بقلم د. حمزة آل فتحي
شخصية فكرية وزعيم سياسي، وسيرة مثيرة، أشغلت الرأي العام، وطلعت على المشهد الدعوي والسياسي بفتاوى وآراء محل جدل وتندر وسخرية من آخرين…
غادرنا هذه الأيام ومضى إلى الله، ونسأل المولى تعالى أن يعفو عنا وعنه…
وهنا لنا وقفات مع تراثه وآرائه، والتي مكث دهرا يناصرها إلى أن وافته المنية، ونقدها هنا ليس من باب الشماتة، ولكن من باب الموضوعية والإنصاف العلمي، ولئلا يغتر بعض الناس، فيحاكيها، لأنه لا معصوم بعد رسول الله، وكما قال الإمام مالك رحمه الله (( كل يؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر )) وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
١/ منهجية د. حسن الترابي غفر الله له، ليست من بابة التجديد، لارتكابها الأصول ، وامتطائها صهوة التشويه للفقه الإسلامي، إذ لا تجديد في القطعيات، وما استقر عليه الإجماع ، ولذلك لم يوافقه جل علماء عصرنا، وحتى منتهجو فقه التيسير كالعلامة القرضاوي، أنكره، ورد عليه في (حلقة متلفزة)، لا سيما مسائل : خصوصية الحجاب بنساء النبي، وبالجيب والصدر من المرأة- زواج المسلمة من الكافر- تجويز إمامة المرأة للرجال- جواز ارتداد المسلم عن دينه – تجريم الخمرة إذا جرت للعدوان فقط – تفسير الحور العين بكلام بدعي محدث-
وقال الشيخ القرضاوي في كتابه( الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد) ص(٢٨) …( إن التجديد الحق هو تنمية الفقه الإسلامي من داخله وبأساليبه هو، مع الاحتفاظ بخصائصه الأصيلة، وبطابعه المميز ). والترابي مجدد من الخارج، وأدواته خارجية مستوردة، أو عديمة المحتوى.،!
واعتقاد البعض أن التجديد مخالفة وافتئات، أو ابتكارات عصرية، أو تنكر للتراث من أسوأ المسالك، لأن التجديد عبارة عن إحياء ما انـدرس مـن العمـل بالكتـاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع والمستحدثات، فالمجدد الفقهي باعث ومحي لما اندرس وخفي، بسبب الجهل والانشغال .
٢/ أن مقدماته العلمية ليست معتبرة بل فاسدة، لقيامها على تقديم العقل على النقل، وتغليب العصرنة ، وادعاء عدم اكتمال الشريعة، واحتياج العصر لفقه جديد، على مسالك العَلمانيين والعصرانيين.
يقول مثلا في عبارة موهمة في كتابه( تجديد الفكر الاسلامي )…( ليست الأشكال التي أخذها الدين في عهد من العهود هي أشكاله النهائية، وإنما يزدهر الدين باْذن الله في شكل جديد عهدا بعد عهد ) ص (٣٨) . وهذه فيها من الخطورة ما فيها، ،،! وهو في ذلك كله لم يقدم ركائز مقنعة في كل دعاويه، والله يقول(( قل هاتوا برهانكم إن كُنتُم صادقين )) سورة البقرة . فلا براهين على فتاويه، ولا براهين على مقدمته التجديدية، تؤصل لعلمه وإطاره المرجعي ..!!
يقول الإمام الشافعي رحمه اللهُ في كتابه الرسالة:( وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء: حلّ أو حرم، إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو السنة أو الإجماع أو القياس ).ص(٣٨) .
٣/ خضوعه للضغط الواقعي، ومحاولاته التكيف مع الرغبة الغربية في تليين الإسلام، لاسيما إذا استحضرت تخرجه من (جامعة السربون) الفرنسية، ولا يُشاد بكثير من خريجيها، وكيف جُعل منهم مشوهين للثقافة الإسلامية ،،،!
٤/ مجافاته للمنهج الشرعي الأصولي في التجديد، وجرأته على الإجماعات الصحيحات، والقطعيات المتواترة، وصريح البراهين ، وأن التجديد إذا صح استعماله فيقتصر بالفروع والنوازل وما شاكلها، وبالقواعد المعروفة..!
ولكنه لا يعير ذلك اهتماما، ويطالب بأصول فقه جديدة،،، فيقول مثلا في كتابه( تجديد أصول الفقه): (…لم يعد مناسبا للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء، لانه مطبوع بأثر الظروف التاريخية،،،،) وهي دعوى تاريخية النص الشرعي، والتي طالما طنطن بها العلمانيون، وسحبها الدكتور الترابي على أصول الاستدلال وما شابهها..!
