بقلم عبد الجبار عسكر – مدونات الجزيرة
“للبيتِ ربٌ يحميه” في الحقيقةِ أن هذه المقولة لم تكن حديثاًً ولا آيةً بل هي مقولة لعبدِ المطلّب بن هاشم وعبدُ المطلّب ما كان ولياً ولا نبياً بل رجلاً كباقي الرجال وأقواله كأقوال غيره تحتمل الصوابَ وتحتمل الخطأ وإن صحت مقولته تلك وقتَها فلأنّ الله سبحانه ما كان قد أوكل مهمة الدفاع عن بيته الحرام لعباده الموحّدين بعدْ، ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺜﺔ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠّﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻭﺟﻮﺩ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﻟﻪ ملأﻭﺍ ﺍﻵﻓﺎﻕ ﺗﻐﻴّﺮﺕ ﺳﻨﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﺄﻭﻛﻞ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻣﻘﺪﺳﺎﺗﻬﻢ ﻭﺣﻔﻆ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ.
وحين قصّر المسلمون بعد ذلك في حمايتها ﺗﻌﺮّﺿﺖ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﺮﻛﺰ الحج وﺃهم ﺍﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ لعدة ﺍﻋﺘﺪﺍﺀﺍﺕ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أنفسهم ولعل أقذر المعتدين هم القرامطة وأشرس الاعتداءات هي تلك التي شنّوها والتي ﺷﻬﺪها ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ وشهد ﻣﺎ ﺣﺪﺙ منهم ﻣﻊ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺣﻴﺚ ﺗﻤﻜّﻨﻮﺍ ﻣﻨﻪ ﻭﻧﺎﻟﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻧﻔﺬﻭﺍ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺇﺑﺎﺩﺓ ﻭﻗﺘﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻭﻣﺎﺭﺳﻮﺍ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﻐﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﺤﺞ ﺣﺘﻰ ﻗُﺘِﻞ ﻓﻲ حملتهم ﺍﻟﻮﺣﺸﻴﺔ تلك ﻧﺤﻮ 30 ﺃﻟﻒ ﻣﺴﻠﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺎﺋﺪﻫﻢ ﻳﻨﺸﺪ وقتها وهو يقتل الحجيج بدم بارد وﻳﻘﻒ ﺑﻘﺮﺏ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ: ﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺑﺎﻟﻠﻪ ﺃﻧﺎ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺃﻓﻨﻴﻬﻢ ﺃﻧﺎ.
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺠﻴﺞ ﻳﻔﺮﻭﻥ منه ﻓﻴﺘﻌﻠﻘﻮﻥ ﺑﺄﺳﺘﺎﺭ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ، ﻓﻼ ﻳﺠﺪﻱ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ، ﺑﻞ ﻳُﻘﺘﻠﻮﻥ ﻭﻫﻢ ﻣﺘﻌﻠﻘﻮﻥ ﺑﻬﺎ.. ثم يلقيهم في بئر زمزم ويأمر بردمه. وما أردته من هذا كلّه هو أن المقدسات تضيع إن لم تجد من يحميها وأن الكعبة كالأقصى وكأي رمز آخر من رموزنا أن رأى أعداؤنا تقصيرا منا في حمايتها ما ترددوا في سلبها وودت أيضا أن أقول للعربِ النائمين منهم والظانين أنهم في مأمن والظانين أن الدّورَ بعد كل الخراب الحاصل حولهم لن يصلهم أردتُ القولَ لهم أنه لا مكان محصّن اليوم إن لم نحافظ بسيوفنا ودمائنا وضمائرنا عليه فلا مكة ولا غيرها اليوم في مأمن بل وأكاد أجزم بأن كل ما حصل ويحصل اليوم في القدس وفي غيرها هو لأجل مكة.
ترمب بفعلته الأخيرة يعطي أمتنا فرصتها الأخيرة، ويجس نبض العرب والمسلمين في العالم ويختبر ردود أفعالهم لا أكثر ليهيئ النفوس لما هو أعظم
وأنها الهدف القريب لأعدائها وليس البعيد ولا أكون متشائما إن قلت بأن تطاولاً جديدا على الكعبةِ والبيت الحرام سيحياه جيلنا في الأيام القريبة المقبلة وذلك ما لا أتمناه أنا ولا يتمناه مسلم ولكن الوقائع كلها تشير إلى ذلك وإعلان ترمب منذ أيام عن أن القدس عاصمة لإسرائيل لا يبشّر بخير أبدا وما أراه إلا تمهيداً وتهيئة منه لنا لقرارات وأمور منه أهم وأعظم.
شر وأي شر ومصيبة وأية مصيبة. مصيبة إن حصلت فستكون القاضية ولن تنهض منها الأمة إلى أن يشاء الله لها النهوض وتلك المصيبة لن تقارن بحال إذا ما حصلت لا سمح الله بمصيبتنا في القدس فمصيبتنا في القدس وبالرغم من عِظمها وبالرغم ما للقدس من أهمية ومعزة كبيرة في قلوبنا إلا أننا لم نشعر يوما بأنها نهاية الأمل أما إن استمرت أمتنا بالسير على هذا النهج فسينتهي أملها وستفقده. هذه الأمة التي لا تتعلم من دروس التاريخ والتي لم تفهم منذ البداية أن مفاتيح كل عواصمها كانت في القدس التي أضاعتها فأضاعت على أثرها بغداد ودمشق وصنعاء وغيرها وأنها لو لم تتهاون في مسألة القدس لما توالى عليها سقوط عواصمها الأخرى الذي كان مرهوناً حقيقة بسقوط القدس التي اكتفينا بالغضب والشجب كلما تطاول أعداؤنا عليها.
ترمب بفعلته الأخيرة يعطي أمتنا فرصتها الأخيرة وترمب بتطاوله على الأقصى يجس نبض العرب والمسلمين في العالم ويختبر ردود أفعالهم لا أكثر وهو رغم أهميتها (القدس) عنده إلا أنه لا يرى فيها إلا محطة سيعبرها إلى غيرها عن قريب وهو يهيئ النفوس التي ألفت الخيبات لتلقي خيبات وصدمات أكبر. فماذا نحن فاعلون ردا على اختباره يا ترى هل سنكتفي كما كل مرة بترك الطوفان من حولنا يمشي ونتفرج أم أن الوضع مختلف فعلا بالنسبة لنا في هذه المرة وإن إعلان ترمب سيكون سببا لإخراج المارد القابع فينا من قمقمه!