مقالاتمقالات مختارة

بين التطويع واكتمال شروط التطبيع والتطبيل – 1 من 2

بين التطويع واكتمال شروط التطبيع والتطبيل – 1 من 2

بقلم محمد صالح عويد

أعتقد أن ما كان وثيقًا، وعميقاً متجذّرًا وموارباً تحت ستار واه من حشمة ألف ليلة وليلة.

 بين سادة المشروع الاستعماري ، وبين عبيدهم المكلفين بإدارة هذه المستعمرات الورقية البائسة ، ما كان ليتغيّر  أو يتأخر دبيبُ  السلحفاة الاستعمارية الواثقة تسعى هادئة نحو خطّ النهاية دون عثرات ، لطمس ثقافة العروبة، والإسلام ووأد مخزون، وإرادة الخصوصيّة المتميّزة ، وبالتالي لجم أي طموح يتوثّب بصيصه في نفوس البشر ههنا رغم كل ألغام البؤس الفكري، و فخاخ التخلف والفقر والقهر والإفساد، والجهل الممنهج ، وكل ذاك التسلل الناعم لتحقيق السيطرة التامة النظيفة المتلائمة تمامًا مع شعاراتهم البرّاقة المزيّفة المعلنة لجمهورهم فقط ، والتمكّن من كل مقدرات ومفردات الجغرافيا .

كانت الحبكة: أن يشتغل الرُعاة بإمرةِ الذئاب ، ليس لجزِّ صوف القطيعِ وحلبهِ وجلبهِ إن اقتضى الأمرُ، بل لسلخِ الخراف وتركها تتجول حيّةً بلا جلدِ حتى تتفسّخ، وينهشها الذباب، والقيحُ والدود تحت شمس التغريب فتتردّى ، فتهلك بلا ثأرٍ، أو ديّة، أو إعلان نعوة على جدار ..

لكن انفجار بركان الشعوب وقع  خارج حساباتهم مما استدعى الكثير من الاستعجال لتغييرات تكتيكية فرضتها الثورات العارمة، ما استدعى الكثير من  الحركات المسرحية السامجة، فاصطدمنا بظهور نيات هذا المشروع تحت شمس الفضيحة التي تجلجل الآن ، فيما أكثرنا مستغربون  شاتمون !؟

لقد بدأ مشروع التطويع منذ بداية القرن العشرين وقبل سايكس- بيكو بعقدٍ من الزمن.

بدأ إعداد الساحات بعد رحلات مضنية من التجسس الاستشرافي التراكمي لقراءة، وفهم طبيعة هذه المنطقة بكل تفاصيلها الأثنية، والتاريخية ، بدؤوا بوضع تفاصيل المشروع الاستعماري، ثم جهدوا في انتقاء الجهة، والفئة  المستهدفة حسب ظروفها المحليّة ، واختيار المناسب اجتماعيًا وقبليًّا؛ ليكونوا أدوات محلية للتنفيذ وفق الرؤى التي تمّ تحديدها ، وتم تذليل كل العقبات التي تعترض تثبيت هؤلاء بالترغيب، والترهيب، والدسائس، والتمويل، والسلاح، وشراء الذمم، وتصفية بؤر التمرد الرافضة لجوهر المشروع .

بدأ التطويع حين انتهاء دور الشريف حسين في فصمِ عرى الارتباط مع السلطنة العثمانية، وتوزيع أبنائه في ممالك مستحدثة في العراق والشام ، وشرقي الأردن التي تمّ تصنيعها 1919 لتكون سدًّا وحارس حدود شرقي فلسطين الموضوعة كقاعدة انطلاقٍ للمشروع الاستعماري .

تم استبدال الشريف حسين ،  بالسلطان – خريبط – حاكم الدرعيّة – وهو ابن القبيلة الثانية عشر التي عرفت مشربها يوم ضرب موسى الأرض بعصاه فانفجرت  ( رحم الله عبد الرحمن منيف ) ، حيث وحّد له الإنكليز شبه الجزيرة العربية، واقتطعوا له شمال اليمن 1923 عسير، وتهامة، والباحة حتى الطائف .

 فيما اشتغلوا على فرم بلاد الشام، والعراق، والتي هي تاريخيا الحامل الحقيقي للعروبة والإسلام ، كما أنها كانت تاريخيًا مواضع الاندحار، والهزائم الغربية، بالإضافة لتركيا الحديثة وريثة السلطنة العثمانية التي أذلّتهم لخمسة قرون متواصلة .