٥/ يسمي بعض العلماء هذه العصرنة الإسلامية المتهافتة ، والتي تصادر الأصول والأدلة الساطعة (بالتجديد البدعي)، ويعدون حملته من ضحايا (الهزيمة الفكرية) ، والتي ظهرت أيام الاستعمار في أول العصر الحديث على أيدي الأفغاني ومحمد عبده، عفا الله عنهما.،،!
٦/ لو صحت براءته المبدئية، فلِمَ لم يعرض ذلك على المجامع الفقهية، يستنصحهم ويطلب تقويمهم ونقدهم،، ولكن لم يفعل، مما يؤصل لفكرة الشذوذ المنهجي الذي كان يتوخاه، وهذه معضلة كل زاعم للفقه والمماشاة العصرية، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله لابنه عبدالله : ( لا تقل في مسألة ليس لك فيها إمام )..!
٧/ غوصه السياسي وتوليه لعدة مناصب كبرى، لا ريب أنها مما أثر عليه، وحاول أن يوظف الدين لذلك، فضل الطريق، وخاصم العلماء، وابتدع ما ينكره كل عاقل،،،! وقد أصر على تجويز ولاية المرأة، وتجاهل حديث صحيح البخاري (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )).
وبوب له الإمام النسائي رحمه الله في سننه :(باب النهي عن استعمال النساء في الحكم ). وليس هو إعانة للمرأة كما توهم هو وغيره، بل مراعاة لشخصيتها وصفاتها الجسمانية والنفسية .
٨/ موقفه من السنة النبوية لا يختلف كثيرا عن موقف المدرسة العقلية في الإنكار الكلي أو الجزئي، ومحاكمتها بالعقل، ورد متواترها بلا مبالاة، وقد قال الإمام أحمد ( من رد حديث رسول الله فهو على شفا هلَكة ).
نحو :
– أحاديث نزول المسيح وخروج الدجال.
– رد حديث رجم الزاني المحصن .
– أحاديث خروج المهدي.
– حديث قتل المرتد وشهادة المرأة .
مشابهين بذلك المسلك المعتزلي القديم ..!
ولا يستقيمُ لمجددٍ دربَه، أو يصيب الفلاح، وهو في عزوف عن السنن الصحاح، وقد قال الإمام الزهري رحمه الله : (كان من مضى من علمائنا يقولون : الاعتصام بالسنة نجاة) .
وله عبارات مسيئة لمقام النبوة وتفاسير السلف والصحابة الأجلة، والمخزون التراثي للأمة،،،، يتعجب المرء كيف يفوه بها عاقل محب للإسلام، وداع للتجديد الديني العالمي، لولا أنها نُسبت له،،،،! وطار بها الأعداء، وكانت مستمسكا عتيدا لمن ضلله واعتبر نهجه بدعيا عصريا تغريبيا، لا يمت للعلم الصحيح بصلة،،، !
ولا يبهج صنيعه إلا العلمانيون وأعداء الاسلام، وقد يتساءل بعض الشرعيين، ما سبب تورطه في ذلك، والأسباب باختصار:
١/ ضعف الحصيلة الشرعية لديه، ولدى منتحلي ذلك المنهج التخريبي وليس التجديدي، وحملان شهادة دكتوراه أو زعامة سياسية ودعوية ليست أمانا من الانحراف المنهجي .
٢/ الانبهار بالحضارة الغربية، ومحاولة عرض الإسلام في وعاء تغريبي مرض للقوم .
٣/ الاستسلام للضغط الواقعي وغزو المدنية الغربية، وهو ما يفسر هجمتهم على كتب التراث ومؤسساته، كما كان يقول الشيخ محمد عبده عفا الله عنه عن الأزهر وأوساخه، وأنه يجهد كثيرا في التطهر من تلكم الأوساخ ،،،!
٤/ التقديس المطلق للعقل، وانتهاج العقلانية في النظر الفقهي، ونتج عن ذاك التهوين من النصوص وحفظها والاستنباط منها ..!
٥/ التعلق بمصطلحات التيسير والتسامح الديني وعموم البلوى، وإيصال الإسلام والمصلحة،،،، على حساب الأصول والقطعيات، وينضاف لها الشعور الداخلي بالهزيمة النفسية، الناتجة عن الهزيمة الفكرية، وولع المغلوب بالغالب، كما قال العلامة ابن خلدون رحمه الله، وغيرها،،، ثبتنا الله وإياكم، وعافانا من الزلل والانحراف ،،، والسلام،،،،!
ومضة/ التجديد إحياء لما اندرس، وفهم منضبط ذو أسس، لا تبديل
المصدر: الاسلام اليوم.