مقالاتمقالات مختارة

تحولات الفصائل الإسلامية ونهايتها في الثورة

تحولات الفصائل الإسلامية ونهايتها في الثورة

بقلم محمد عبده

منذ مارس (آذار) 2011 شهدت الثورة السورية تحولات وتقلبات كبيرة، وامتازت بشكل عام بعدم وجود قيادة سياسية أو عسكرية قادرة على تنظيم الثوار في أجسام يكون باستطاعتها مجابهة النظام على جميع المستويات، وحتى في أوج القوة لم يكن هناك قرار أو تجمع سياسي موحد، أو جسم عسكري قوي يضم جميع من يحمل السلاح ضد النظام «جيش ثوري» فتفككت الثورة إلى أجزاء كل منها يسعى لإقامة مشروعه على الأرض بقوة السلاح، والتسلط، وفرض القوة بالعنف، فالإخوان المسلمون شكلوا كتائب وأولوية لخدمة مشروعهم، وكذلك فعل التيار السلفي والتيار العلماني الذين سعوا جاهدين للتحكم بمفاصل الثورة، وإقصاء الآخرين ولو كلفهم ذلك التحالف مع النظام والشياطين.

سيطر التيار السلفي الجهادي على أرض المعارك فغالبية الفصائل الكبرى كانت تنتمي لهذا التوجه؛ فجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام كانوا في خندق واحد، وينظرون بعضهم إلى بعض على أنهم إخوة جهاد وعقيدة، وهذا ما كان واضحًا من تصريحات زهران علوش قائد جيش الإسلام السابق، وأبي عبد الله الحموي أمير حركة أحرار الشام، إذ عد الرجلان الجولاني وعناصره إخوة لهم، وأن هدفهم واحد ورفضوا الانفصال عن النصرة في المعارك، لكن هذا الشيء سرعان ما تبدل بعد مقتل قادة أحرار الشام في تفجير رام حمدان أواخر 2014، واغتيال زهران علوش في نهاية 2015، فبعد هذه الأحداث تغيرت الكثير من الأمور.

وعلى الرغم من قتال الحركة مع النصرة في معركة تحرير إدلب ضمن غرفة عمليات جيش الفتح فإن ما حدث بعد ذلك كان يوحي بتغير نهج الحركة؛ فبدأت الأطماع من كل الأطراف بالسيطرة وزيادة منطقة النفوذ في الشمال، فحصلت عدة اقتتالات بين أحرار الشام والنصرة عزا البعض منها لحب النفوذ والسطوة من الطرفين، لكن ما كان واضحًا وجليًّا أن هذا لم يكن السبب المباشر، فإن كانوا يرون أنفسهم جسمًا واحدًا فلا داعي للتحارب على منطقة أو أخرى بما أن جميع المناطق تحت سلطتهما، لكن ما تغير بعد اغتيال القادة هو النهج السلفي للحركة التي بدأت تميل نحو السعي لدولة ديمقراطية مدنية وتسعى للتفاوض مع النظام والوصول لحل سلمي، وهو ما رفضته النصرة وقالت إنه تضييع لدماء الشهداء وبيع للثورة، وهو ما ساهم بحدوث عدة معارك بين الطرفين انتهت بإنهاء حركة أحرار الشام نهاية 2018 بسبب قوة النصرة وقتالها العقائدي وتحالف عدد من الفصائل الإسلامية التي تنتهج النهج السلفي الجهادي معها، أضف إلى ذلك انشقاق عدد كبير من كتائب أحرار الشام وانضمامها لصفوف النصرة في 2017 وتشكيل هيئة تحرير الشام.

أما في دمشق وغوطتيها فتغير نهج جيش الإسلام كان واضحًا بعد مقتل زهران علوش وسيطرة السعودية على الفصيل بشكل كامل، وبدأت تقاتل النصرة ومن يقف معها على حساب قتالها للنظام، واستطاع جيش الإسلام بالأعداد الكبيرة وقوة السلاح وضعف النصرة القضاء عليها بشكل شبه كامل.

اليوم تنحصر الثورة في منطقتين من مناطق الشمال السوري وتقسم المنطقتين إلى محورين مختلفين، المحور الأول هو إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقًا»، وتسعى لإقامة دولة تحكم بشرع الله ومحور مناطق درع الفرات التي تسعى الفصائل الموجودة هناك لإقامة دولة مدنية ديمقراطية بما فيهم جيش الإسلام «جرى تهجيره إلى الشمال في 2018».

لكن الأخبار المتواردة اليوم تشير إلى أن تحرير الشام تسعى لإزالة نفسها من قائمة التصنيفات الإرهابية، من خلال التخلي عن بعض وجوه القاعدة العاملين ضمن صفوفها والسعي للتفاوض متسلحة بتجربة طالبان في أفغانستان، إلا أن قيادة الهيئة تتناسى مقدار عداوة الغرب والدول العربية لها، لكنها لا تستطيع أن تنسى أن فك ارتباطها بالقاعدة في 2016 لم يغير شيئًا من تصنيفها طالما أن القيادات نفسها، وهو ما سيمنع إزالتها عن القائمة طالما أن الجولاني ما زال على رأس الهيئة، ومعه أبو ماريا القحطاني، وأبو عبدالله الشامي، شرعي الفصيل، فهل يمكن للهيئة التخلي عن كل هؤلاء القادة في سبيل التميع والانصهار في صفوف الجيش الوطني؟ وماذا سيكون ردها في حال طلب منها قتال الفصائل المنظوية تحت غرفة عمليات وحرض المؤمنين التي تضم حراس الدين «تنظيم القاعدة الجديد في بلاد الشام» وأنصار الدين، وأنصار الله، إذ إن تعدادهم يفوق 4 آلاف مقاتل جلهم من المقاتلين العقائديين ممن كانوا مع الهيئة وانفصلوا عنها بعد قبول تحرير الشام دخول الأرتال التركية إلى إدلب، فهم لن يكونوا لقمة سائغة كحال أحرار الشام وحركة الزنكي، خاصة وأن الكثير من مقاتلي تحرير الشام لن يقاتلوا هذه الفصائل، ولن يشارك الحزب الإسلامي التركستاني في قتال تنظيم القاعدة وهم جزء لا يتجزأ منه.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى