تدريس الرموز الفرعونية.. حرب على الهوية!!
بقلم السيد أبو داود
إعلان الحكومة المصرية عن تدريس الرموز الفرعونية لطلاب المدارس الابتدائية كمرحلة أولى، يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام والشكوك في مقاصدها وغاياتها.
تدريس الرموز الفرعونية قرار غريب
القرار الغريب فسرته الحكومة بأن الغرض منه هو زيادة الوعي السياحي لدى التلاميذ، وهذا تفسير غير مفهوم وغير مقنع، ولا يتصور أن له أي تأثير على هذا الوعي السياحي، فأجهزة إعلام الدولة.. بصحفها ومجلاتها ومواقعها على الإنترنت، وكذلك بمحطاتها الإذاعية وبقنواتها التليفزيونية التي تبث على مدار الساعة،
ومن خلال البرامج والأغاني والمسلسلات والأفلام.. ثم أجهزة وزارة الثقافة وأنشطتها وندواتها وبرامجها، وكذلك ما هو متاح الآن في المناهج التعليمية..
هذه الجيوش الجرارة ألا تقدم فعلاً هذا الوعي السياحي؟ إننا نستطيع أن نقول إنها تفعل ذلك بل وأكثر..
وبالتالي فإن الحكومة غير صادقة في تفسيرها، وإنما الصحيح أنها تخفي نيتها الحقيقية.
هوية مصر.. إسلامية
لقد دخل الإسلام مصر عام 20 هجرية.. الموافق عام 639 ميلادية..
أي إن هوية مصر وقوانينها وعقلها السياسي والاجتماعي والنفسي والتشريعي، وكذلك ضميرها الأخلاقي وعطاء علمائها وفقهائها وأدبائها ومبدعيها،
كل ذلك تم انطلاقًا من الهوية الإسلامية والشريعة الإسلامية..
فمصر طوال تلك القرون كانت محضن الإسلام، ولم تكن حكوماتها المتعاقبة تحاربه وتشكك فيه كما يحدث الآن ومنذ ما بعد الاستعمار الفرنسي والبريطاني.
لم يتم تنحية الشريعة عن حكم مصر إلا عام 1875م ثم عام 1883م في فترة حكم أبناء محمد علي، ومع بداية الاحتلال البريطاني. وعليه فإن حكم الشريعة الإسلامية والهوية الإسلامية لمصر بشكل كامل كان قرابة 1240 عام،
مقابل 137 عامًا من الحكم العلماني..
وحتى خلال فترة هذا الحكم العلماني كانت الدساتير تؤكد على مرجعية الشريعة، وكانت عقول الغالبية العظمى من المصريين إسلامية وكذلك ضمائرهم وأفئدتهم مع الإسلام وليست مع ما فرضه الاستعمار ونخبته الفاسدة من هوية جديدة.
المصريون أحبوا الإسلام وخدموه ودافعوا عنه، لأنه شريعة وهدي السماء وخاتم الأديان ولأنه دين الفطرة وليس قانونَا بشريَا مفروضًا عليهم من قبل نظام سياسي له حساباته وأغراضه.. ولم يرض المصريون يومَا عن تنحية الشريعة عن الحكم، فلم تُنَح بإرادتهم.. وإنما نُحيت بقرار سياسي مشبوه.
الهوية الإسلامية رفعت من شأن مصر
خلال قرون الحكم الإسلامي والهوية الإسلامية، حققت مصر الحضارة والرفعة والسيادة والقيادة والعزة، ولم تتسول يومًا من أحد، بل كان يقصدها الناس من كل حدب وصوب للاحتماء بها والتمتع بخيراتها والإقامة فيها، ثم تحت حكم الشريعة والهوية الإسلامية حققت مصر أكبر انتصاراتها التاريخية وقادت الأمة العربية والإسلامية لهزيمة التتار ثم الصليبيين ..
حتى تحت حكم محمد علي (ولم تكن الشريعة قد نُحيت بعد، ورغم ميوله وتوجهاته العلمانية) حققت مصر أكبر توسع لحدودها..
فوصلت إلى ما بعد إثيوبيا وإلى الحجاز واليمن والشام.. بل وصلت إلى جنوب أوروبا نفسها.. فلماذا وكيف يكره المصريون الهوية الإسلامية وقد حققوا في ظلها غاية السعادة والمجد والكرامة والرفعة والعزة والنمو والانتصار؟
منذ أن بدأ تنحية الشريعة في عهد الخديوي إسماعيل، وبعد سلخ مصر من هويتها الإسلامية وصبغها جبرًا بالصبغة العلمانية، بأمر الاحتلال البريطاني وبأيدي النخبة المزيفة من أبنائها الذين كانوا ولا يزالون وكلاءً للغرب وامتدادًا له.. لم تر مصر إلا كل ما هو تعيس، ولم تنتصر في أي حرب خاضتها، بل كانت الهزيمة هي قدرها، ولم تعش إلا الأزمات الاقتصادية والضيق والمعاناة والتسول من الدول والتبعية للخارج.
مصر علمانية.. كذبة كبيرة
العرض السابق يؤكد كذب وسقوط ما قاله أحد وزراء الثقافة السابقين من العلمانيين المتطرفين، إن مصر علمانية بطبعها، ونقول لهذا الكذاب الحاقد المغيب وأمثاله: إن عطاء مصر طوال 1240 عام، لم يكن إلا إسلاميًا وما عرف العلمانية قط، والمكتبات شاهدة لا تكذب والمؤلفات موجودة.. وحتى في ظل العلمانية كان غالبية النوابغ إنما هم من ذوي الهوية الإسلامية..
مثل العقاد والرافعي ومحمد حسين هيكل ومحمد عبده وشلتوت والمراغي.. الخ، حتى طه حسين لم تأت شهرته إلا لاشتغاله بالثقافة الإسلامية ومن خلالها، وكان دعاة التغريب والعلمنة أمثال سلامة موسى النصراني وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد، ثم رائدات تحرير المرأة.. كل هؤلاء إذا قورنوا بالأكابر من مفكري ومؤرخي ومثقفي وشيوخ وعلماء الهوية الإسلامية.. لكانوا نقطة في بحر.. لكن إنتاجهم يتم فرضه علينا فرضًا ويتم النفخ فيه (رغم رداءته) بأوامر الدولة وعبر وسائل إعلامها وأجهزة ثقافتها.
النظام المصري يخوض صراعًا مع الإخوان
وإذا كان النظام السياسي المصري يخوض صراعًا سياسيًا مفتوحًا مع جماعة الإخوان المسلمين، ذات التوجه والجذر الإسلامي،
منذ ثورة 25 يناير 2011م، فإننا لا يمكن أن نفسر قرار الحكومة بتدريس الرموز الفرعونية، إلا أنه ضمن هذا الصراع، من أجل تهميش الهوية الإسلامية والمرجعية الإسلامية، وضمن سياسة تجفيف الينابيع،
وإضافة إلى ما عرضناه في السطور السابقة من جهود تاريخية لم يتورط فيها إلا الاحتلال الأجنبي ووكلاؤه.. وهذا تصرف قاصر..
وعلى العقلاء في الدولة المصرية مراجعة هذا التوجه، والتفرقة بين الصراع السياسي وهوية مصر الإسلامية ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي،
فالصراع السياسي سينتهي.. طال أمده أم قصر.. ولكننا سنكون قد هزمنا أنفسنا بأيدينا بما جنيناه على هويتنا، التي ينبغي أن نبعدها عن هذا الصراع السياسي الضيق.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)