونصف حتى سمح لهم كرومويل بالعودة، وماذا لو كان اليهود مجرد مسيحيين في أوروبا؟ وماذا لو كانت العنصرية اليمينية مارين لوبين ملحدة فتطرفها ضد الإسلام والمسلمين هو نفسه؟ إنه لا يغير من كونها حروباً تستغل الأعراق والأديان حين لا تكون في الحقيقة كذلك. إن فشل الأفكار الحديثة، الإنسانية والمادية، جعل الثقافة الغربية العامة تتجه لتعيد مرة أخرى تجذرها في المسيحية، ورؤية العالم بعين دينية ترى الخير في المسيحية الغربية والشر في الآخر، مع بقاء العرقية رافداً آخر، ولأثر الإحياء الديني دور أساس في التحولات الفكرية، عند الأذكياء من المراقبين، ويعترف هنتنغتون أحد أهم علماء السياسة الأمريكيين بقوله: “يميز التدين أمريكا عن معظم المجتمعات الغربية الأخرى، والأمريكيون أيضاً مسيحيون بأغلبيتهم الساحقة، مما يميزهم عن الشعوب غير الغربية، وهذا التدين يقود الأمريكيين إلى رؤية العالم بلغة الخير والشر إلى مدى أبعد مما يفعل الآخرون”[14]. ثم يقول: “لقد سار الدين والقومية يداً بيد في تاريخ الغرب”. وينقل هو عن مؤرخ آخر: “شكّل الدين كل إثنية تماماً كما شكلتها اللغة.. وفي أوروبا صاغت المسيحية التشكيلة القومية”. ويتابع: “وقد كانت العلاقة بين الدين والقومية حيوية وجيدة في نهاية القرن العشرين، وجد استطلاع أجري في (41) بلداً أنه في تلك المجتمعات التي يعطي الناس فيها نسبة عالية لأهمية الله في حياتهم هي أيضاً تلك المجتمعات التي تفخر شعوبها جدّاً ببلادها، وفي البلدان [نفسها] الأفراد الذين يميلون إلى التدين أيضاً يكونون أكثر قومية، فقد كشف استطلاع أجري عام 1983 أنه في كل بلد شارك في الاستطلاع، تبين أن أولئك الذين قالوا إنهم ليسوا متدينين هم الأقل احتمالاً للفخر ببلادهم”[15]. وهنا نرى الوطنية المتطرفة المعادية للمهاجرين ترتبط بالدين والمتاجرة به سياسياً وعرقياً. إنه يجوز لنا في مجلة أو كتاب وفق الرؤية المسيحية الغربية أو الشرقية الروسية أن نسب ونبحث ونعاتب ونكفر ونقصي أي تصرف إسلامي يضر بهم، ولكن لا يجوز لنا ولا يليق وقد لا يحق لمثقف وكاتب من خارج السياق المسيحي ودوائر نفوذه نقد حقيقتهم، أو نقد دوافعهم وتصرفاتهم، يرحبون بك شامتاً لتطرف إسلامي، حسناً، ولكن ماذا عن تطرف معلن وموقف ديني مشهور، وادعاء رئيس مسيحي أن الله أوحى إليه أن يغزو العراق (بوش)، وكذا بلير كان صريحاً في شرح دوافعه الدينية في الحرب على العراق، وأخيراً ترامب يوم منع سكان سبع دول إسلامية من دخول أمريكا. لا يجرؤ كثير من الناس عندنا بهذه الحقائق لأن هناك فكرة مسبقة مصدرة لنا عن أسس التفكير الغربي مخادعة وغير إنسانية، يوم تجعلهم كلهم في سياق لا ديني، أو حين تجلعهم كلهم في سياق ديني فقط، ثم لأن المغلوب لم يتعود أن يقول خطابه هو، والغالب قد لا يسمح للمغلوب بالتنفس والتعبير عن رأيه، ودائماً كانت الحرية في المستعمرات أضيق جداً من مجاله في بلاد المحتلين؛ ذلك لأن الشعوب المستعمرة حين تهاجر أو تعمل في بلد المستعمر فإنه ينالها -قديماً على الأقل وبحكم تمتع المجتمع بالحرية- شيء من حرية وكرامة المستعمِر في بلده، ولكن في أراضها التابعة والمهزومة هي مدانة وملحقة، وتحل على رقاب أهلها كل صنوف الإدانة والاستتباع والتهديد والحرمان من أي نفَس حر، وأحياناً يخاف أن ينتقد مستعمراً أو مستبداً فسرعان ما يتهم بتأييد الإرهاب أو ثقافته، ولعل هذا ما يجعل المثقفين في دوائر التغلب الغربي والمستعمرات عالة في نقد الغرب على جهود نقاد