نيكولاي جونديرسين – موقع ذا كونفرزيشن البريطاني – ترجمة وتحرير ترك برس
في رحلتنا الثالثة إلى إسطنبول، زرت أنا وزوجتي قصر دولمة بهجة الذي كان في السابق المركز الإداري للإمبراطورية العثمانية. عندما تجولنا في القصر المكون من 285 غرفة، كانت زوجتي مشدوهة لا لحسن صيانة القصر فحسب، بل لأنه واحد من بين خمسة قصور على الأقل من الحقبة العثمانية في تركيا، والتي أصبحت الآن متاحف مفتوحة للجمهور.
ومن هنا يأتي تفرد هذا القصر، لأنه لا يوجد مثيل له في بقية الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث ما تزال مثل هذه القصور قيد الاستخدام كقصور، مثل القصور التسعة في الأردن. تركيا هي جمهورية حديثة نشأت من قلب الإمبراطورية العثمانية السابقة التي تأسست منذ القرن الرابع عشر. ولا يمكن أن يتباهى بهذا التاريخ العريق سوى قليل من المناطق التي خضعت في السابق للإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لم يصل عمر دول مثل الأردن إلى مئة عام.
يدرك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذه الحقيقة جيدا، فهو لا يفرق بين الإمبراطورية المجيدة والجمهورية الحديثة. وقد قال في خطاب له في الآونة الإخيرة: “إن تركيا تمثل امتدادا للإمبراطورية العثمانية” . الإمبراطورية العثمانية هي أكثر من مجرد ذاكرة، فهي رمز للنفوذ السياسي، واحتمال قيادة العالم الإسلامي مرة أخرى. وهذه القوة الرمزية يلتقطها القصر الرئاسي في أنقرة ، وهو قصر ضخم شاهق يتفوق على البيت الأبيض والكرملين. وبلغت تكلفة القصر 500 مليون دولار، ما دفع المنتقدين إلى القول أن الرئيس يتصرف” كسلطان”.
أصداء العثمانيين
يسعى الرئيس أردوغان إلى العودة إلى العصر الذهبي للإسلام، فتم توفير تمويل متزايد للمدارس الإسلامية. وقد درس الرئيس أردوغان نفسه في مدرسة إسلامية سميت باسمه فيما بعد. وأكد أردوغان في احتفال لإعادة افتتاح المدرسة التي درس فيها في طفولته بعد تطويرها “أن الهدف المشترك من التعليم كله ونظام الدراسة هو تنشئة أفراد صالحين يحترمون تاريخهم وثقافتهم وقيمهم”. وتشمل هذه القيم فهم الإنجازات العثمانية وتفوقها.
وبالتوازي مع فكرة “العظمة الداخلية” تتزايد مشاركة تركيا على المسرح العالمي وفي الشرق الأوسط. تتمتع تركيا حاليًا بعضوية مجموعة العشرين للاقتصاديات الكبرى في العالم، ويعتزم أردوغان الوصول إلى المراكز العشرة الأولى بحلول عام 2023 ، مع حلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يد أتاتورك العلماني.
تفرض تركيا وجودها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فقد أعرب أردوغان علنا عن دعمه لفلسطين، وزار الجزائر وغرب إفريقيا في شباط/ فبراير، واستثمر في السودان، وشملت استثماراته هناك فتح قاعدة بحرية جديدة في البحر الأحمر، وتجديد تركيا لجزيرة سواكن، وهي ميناء عثماني سابق له أهمية دينية، حيث إنه كان مركز عبور للحجاج للتوجه إلى مكة والمدينة.
على أن الشيء الأقوى من هذا الاتفاق الاستراتيجي مع السودان، هو رد أردوغان على قرار ترامب بالاعتراف من جانب واحد بالقدس عاصمة لإسرائيل. أدان أردوغان بالفعل إجراءات ترامب قبل الإعلان الرسمي. وعندما أعلن القرار، لم يأت التحرك من ملك عربي غير منتخب، بل من الرئيس التركي الذي استغل منصبه كرئيس لمنظمة التعاون الإسلامي في الدعوة إلى اجتماع طارئ للدول الإسلامية. وخلال الاجتماع انتقد أردوغان بشدة قرار ترامب، واعتبره خطا أحمر لكل المسلمين. ويعتقد البعض أن القدس أعطت أردوغان أقوى حافز له حتى الآن ليكون القائد الجديد للعالم الإسلامي.
وكتب ضيا ميرال، الباحث في مركز التحليل التاريخي وأبحاث النزاعات التابع للجيش البريطاني، إن أردوغان “يسعى إلى تنسيق رد فعل دولي من خلال التواصل مع القادة المسلمين وغير المسلمين حتى بمهاجمة ترامب شخصيا “أنت يا ترامب، ماذا تريد أن تفعل؟ أي نوع من السياسات هذه؟ القادة السياسيون لا يصبون الزيت على النار، إنهم يعملون من أجل السلام”.
في الوقت نفسه، يجب على تركيا، مثل نظيراتها العربية، أن توازن بين الخطاب والواقع. وكما هو حال الأردن، تربط تركيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ، على الرغم من تجميدها بين عامي 2010 و 2016 بعد أن أغارت قوات الكوماندوز الإسرائيلية على سفينة تركية خلال حصار غزة عام 2010. ومع ذلك ، فإن البراغماتية التركية لضمان الوصول إلى الطاقة دفعت لاستئناف العلاقات.
مع توغل الجيش التركي في شمال سوريا، يولي العالم العربي اهتمامًا أكبر لأنقرة. ويقول أردوغان إن أنشطة تركيا حول بلدة عفرين الحدودية هي لمواجهة الميليشيات الكردية ذات الصلة بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا مجموعة إرهابية.
يأتي التوغل عبر الحدود السورية في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2016، وما لحقه من عملية تطهير داخل المؤسسة العسكرية. تدعي اينات الاعظري من منظمة Global Risk Insights أن عفرين دليل آخر على أن اردوغان لديه طموحات اقليمية تتحقق من خلال القوة الصلبة، حتى على حساب الدول الاخرى، وهو ما يمثل أخبارا سيئة لمصر والمملكة العربية السعودية.
اختتم الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بناء على دعوة أردوغان بشأن إعلان ترامب حول القدس بتعهد جميع الحاضرين بمكافحة الإرهاب وكبح الطائفية. وختم أردوغان بالقول: “لا يمكننا كمسلمين التغلب على مشاكلنا إلا إذا نجحنا في التوحد على الرغم من خلافاتنا”. يبدو أنه على الرغم من خلافات تركيا مع العالم العربي، فإن قدرتها على ممارسة نفوذها لا ينبغي إغفالها.
(المصدر: ترك برس)