بدأ التطويع عبر إدخالنا لمختبرات علم النفس الاجتماعي، والعمل الدؤوب لتغيير البرمجة العقلية التاريخية لنا ، حين تغافلنا وخنسنا أمام  تقزيم ثقافتنا، والإذعان؛  لتذويب  كل مظاهر التماسك والتعليم والتعايش في أسيد التجديد التغريبي.

بدأ التطويع حين تهافتت نُخبٌ طارئة بحجة التنوير، والتحديث العصري،  وعبر تأسيس حزمة من الأحزاب السياسية المؤسّسة على النهج  الغربي، أو الماركسي، والتي استقطبت بشكل لافت  أبناء الأقليات الإثنيّة ، والتي وجدوا بها متكئاً وذريعة استهداف لإرثهم بعد انخداعهم بموجات الشعارات الجديدة فانحرفوا؛ ليشتغلوا على الانسلاخ، والتهجين الثقافي الببغائي ففقدوا  مشية الخيول  ، وأتقنوا حنجلة الغراب :  لا هم له سوى تعليم الطعن وممارسة الاغتيال دون فضل  المواراة .

استمرأنا التطويع حين تناسينا وتجاوزنا  جبران خليل جبران، وإيليا ابو ماضي، وإلياس أبو شبكة، وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري والبستاني : يعتزون بسورية وبإرثهم العربي الإسلامي ، ثم تهافتنا لاحقًا للاعتزاز بلبنان مدلل الفرانكفونيّة ، و حين تهافت كل حيّ لإعلان حدوده الجغرافية شمالًا وجنوبًا ، واعتبار مشرق شمسه الصغيرة ، غروباً للوطن الكبير الذي كان يلم شعاثنا !؟

حين استسلمنا لأكاذيب الغرب، والتهمنا حبوبه الزرقاء لنستشيط وهمًا وخواء وجعجعة ، حين تمكن الطاغية من استدراجنا لمستنقعاته  الآسنة دون تفكير وتدبير ..

تطوّعنا بلا وعيٍ ، حين انفصل الأكراد في شمالنا السليب المهمّش عن الواقع، خرجوا أوّل مرة كأندادهم في الوطن وشاركوهم المصير، والتضحية كما عهد الجميع طيلة ستة عقود من الاستلاب، والقهر، والتمزيق، والاستبداد ، ثم غرقوا في شبر وعود الطاغية والغرب، واستسلموا لعصابات قنديل فارسية الهوى والرسن، وصاروا يهتفون في السرّ، والعلن بكردستان الغربية – روج آفا – أرض الميعاد والوهم الغرير !؟

حين صار لنا جبهات تركمانية وعربية وأشوروكلدانية يقودها زعران وسرسرية متسلقون نشؤوا في مستنقع ثقافة عصابة الأسد الطائفية التي طوّعت الجميع؛ لننشغل عن مخالبه، وجذوره التي مدّها عميقًا في تربتنا تلسّ نسغ الحياة، و تنخر البلاد ، فإن فكّرنا باقتلاعها : نقضنا البلاد فوق رؤوسنا ركامًا ورماد .

تطوّعنا وطبّعنا مع الذلّ المديد حين اندحرت الطوائف والأحياء : هزجت في أوّل موجة بتراتيل الثورة، واندفعت دون تردد ضمن الحشود ، ثم انكفأت، وأغلقت على نفسها الأبواب، ووضعت بصاصين وعسسًا في دروب الآخرين، ليتربّصوا بما يكتبون ويفندون ، ليتعالى النباح والعويل ويهيج في الفضاء لهيب الشتائم وتعلو دوامات الغباء ، حين صدقوا أنهم جنس ثالث بدماء زرقاء ، وخشية على أنفسهم من الانقراض – حسب ما همس لهم الطاغية ودعاة الغرب في حماية البيئات وحيدة الخليّة، والتفكير، والنهج، والعيش !؟

لم يفهموا بعد أن الحرائق لا توفّر أي حطب متكوّمًا ومعتزلًا بنفسهِ مرميًا على قارعة الطريق ، لم يفهموا أن الاستبداد لا يُحب أحرار النفوس ، ولا ينتقي أعوانه إلّا من الأراذل والعبيد .

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى