مقالاتمقالات مختارة

ترك الجناة ولوم الضحية!

بقلم رضوان الأخرس

«لوم الضحية» يعتبر استراتيجية إعلامية صهيونية، وهو أحد أهم أساليب الاحتلال الدعائية للتهرّب والتنصل من الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، حيث يتم تركيز التهجّم على الضحية وتصرفاتها، مهما كانت بسيطة، مع ضعف أو تجاهل الحديث عن المجرم، مهما بلغ إجرامه.
وهو ما ينتهجه الاحتلال اليوم، عبر تصريحاته المتعلقة بانتهاكات وجرائم جنوده خلال فعاليات «مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار»، فلا يكلّ ولا يملّ من إلقاء اللوم على الضحايا، ويتهمهم بكل استخفاف بقتل أنفسهم، وإلقائها في التهلكة، وكأنه لا يوجد جنود ولا قناصة صهاينة يطلقون الرصاص عليهم، ويقتلونهم بدمٍ بارد، وكأن وجود الصهاينة على أرضنا أمرٌ مشروع ومقبول، وأن رفض ذلك بأي وسيلة مهما كان حجمها هو المرفوض وغير المشروع، وهو ما يعكس انحرافاً تاماً بالقيم وتشوهاً كبيراً في الضمائر لدى من يروّج مثل هذه الأطروحات.
هذه الاستراتيجية الإعلامية ليست حكراً على الصهاينة، فالكثير من منعدمي الضمير، أو من المتصهينين أو المغفلين يستخدمونها، وفئة واسعة من المهاجمين لمسيرة العودة، أو أي حراك شعبي أو ثوري يرتكزون عليها في أطروحاتهم المناوئة للتحركات الشعبية، وحركات المقاومة، فتجد الألسنة شديدة السخرية، أو اللوم للمتظاهر، أو الضحية، أو المظلوم، أو المقاوم، دون التعرض غالباً للجناة والمجرمين إلا بكلمات عابرة.
يغيب عن هؤلاء «الغافلين» أو المتغافلين وشريحة المتصهينين، أن الصهاينة من جاءوا إلينا على أرضنا لا العكس، وأنه على مدار التاريخ كان الاحتلال أقوى عدة مرات من الشعب الذي يكون ضحية للاحتلال، وإلا ما كان للاحتلال أن ينجح في بسط سيطرته على الأرض، لذلك الفرق في موازين القوى من الطبيعي أن يكون كبيراً في هذه الحالات، والرهان في مواجهة ذلك يكون على عون الله، مع الأخذ بالأسباب، ومنها استنزاف وإرهاق الاحتلال، ومراكمة القوى حتى يصل الشعب إلى التحرير والخلاص، وهنا صاحب الإيمان العميق والنفس الأطول هو الذي ينتصر بإذن الله.
لذلك كل ما يغيظ الاحتلال، أو يرهقه، أو يستنزف طاقاته وموارده، مهما كان صغيراً هو مقاومة، وهو دفاع عن هذه الأرض، وكل ما يفضح عدوان الاحتلال وانتهاكاته ويكشف حقيقته أمام العالم هو مقاومة، لذلك يتعمّد الاحتلال استهداف الصحافيين الفلسطينيين، لمجرد أنهم ينقلون الحقيقة، التي تتجاوز الاستراتيجيات الإعلامية «القذرة» للاحتلال وسردياته العقيمة.
عدم استقرار الاحتلال، وعيش مستوطنيه بشكلٍ دائم في ظل الخوف والقلق سيدفعهم لليأس والرحيل إن عاجلاً أو آجلاً عن أرضنا، وهو ما يبتغيه الشعب الفلسطيني ليعيش بطمأنينه، وهذا ليس حلماً مستحيلاً، وتصاعد أرقام «الهجرة العكسية» للصهاينة من فلسطين المحتلة خلال السنوات الأخيرة، يعتبر من الملامح الدالة على إمكانية تحقق ذلك.
من المهم الإشارة إلى تصريح ليبرمان قبل أيام، والذي ألقى فيه باللوم على سيدنا موسى عليه السلام، بأنه كان صاحب الخطأ الذي جاء بهم إلى هنا، وليس إلى مكانٍ آخر على حدود إيطاليا أو سويسرا، على حد زعمه، في تزييف جديد للواقع والتاريخ، وكأنهم لم يأتوا منذ أقل من قرنٍ فقط من نواحي الدنيا الأربع، ومن عرقيات عديدة بإرادتهم إلى فلسطين، وهو تصريح غير تقليدي، يدل على حجم تأزمهم من عدم استقرار الأوضاع، واقترابهم من حالة اليأس، لعدم وجود حلول في الأفق، فكما نتألم هم يتألمون أيضاً.
والذي يسأل عن جدوى المقاومة بجميع أشكالها، كالذي يسأل عن جدوى الشرف والكرامة، إلا أنه من الصعب على من يفتقد هذه المعاني في ذاته أن يدركها في غيره.

(المصدر: مجلة العرب الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى