مقالاتمقالات مختارة

بين منهج القاعدة السقيم والمنهج النبوي القويم

بقلم مجاهد ديرانية

الفروق بين “منهج القاعدة” و”منهج النبوّة” كثيرة، كثيرة جداً، غير أن أهمها على الإطلاق هو أن القاعدة تقلب “هرم الدعوة النبوية” رأساً على عقب، فتبدأ من حيث انتهى النبي عليه الصلاة والسلام ثم تمشي بعكس الطريق لتنتهي (لو انتهت، ولم تفعل قط) إلى حيث بدأ.

كيف نشر النبي دعوته وكيف أسّس دولة الإسلام؟ هذه سيرتُه بين أيدينا، اقرؤوها تجدوا فيها دعوةً متّصلةً صبرَ عليها صاحبُها السنينَ الطوال حتى أثمرت جماعةً مؤمنة، ثم اتسعت الجماعة (بالدعوة والدعوة وحدَها) حتى نشأ منها مجتمع مؤمن أسَّسَ حياتَه على الإسلام باختياره ورضاه، لم يجبره على اعتناقه أحد قط ولم يحاربه للالتزام بأحكامه أحدٌ أبداً.

لقد بنى النبيُّ الحكيمُ الإنسانَ المسلم وصنع الجماعةَ المؤمنة فصنعت هي دولة الإسلام؛ أقنع الناس بالإسلام، فلما اقتنعوا به تحاكموا إليه -راضين- في حياتهم ومعاشهم وعبادتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وسياستهم وحربهم وسلمهم، وخضعوا له في كل أمر وفي كل حال.

هذا هو المنهج النبوي القويم: بدأ بالدعوة وانتهى بالدولة، وبدأ بالجوهر فتبعه المظهر والمخبر، وأصلح نفوس الناس فاستقامت أعمال الناس. أما “القاعدة” فإن لها منهجاً مقلوباً منكوساً، فإنها تبدأ بالسيطرة على الأرض بقوة السلاح ثم تفرض الدين على الناس بالإكراه، ولأنها أبعد الناس قاطبة عن فهم “فقه الدعوة النبوية” فإنها تهمل الجوهر وتنشغل بتغيير ظواهر الأعمال والأشكال!

وأهم من ذلك كله: إن المنهج النبوي يحفظ للأمة حريتها ولا يسلّط عليها أفراداً مستبدّين يتحكمون في حياتها وثروتها وإرادتها، أما القاعدة فإنها تسلب الأمة حريتها وتتسلط عليها بقوة السلاح الذي لا تعرف لغة سواه، فتكون النتيجة النهائية أن الناس يخرجون من جَور وتسلّط إلى جور وتسلط ويستبدلون استبداداً باستبداد، لا فرق سوى أن الاستبداد القديم ملوَّن بالألوان الزاهية والاستبداد الجديد مُسَربَل بالسواد.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى