بقلم: د. زياد الشامي
ليس هناك أي وجه للمقارنة في الحقيقة بين شرف ونبل فتوحاتنا الإسلامية التي نشرت السلام والإسلام في جميع أرجاء الأرض , وضربت أروع الأمثلة في رعاية حقوق الإنسان في المعارك والحروب فضلا عن أيام السلم والهدوء….وبين خزي وعار ما خلفه العدوان الصليبي والصفوي , سواء في زمن الاحتلال الغربي لمعظم الدول العربية والإسلامية , أو في العصر الراهن الذي يشهد أشرس حملة صليبية صفوية تستهدف أهل السنة في التاريخ الحديث .
ولكن احتفالات الأتراك بالأمس بالذكرى 563 لفتح القسطنطينية “اسطنبول” عاصمة الإمبراطورية البيزنطية حينها , على يد السلطان محمد الثاني عام 1453 , والذي لقب بالفاتح على إثرها ….ذكرني بالفرق بين فخر فتوحاتنا التي ما زالت الأجيال تحتفل بذكراها الناصعة وحق لهم أن يحتفلوا , وبين عار وخزي المآسي التي خلفها الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين , والتي لا يبدو أن الأيام تزيدها إلا خزيا وعارا .
نعم …. لقد أقيمت مسيرة مليونية في اسطنبول التركية أمس الأحد احتفالا بالذكرى 563 لفتح القسطنطينية , وشارك في الحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال فيه : ” من الآن حتى العام 2023 سنجعل من ورثة الرجل المريض قبل مئة عام أحد أكبر عشرة اقتصادات في العالم”
كما شارك في الاحتفال رئيس الوزراء التركي “بينالي يلديريم” الذي قال فيه : “في يوم من الأيام كنا نحن الدنيا، والدنيا كانت تعني نحن، كل شخص يتعرض لظلم كان يلجأ إلينا ويطلب منا المساعدة” …. في إشارة إلى الخلافة العثمانية .
وتابع يلدريم : “نحن من عرّفنا العدالة للمنتمين للأديان الأخرى من السريان والمسيحيين وغيرهم عندما فتحنا القسطنطينية، حيث أنه من غير وجود أجدادنا ما كان مكان لدنيا عادلة في ذلك الوقت”.
وقال : “السلطان محمد الفاتح سيّر السفن فوق اليابسة من أجل فتح إسطنبول، وأحفاده رجب طيب أردوغان ورفاقه سيروا القطارات والسيارات من تحت البحر”.
والحقيقة أن حق الاحتفال بذكرى فتح القسطنطينية لا ينبغي أن يقتصر على الأتراك فحسب , بل هو حق لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها , فالحدث إسلامي بامتياز , حيث لم يفتح السلطان محمد المدينة باسمه الشخصي , بل فتحها باسم هوية الخلافة العثمانية الإسلامي في المقام الأول .
وكيف لا يكون هذا الفتح حدثا إسلاميا يستحق الاحتفال بذكراه والفخر به وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبشر بفتح القسطنطينية : (لتفتحن القسطنطينية و لنعم الأمير أميرها و لنعم الجيش ذلك الجيش قال عبيد الله : فدعاني مسلمة بن عبد الملك فسألني عن هذا الحديث فحدثته فغزا القسطنطينية ) مستدرك الحاكم برقم/8300 .
وما يهمنا في هذا المقام هو السلوك الحضاري الذي تميز به الفاتحون المسلمون في حروبهم منذ اعتنقوا الإسلام دينا , حتى استحقوا وبجدارة لقب “لم يعرف التاريخ أرحم من الفاتحين العرب المسلمين” , في الوقت الذي لم يقابل أعداء الإسلام هذه السلوك الإسلامي السمح إلا بإصرار عجيب على الاستمرار بسلوكهم المشين ضد المسلمين في أيام السلم فضلا عن زمن الحرب .
ولعل ذكر شيء يسير مما فعله السلطان الفاتح قبل وبعد فتح القسطنطينية مقارنة بما يمارسه الغرب والصفويون اليوم كفيل بإثبات ذلك , فمع تيقن جيش الفاتح من قرب سيطرتهم على المدينة بعد عملية نقل السفن عبر اليابسة بطريقة مذهلة …. أرسل السلطان قبل الهجوم العام بيوم واحد رسولاً إلى الإمبراطور يخبره بأنه : إن سلم المدينة من غير قتال فإن السلطان يمنح جميع الرعايا الحرية التامّة , ويهب الإمبراطور بلاد مورة ……فلم يقبل الامبراطور بل و ردّ الرسول و وبخّه .
وحين تم للسطان فتح المدينة لم يقتصر سلوكه الحضاري الذي تعلمه من دينه الخاتم على منح الأمان للناس وتهدأة روعهم , وعلى افتداء الكثير من أمراء اليونان ممن كان وقع في يد العسكر أسيرا , كما لم تقتصر سماحته على السماح للنازحين من أهل المدينة بالعودة إلى أوطانهم , وبحريتهم في معتقداتهم وأصولهم الدينية…. فحسب , بل أبقى السلطان على كثير من كنائس النصارى لهم , و أعطى للنصارى حق اختيار رؤسائهم الدينيين ، الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية ، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى….
فأين هذا السلوك الحضاري مما فعله الجنرال “غورو” الفرنسي حين دخل دمشق محتلا فذهب على الفور إلى قبر صلاح الدين وَرَكَله بقدمه وهو يقول : (نحن قد عُدْنا يا صلاح الدين) !!!
بل أين سلوك الفاتح من سلوك الحملة الشرسة التي تشنها المليشيات الصفوية اليوم بمؤازرة ودعم غربي واضح وفاضح ضد أهل السنة في أكثر من عاصمة ودولة عربية وإسلامية , حيث لا يكاد يمر يوم إلا وترتكب هذه المليشيات مجزرة بعد سيطرتها واحتلالها لبلدة أو قرية , ولعل ما يجري في الفلوجة الآن , وما يتكرر في مدن وبلدات سورية واليمن ….خير شاهد على ذلك .
أعود فأقول : إنها ليست مقارنة ولا يمكن أن تكون كذلك , فشتان بين مسوغات وأسباب وأهداف الفتح الإسلامي , الذي تحكمه أوامر إلهية وتوجيهات نبوية ….وبين أهداف وأسباب الحروب العدوانية الغربية والصفوية , التي لا تحكمها إلا الأحقاد و العنصرية والأطماع التوسعية والشخصية .
*المصدر : موقع المسلم