مقالاتمقالات مختارة

بين المسار السياسي والدعوي (رؤية في العمق)

بين المسار السياسي والدعوي (رؤية في العمق)

بقلم أحمد هلال

سيدنا نوح عليه السلام من أولي العزم من الرسل، أبدع في دعوته ليلا ونهارا، جهارا وإسرارا، لكنهم إستغشوا ثيابهم وأصروا وأستكبروا إستكبارا، طالت دعوته وإستمر فيها الف سنة إلا خمسين عاما، لم يتخلى عن دعوته ولم يترك رسالته ولم يتنحى ،ولن يستطيع أحد أن يتهمه بالفشل ،رغم عدم إستجابة الكثير لدعوته ، لكنه لن يتحمل مسئولية عدم إيمانهم وعنادهم واستكبارهم.

أصحاب الدعوات والمصلحين يختلفون في توجهاتهم عن الأحزاب السياسية، لأن رسالتهم ربانية ودعوتهم إصلاحية، ومسئوليتهم توجيهية، ووسيلتهم مشروعية، ومن يعتقدون يوما ما أن الإخوان المسلمين قد توقف عطاؤهم عند حادث الإنقلاب على الثورة المصرية، فإن نظرتهم ضعيفة ومحدودة للغاية، فليس للإنقلاب العسكري أن يوقف دعوة الإخوان المسلمين العالمية، فالعطاء ممتد ومستمر في داخل مصر وفي خارجها بل وفي داخل السجون أيضا.

لم يتوقف رصيد الجماعة عن إعداد وتربية الأجيال في طول البلاد وعرضها، من يتذكر محنة 54 أو من عايش تلك الفترة يدرك أنه قد خاب ظن الهالك عبدالناصر عندما إعتقد أنه قضى على الإخوان المسلمين ولم يتبقي منهم شيء ولا تكاد تسمع إلا همسا، ومن يذكر إسم الاخوان المسلمين فقط وقتها تختطفه الأيادي إلى ما يسمى ب وراء الشمس.

لكن تلك الشمس كانت تصهر معادن الرجال حتى ظهر في الآفاق جيل فريد متميز يصنع من محنته تاريخ أمته وتكون دعوة الإخوان المسلمين ملء السمع والبصر ويهلك الهالك عبدالناصر وزبانيته أمثال حمزة البسيوني وغيرهم من زبانية التعذيب في السجون ،ولا تدري من أين خرج هذا الجيل ومن قام برعايته وتربيته ومن تعهد بإخراجه من تحت ركام الفتنة ،وغياهب السجون ، إنه كان بعثا معجزا لم يتوصل أحد حتى اليوم كيف حدث ذلك ،ومن كان يتعهد بالتربية لبعث ذلك الجيل من تحت رماد المحنة ،حتى تزهر الأرض بغراس جديد.

عندما تنحسر رؤية النخب السياسية المصرية والمفكرين والمبدعين وأصحاب الأقلام ،عندما تنحسر رؤيتهم في جماعة الإخوان المسلمين عند أحداث الثورة المصرية وما بعدها فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر منهم ، وإعادة دراسة تاريخ الجماعة التي يتحدثون عنها إيجابا اوسلبا.

لست هنا في مقام المدافع عن أخطاء الجماعة بقدر ما أنا في مقام إستعادة قراءة تاريخ الجماعة ورؤيتها وهيكلها وتشعبها وتشابكها وتعقيدات التكوين الهيكلي للجماعة الذي وضعها كأقوى تجمع مدني على مستوى العالم.

أطراف الصراع الإقليمية والدولية تتفهم جيدا تعقيدات هيكل جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك كانت حربا شديدة وبالغة تتساوى مع حجم جماعة الإخوان المسلمين، بلغت تلك الدعوة حدا يستحيل معه القضاء عليها أو النيل منها (لن يضروكم إلا أذى) إنتشرت الفكرة عبر التنظيم وتخطت الفكرة التنظيم حتى أصبحت واقعا يتحرك به المصلحين من دون خضوع للمؤائمات التنظيمية أو بعض السياسات التي وضعتها الجماعة كتنظيم عالمي يتعامل مع الرؤساء والحكومات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

فلن يبلغ الجميع من جماعة الإخوان المسلمين غير مجرد أذى سرعان ما يتلاشى وينتهي.
إننا أمام حالة من فشل النخب في مدى فهمهم لجماعة الإخوان المسلمين والتعامل معها على إنها مجرد حزب سياسي وليست جماعة دعوية جامعة تحمل الخير للعالمين ،
هذا الخطأ وقع فيه الكثير عند تناوله لتقييم أداء الجماعة ،بين النجاح والفشل ، حتى إستغرق الكثير من هؤلاء جهده في حلقة مفرغة من الإتهام بالعجز والفشل وبعث رسائل الإحباط التي لا تؤثر في إحداث تغيير الواقع بصورة عملية وواقعية وسياسية هادئة من دون ضجيج أوتبادل اتهام وإساءة وتخوين وانتهاك الأعراض.

ومن واجب الأفراد والجماعة أيضا أن يتفهموا طبيعة رسالتهم ودعوتهم وأن يجعل كل من هاجر منهم دعوته محور ارتكاز كبير في تفكيره وجهده وسعيه رغم تحديات وواقع الهجرة المؤلم من ضيق في الرزق ومرارة الغربة ،وان يتحول إلى تدويل دعوته وتبليغها لكل من يصادفه في طريقه ،وأن يحدث أثرا طيبا فيمن حوله ،وأن يكون سفيرا جيدا لإسلامه ودعوته ،
وأن يعتقد اعتقادا راسخا أن ما يصيبه من اذى (وهو لاشك سيقع نظرا لعظم الغاية وعقبات الطريق)، ليس إلا من باب الإبتلاء الذي يصقله، ويرفع من درجاته عند الله.

مهم جدا أن يكون هناك ساعات للمراجعة وإستعادة لإكتشاف أنفسنا من جديد وأن تكون دعوتنا في صدارة اهتماماتنا، عندها سندرك جميعا حجم التقصير الذي نحيا به، وساعات الغفلة التي مرت علينا، و إنسحاب بساط العمر من تحت أيدينا، وأن الواجبات أكثر من الأوقات.
إن كل فرد يحيا بغايته لديه طاقة يستطيع من خلالها تغيير حال أمة بأسرها لو أحسن توجيه تلك الطاقة الإنتاجية في مسارها الطبيعي

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى