بين الأشواق الربانية والأشواك الأرضية | بقلم د. صلاح سلطان -فك الله أسره-
الأشواق إلى الله تُبكي من فرط الحب والهدي، والأشواك تُدمي من فيض الألم والنوى، الأشواق تجعل النوم غمضا، والطعام قوتا، والنطق ذكرا، والصمت فكرا، والنظر عبرا، والأشواك تُحيل النوم فَرَقا، والنطق شكوى، والصمت ضجرا، الأشواق تنير الليل تبتلا ورقا، والأشواك تظلم الليل سهرا وأرقا، الأشواق تسخي اليد عطاء وبذلا، والأشواك تجعل اليد مغلولة قبضا وبسطا، الأشواق تجعل المسافات نزهة وطربا، والأشواك تجعل السير إدبارا وهربا، الأشواق جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم للموت ويستعذب سكراته؛ لأنه مَعبر إلى الرفيق الأعلى، والأشواك سحبت الفرعون إلى السحيق الأدنى، الأشواق جعلت بلالا يشدو عند الموت: “عجلوني عجلوني غدا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه”، والأشواك تجعل صاحبها ينعى: “أخروني أخروني.. لا تعجلوا بي إلى أبي جهل وحزبه”، الأشواق جعلت حنظلة غسيل الملائكة ينزع نفسه ليلة عرسه من زوجته وحبة قلبه ليجاهد إرضاء لربه، والأشواك عطلت ابن سلول أن يسعى نحو عزه ومجده وارتد على عقبه،
الأشواق جعلت زيد بن الدثنة يفرح لمّا طعن غدرا ويقول: “فزت ورب الكعبة”، والأشواك جعلت أبا لهب يهرب من القتال في بدر خشية أن يقتل بيد فارس، فقتل في مكة بيد امرأة من قومه، الأشواق تجعل أرواح المحبين في عناق وتلاق، والأشواك تحيل حياة المتنابذين إلى شقاق وطلاق،
الأشواق تحرك نحو المعالي، والأشواك تحرّق كل نفيس وغالي.
واشوقاه للقاء ربي، واشوكاه مما ألقي في طريقي ودربي، واشوقاه إلى صحبة نبيي، واشوكاه من آلام ذنبي.
الأشواق في الدنيا لا تخلو من أشواك “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” (البلد:4)، والأشواق في الجنة بلا أشواك؛ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” (آل عمران:169- 170) فطوبى لمن آثر الآجلة على العاجلة، ويا بؤس من عاش في أشواك الدنيا والآخرة “خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” (الحج:11)، ويا نِعم من قادته أشواقه إلى المعالي، ويا بؤس من حاطته أشواكه من المعاصي.
يا قوم رددوا معي أنشودة الأشواق إلى رب العباد:
تكون معي فيزداد اشتياقي وتنساب السكينة في سكوني
فإلى معية دائمة مع الله تعلو فيها الأشواق، لا معية دائبة مع الشيطان تتقاصفنا فيها الأشواك!
واشوقاه إلى خلوة أناجي فيها ربي، وجولة مع أحبابي في دربي إلى مرضاة ربي.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)