تجريم اللباس والعبادات والسمت الإسلامي.. عملية بيضاء لبقايا الاستبداد في تونس
إعداد عبد الباقي خليفة
من بديهيات حقوق الإنسان، الحرية في اللباس، إلى جانب الحق في التعبير بالكلام والممارسة ما لم يغمط حق أحد أو يعتدي على السمت العام بما ينافي الحياء، أو يمثل خطرًا حقيقيًا مجمعًا عليه، أو يتبناه الأغلبية في أقل تقدير.. لكن في تونس يمكن أن يتقمص (بعض المدافعين عن حقوق الإنسان) دور الديكتاتور ويستخدمون نفس أساليبه وممارساته ونمط تفكيره.. فما حدث في محافظة المهدية وتحديدًا في مدرستي الشواشين والمزاهدة من بلدة شربان يعكس هذا النمط من الاستبداد والديكتاتورية، بعد عشر سنوات من الثورة التونسية المجيدة، ورحيل الديكتاتور الرمز بن علي.
عملية بيضاء
رابطة حقوق الإنسان، وهي منظمة يسارية، لم يرق لها أن يلبس المعلمون ما يريدون، واعتبرت الصلاة في أقسام الدراسة، خطأ فضيع وخطر داهم، والفصل بين الاناث والذكور كارثة ومصيبة تستوجب تدخل وزارة (التربية) ولجان تحقيق ليشنق الجناة بعد محاكمة شعبية، وفي أقل الأحوال يطردون شر طرد من المدارس التي يدرسون فيها .
وبما أن ما ذكره فرع (رابطة حقوق الإنسان) غير صحيح فقد اعتبره البعض عملية بيضاء (أي محاولة محاكاة عملية حقيقية أو بروفة) فقد زعم رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمحافظة المهدية الساحلية التونسية، جمال الدين السبع، أن” عددًا من ممثلي الرابطة (زاروا) المدرستين ورفعوا تقريرًا جاء فيه تأكيد لوجود فصل بين التلاميذ الذكور والإناث.
وتضمّن التقرير، وفق الرابطة، تعمّد بعض المعلمين التدريس باللباس الأفغاني والصلاة داخل القسم وأثناء الدرس مع عدم التقيّد بالمناهج العلمية والتعليمية لوزارة التربية، والسعي إلى تغيير عقول التلاميذ عبر أفكار متطرّفة وغريبة عن الثقافة التونسية” .
وأشار تقرير ممثلي فرع الرابطة، أيضًا، إلى ما وصفوه بـ ” تراخي للقائمين على مدرستي المزاهدة والشواشين أمام هذه التجاوزات وتراخيهم في إعلام سلطة الإشراف التي يتوجب عليها فتح تحقيق إداري في (هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الطفل والدستور والقوانين).
مجانبة للحقيقة
الحقيقة أن ما ذكره فرع الرابطة في محافظة المهدية وهو غير صحيح ومن نسج الخيال رغم أنه أثر كما قال البعض في الوزارة والسفارة والعمارة.. في حين أكد المندوب الجهوي للتربية بمحافظة المهدية، المنجي منصر، يوم الخميس، بأن” جميع التقارير المتعلقة بمدرستي المزاهدة و الشواشين بمعتمدية شربان من ولاية المهدية أثبتت عدم وجود فصل بين الإناث والذكور لتلاميذ المدرستين.”
و أنه حضر تحيّة العلم في إحدى المدرستين بوجود أحد المعلمين المذكورين آنفا ولم يلاحظ فصلًا بين الجنسين بل تباعدًا جسديًا بسبب إجراءات الوقاية من جائحة فيروس كورونا والتي تفرض إفراد كل تلميذ بطاولة درس.
وشدّد على أنه عدا اللباس الذي ارتداه عدد من معلمي المدرستين المذكورتين فإنهم التزموا ببرنامج التعليم المقرّر من قبل وزارة التربية، علاوة على عدم صحة أنباء أداء الصلاة وسط أقسام الدراسة، (في نظرهم تهمة) خاصة وأن المربين المعنيين يدرسون في الفترة الصباحية التي لا تشمل مواقيت للصلاة .
وبيّن أن المعلمين المعنيين سيوقعون على التزام (هكذا) كتابي يتعهّدون فيه بتغيير هندامهم وارتداء اللباس المدني، وعدم العودة إلى (اللّباس الطائفي!)، وذلك بعد تقديمهم لالتزام شفوي بذلك وانطلاقهم في تطبيقه بالمدرسة .
فتح تحقيق
وأضاف أن تحقيقًا فتح في الموضوع، والمتمثل في وجود معلّمين يرتدون (لباسًا طائفيًا) القميص في تونس لباس طائفي وفق تقييم المستبد “بن علي”.
وقال منصر، الذي تولى الإدارة الجهوية للتربية بالمهدية منذ يناير 2021م، أنه تم استكمال العديد من التقارير والتي رفعتها مديرة التعليم الابتدائي بالمندوبية الجهوية للتربية والمتفقدين البيداغوجيين ومديري المدرستين سيشفع بتقرير شامل يهدف إلى مزيد من التقصي.
ولفت المتحدّث إلى أن المعلمين المعنيين، الذين تتراوح سنوات مباشرتهم لمهنة التعليم بين 8 و28 سنة ومن بينهم معلم حاز على الجائزة الوطنية في الإبداع البيداغوجي في مادة الفرنسية لسنة 2020م، خضعوا طيلة هذه السنوات إلى متابعة بيداغوجية وكل التقارير تؤكد كفاءتهم وعدم خروجهم عن المناهج الرسمية .
شهادة عن قرب
من جانبه، قال مدير المدرسة الابتدائية المزاهدة، سليمان العيفة، في تصريح إعلامي، إن جميع العاملين والمربين بالمدرسة ملتزمون بالبرنامج الرسمي لوزارة التربية وبالمنشورات التي تصدرها ولا وجود لخروج عن نطاق القانون والأخلاق والمنهج التربوي .
وأشار العيفة إلى وجود الصور ومقاطع الفيديو والنصوص التوجيهية بكل قاعات الدرس، مضيفًا أن أحد المدرسين يرتدي لباسًا يتمثل في قميص طويل (وهو لباس تونسي) منذ سنة 2010م وحضر به العديد من الاجتماعات البيداغوجية ويزور كل الإدارات بحرّية، وفق تعبيره.
وأشار إلى تأثير التقرير الصحفي الذي بثّ عن المدرسة على أذهان التلاميذ الذين باتوا، وفق تعبيره، يتساءلون عن تفسير للعديد من المفاهيم على غرار ” داعش ” و “تفريخ ” و “إرهاب”.
وزارة التربية على الخط
وكانت وزارة التربية التونسية قد أصدرت، يوم الأربعاء 3 مارس 2021م ، بلاغًا أكدت فيه على أنها كلفت متفقدين إداريين وماليين للتحري في الموضوع على أن يتم بعد صدور تقرير التحري تحميل المسؤوليات لكل من يثبت ارتكابه لأي تجاوز مهما كانت طبيعته.
وذكّرت الوزارة “كل مكونات الأسرة التربوية بضرورة الالتزام بما ورد بمدوّنة سلوك واخلاقيات العون العمومي وتجنّب السلوك الذي يمسّ من مقومات المنظومة التربوية بما في ذلك اللباس”!!!!
(المصدر: مجلة المجتمع)