الغرب في داخله، إضافة لفارق توفر المعلومات وأجواء الثقة بالنفس والقوانين الحامية لسكان البلاد الغالبة في أرضهم. قديماً، كان أعلام الإصلاح والتحرير من المسلمين والهندوس لهم الحق أن يعيشوا بحرية في بلاد المحتل، ولكن ليس لهم حق الاحتجاج ولا القول ولا النشر ولا التجمع في بلادهم المستعمرة؛ لأن هذا تهييج للمقهورين ضد قاهرهم، ولم يتغير القانون إلى اليوم، بل أصبحت الحالة أسوأ، فلما تقارب الناس وتحسنت وسائل الاتصال زاد حرمان المقهورين من التعبير، بمقدار ما زادت غلبة وصدى صوت الغازين القاهرين. لكنهم اليوم بصعود من يرون أن بلادهم مقتحمة بمهاجرين فقراء ومرضى ومقهورين وهاربين من الموت، ومن سلاحهم ومن غزوهم ومن جورهم ومن عملائهم، فإن الهروب من الموت والاستسلام للعمل في مصانعهم يصبح جريمة، فيقوم متطرفوهم بدفع اللاجئين المهاجرين للخارج. وتقوم عندهم أحزاب وحملات وبرامج لمطاردة الهاربين الخائفين المقهورين الجوعى، وهذا نفسه الذي يطرد من لجأ إليه وهرب من سلاح القاتل وقتله وجوره إليه، فهرب من نار عدوه وقاتله إلى أمن في دار القاتل، فيلجأ منه إليه، بعد أن استباح وطنه وأباد جيشه ودمر بلاده! فماذا يصنع؟ إنه يلجأ هارباً من نار عدو لجنة متخيلة قد يلقاه فيها أسوأ، فالعراق وأفغانستان وسوريا يهرب سكانها من نار عدوهم لجنة عدوهم المتخيلة ليكون في النهاية متهماً خائفاً مطارداً أو محجوزاً في المطارات، ومع هذا فإن لجوءه إلى بلاد من يقاتل بلاده أرحم له من بلاد يصب عليها الجحيم ليل نهار، وسيجد كساء وطعاما كان قد حرمه الغازي منه؛ لأنه في بلده ليس إنساناً، ويوم لجأ يصبح جديرا ببعض العطف الإنساني. وإلا ما هو منطق محافظ جديد دمر العراق وأفغانستان، لمدة سبعة عشر عاماً، ودمر مصادر الرزق والعمل، وصنع الفتن ونصّب العملاء، فلما هرب المقهور من قهره لأرضه سد عليه الطرق، وقال عليك أن تبقى تحت ناري وحرماني ونهبي وإهانة وكلائي. هذا بعض من منطق اللجوء والهجرة الذي يحاول كثيرون التغطية عليه، وما انتقام أحزاب اليمين من المهاجرين واللاجئين إلا انتقام من جهتين: من اللاجئ من جهة، ومن جرائم حكوماتهم في الخارج من جهة أخرى، وكي لا تتحمل الشعوب وحكوماتها أي عبء أو مسؤولية تجاه الهاربين من نيرانهم. إن المسيحي الغربي لا يوقف ناره المصبوبة على المسيحي في بلادنا، بل يتفرج ويمدد له المدة، أو يميزه بحق الهجرة واللجوء، بل ومن الأحزاب المتطرفة المسيحية والعرقية الغربية من لا يرى مشكلة في إبادة مسيحيي الشرق، وكأن الحروب الصليبية تجدد بعض وجوهها، فهل يصح أن نتهم قوماً بحرصهم على استمرار برنامج الإبادة في سوريا مثلاً لتقليل السكان، كما هي الحكمة المالتوسية ولتقهر من بقي وتفقره، فلا الطائرات القاتلة توقف، ولا طائرات البراميل توقف ولا السياسة تعمل، ولا نظريات حقوق الإنسان، بحسبهم، قابلة للنقل إلى عالمنا. تلك حقيقة موجعة لمن تعود أن يبيد ويبقى بعيداً عن آثار الإبادة، ويقتل ولا يحاكمه أحد، وينهب ولا يلحق منهوباته لينال منها إزاراً أو رداء من مصنوعات خامات بلده، ولا من ثمار تجارة غبن لعالمه، ويوم هاجر أو هرب من بأس الغزو أصبح مجرماً وقامت عصابات وأحزاب تسر موقف الاستئصال أحياناً، وتهدد بالتهجير وتنفذه أحياناً، لكنها تستميت في حرية تجارتها واقتصادها في العالم الإسلامي. لقد فقد اليمين المسيحي لغة السياسة ودهاء خطاب المستعمرين، وأصبحت السياسة العليا شعبية معلنة، إنه زمن الحمقى -كما يراه إمبرتو إيكو- والأحمق وصف للصريح أحياناً، ذلك الذي لا يختبئ وراء لغة حذق ولا نفاق. إن موقف القوم يعلنه سفهاؤهم كما هو المثل المعروف. وما عقدتهم الكبرى إلا استمراء الغزو الدائم والقهر المتواصل للآخرين، مع ادّعاء مبررات وعصمة لكل جريمة يفعلونها، ومع سوء عمله ومقصده تستمر جريمة تأييده وثقته بالمنافقين والأتباع والسماسرة، وكل هؤلاء يطيلون زمن خديعته، ويرون بقاء المظالم عند الآخرين، وتعطيل القوانين الإنسانية من بلاد المقهورين وتفعيلها فقط في بلاد الغالبين، فلو حرض أحد من عامة المقهورين المسلمين تحريض قادتهم وحكامهم لنال عقوبة في المستعمرات جائرة، ولما وصل لأي مكان سياسي ولا إعلامي ولا اجتماعي، ولكن من يحرض ويهيج ويستفز منهم ويقرر طرد الضعفاء، حتى من تحصل على هجرة قانونية يصل إلى القمة السياسية الشعبوية في عالمهم الجائر، وقد يُحرم المستضعف حتى من حق الحياة ولو بلا جريمة، ويوم يُقتل مسلمٌ عدواناً صريحاً فقد لا يعوض أهله، وأحياناً تكون الدية سخرية وإهانة، فإن دية البريء أحياناً أقل من ثمن خروف في أفغانستان، أي مائة دولار فقط[16]، وأقل من سنت عند حليفهم الصهيوني[17]. وإن كانت هناك حوادث قليلة دفعوا أكثر. إن الحرب المستمرة علينا أحياناً ضرورية للقهر ولتطوير الأسلحة ولتجربتها، ولبقاء المصانع ودورة رأس المال والتنافس عندهم، واستتباع الأتباع في كل مكان، ومع هذا فإن العالم الإسلامي ما زال مصراً على سلوك وخطاب السلم والأمن، وما الهجرة إلا دليل خوف واستسلام وخروج من مسؤولية لم يعد قادراً على مواجهتها فيستسلم لموت في البحار أو للغربة، وسؤاله هل سيسمح له. إن من يقرأ كتابات تشومسكي وكتاب جيرمي سكاهيل الثري بالمعلومات حروب قذرة[18]، يعلم أن الكتابة حلال لعالم الغلبة وحرام على العالم المهزوم، بل أحياناً يجرمون من يعبر عن رأيه. وإن إطباق العالم المسيحي على حرمان المسلمين من التعبير يحول دون كشف هذه المآسي المتبادلة ويقلل فرص السعي إلى حلها. والأمل في يوم يهدأ عالم الإسلام وعالم المسيحية من إثارة الفتن. وحين يسود الصمت على الغبن والمظالم فهذه خيانة للطرفين وأذى على الجانبين. ولا نضر أنفسنا وشعوبنا بالصمت عن الحقيقة، والقبول بإغواء مجتمعنا عن الصواب فقط، بل إننا نشارك في تضليل العالم المسيحي وإغفاله عن مصائبه التي يعلقها برقاب شعوبنا ومهاجرينا، ونسهل بالصمت على التطرفات بقاء إن لم يكن صعود لغة الانتقام المتبادل، والكل أحوج للوعي ولفهم الموقف وسماع صوت العدل والحق، وأن يقام له منبر، ولأواصر الحق والعدل أن تسود، وليتراجع ضجيج البهتان المضلل في العالم. ———— [1]فريدريك نيتشه. ما وراء الخير والشر: تباشير فلسفة للمستقبل. ت. جيزلا فالور حجار. بيروت: دار الفارابي، 2003. ص118. [2]فرانتز فانون، معذبو الأرض، دار القلم، بيروت، ، د. ت. ترجمة الدروبي والأتاسي، ص 152. [3]بريان ديميرت، المعادي لأمريكا، 427-455، من كتاب: أدب الحرب الباردة: كتابة الصراع الكوني، تحرير أندرو هاموند، ترجمة طلعت الشايب، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015، ص 442. [4]مونيكا علي. شارع بريك لين. ت: عبده عبد العزيز أحمد عبد الفتاح. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب/ إبداعات عالمية. يونيو، 2009. 1/30. [5]عادة تستخدم كلمة لوكل، ويترجمها بعضهم بالأهالي، والمقصود سكان الأرض الأصليين، وينظر إليهم بدونية، من قبل المكتشف قديماً والمستثمر حديثاً، أو الموظف الغربي الفقير الباحث عن العيش، ولكنه أصبح ابن الغالب وابن الفاتح المستكشف لهذا الإنسان وثروته وأرضه فما زال يرى صاحب الأرض محلياً من المهم مراعاة حاله ليرتقي لحال الغازي. في جامعة في بلد عربي قال مدرس جامعي إنجليزي في اجتماع قسم دراسي: “علينا أن ندرس باللغة الإنجليزية المحليين ليجدوا فرص عمل”. ولاحظ أن فرص العمل التي يتحدث عنها هي فرص العمل في بلادهم وبثروتهم. [6]بريان، السابق، ص. 424 [7]مقدمة سارتر لكتاب فانون: معذبو الأرض، ص 15. [8]قدري قلعجي، جيل الفداء، قصة الثورة الكبرى ونهضة العرب، دار الكاتب العربي، بيروت، د. ت. ص 383. [9]نعوم تشومسكي، صناعة المستقبل، ترجمة محمد شومان، شركة المطبوعات للتوزيع، بيروت، 2016، ص234. [10]معنى كلمة قرهملي بالتركية يشير إلى هذا الأصل المشترك بين الترك والسكان المحليين لكنه حدث منذ قرون. [11]في لقاء لها مع برنامج “60 دقيقة”، بتاريخ 12 مايو/ آيار1996. [12]كان من الغريب أن تحتفل أمريكا وتنشر كتاباً وفيلماً عن قناص أمريكي احترف قنص العراقيين، وزعم أنه قتل 280 عراقياً، وأخرج كتاباً يتبجح بجرائمه وينساق شعب للإعجاب به، حتى دار عليه من أمثاله من قنصه، راجع القصة كاملة في:كريس كايل (Chris Kyle, American Sniper: The Autobiography of the Most Lethal Sniper in U.S. Military History, William Morrow and Company, an imprint ofHarperCollins) كتب الكتاب عام 2012، وخرج فيلم عام 2014، رشّح لجائزة الأوسكار وفاز بجوائز عدة. [13]غاندي، السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة. ت. محمد إبراهيم السيد. القاهرة: كلمات عربية. ط2، 2011. ص54. [14]صموئيل ب. هنتنغتون، من نحن: التحديات التي تواجه الهوية الامريكيةت. حسام الدين خضور.دمشق: دار الرأي للنشر، 2005. ص366. [15]المصدر السابق، 365-366. [16]انظر هذا التقرير: https://theintercept…ns-afghanistan/ [17]إشارة لحادثتين شهيرتين: فقد دفعت أمريكا تعويضاً في إحدى المرات لقتلى أبرياء أفغان ألف دولار عن الفرد وأقل أحياناً وغالباً لا تدفع تعويضاً للقتلى الأبرياء المدنيين، لكنها أجبرت على دفع التعويضات رمزية بسبب ما تدفعه طالبان للضحايا الأبرياء، ولما طالب أحد الأفغان بالتعويض للمتضررين فقد طرد من عمله في التدريس، وهناك حالات شهدت ضجة إعلامية فاضطرت الحكومة الأمريكية لإعلان تعويض لبعضهم بلغ ستة آلاف دولار للمتوفين وثلاثة آلاف للجرحى، وهذا خروج عن المعتاد، وهو عدم التعويض للأبرياء أو مبالغ أدنى بكثير. وفي المقال التالي المنشور من قبل رويترز 20 مارس 2017م عرض موجز لطرف من قصة التعويضات في أفغانستان: http://www.reuters.c…s-idUSKBN16R0A5 وكذا حكمت محكمة صهيونية على جنود صهاينة قتلوا فلسطينيين لمجرد متعة القتل بما يقارب سنتات (أجزاء من الشيكل، عملة اليهود)، دية قتل متعمد لبريء، وكان الحكم مثيراً للسخرية من أحكام المحتلين وعنصريتهم واستخفافهم بغيرهم، حتى إن شيمون بيريز يرى ذلك مؤسفاً! انظر كتابه:الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 2000 بينما عوضت السلطة الفلسطينية عائلة قتيل صهيوني بمليوني دولار خارج المحكمة، بعد حكم له بـ:مائة واثنين وتسعين مليون دولار وثلاثمائة ألف دولار. عن: المركز الإعلامي الفلسطيني 19 فبراير 2010. [18]جيرمي سكاهيل، حروب قذرة، ميدان المعركة: العالم، ترجمة سعيد الحسنية، شركة المطبوعات للتوزيع، بيروت، 2016.
(المصدر: طريق الإسلام)