
بيان: الرد الشرعي على دعوة محمد العيسى لدفع الزكاة للمفوضية السامية للأمم المتحدة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فقد تابعنا التصريحات الصادرة عن الدكتور محمد العيسى، والتي يُروِّج فيها لدفع زكوات المسلمين إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مدعيًا مشروعية هذا الفعل.
ونُؤكد هنا أن القول الراجح المؤيَد بالدليل الشرعي الصريح؛ هو تحريم هذا الفعل، بل نقل بعض العلماء الإجماع على عدم جواز دفع الزكاة للأعيان من غير المسلمين فكيف الدفع للمنظمات.
أما الأدلة النصية الدالة على تحريم صرف الزكاة لغير مصارفها الشرعية فهي :
أولا من القرآن الكريم :
قال تعالى : ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾ (التوبة: 60).
هذا الآية الكريمة تحدد مصارف الزكاة حصرًا، و تبين أنه لا يجوز تجاوزها حتى لأمور مشروعة في الأصل كبناء المساجد والقناطر وفتح الطرق للمسلمين ؛ فضلا عن ماهو دون ذلك مما يترجّح فيه حظ الحاكم ومصلحته في بذل الزكاة على غير وجهها الشرعي ، حتى ولو كانت لاعتبارات سياسية أو إنسانية عامة.
وإذا نظرنا إلى مصرف الزكاة الذي ابتدعه العيسى ومن خلفه نجد أنه مصرف تاسع أضافه إلى المصارف الثمانية المنصوص عليها في الاية، فالمفوضية السامية للأمم المتحدة ليست من المصارف الشرعية، لأنها:
1. منظمة علمانية تخضع لسياسات الدول الكبرى، وقد تُوجِّه الأموال إلى مشاريع تتعارض مع القيم الإسلامية (كتمويل برامج تنصيرية أو دعم أجندات غربية ودعم منظمات تمارس أعمالا قد تتنافى مع الإسلام ).
2. لا تضمن وصول الزكاة للمستحقين المسلمين تحديدًا، بل تُدخلها في حساباتٍ عامةٍ تُوزَّع وفق معاييرٍ غير شرعية.
3-ان المفوضيات التي تحت مسمى الأمم المتحدة هي جهات اختصاص دولية بحسب تخصص كل مفوضية، فتكون بذلك أشبه بولي الأمر الذي تجمع عنده الأموال ويصرفها في المصارف المحددة؛ وبهذا الاعتبار لايجوز دفع زكاة المسلمين لصاحب ولاية أصلي الكفر صريحه، ولا عبرة بقول أنها صرفت أصلا لحاكم البلد ؛ لأنه في هذه الحالة مجرد ناقل للمال من المزكين المسلمين إلى الولاية الاعتبارية للمفوضية الأممية،وهو في أحسن أحواله أشبه بأمير ناحية ينقل أموال الزكاة إلى الوالى الأكبر.
ثانيا: من السنة النبوية :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ) رواه البخاري (1395) ومسلم (١٩)
فقوله ( فقرائهم ) أي فقراء المسلمين .
يقول الإمام النووي رحمه الله : ” فيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر ” انتهى من ” شرح مسلم ” ، وقال: ” ذكر شراح الحديث أن الحديث دليل على أن الزكاة كما أنها تؤخذ فقط من المسلمين فكذلك لا تصرف لغيرهم، يراجع شرح مسلم للنووي (1/197)،
(1١٩٧)
ثالثًا: أقوال العلماء في المنع من صرف الزكاة لغير المسلمين:
• قال ابن المنذر: “أجمعوا أن الذمي لا يُعطى من زكاة الأموال شيئًا” الإجماع (ص/ ٨).
• قال ابن قدامة: ” لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ وَلَا لِمَمْلُوكٍ ”
• قالت اللجنة الدائمة للإفتاء في الرياض: ” لا يجوز دفع الزكاة لليونيسيف لرعاية الأطفال ؛ لأن نشاطها ونفقاتها لا تخص المسلمين” ، ووقع الفتوى كل من الشيخ عبد الله بن قعود والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز(9/439)
رابعا : حيثيات فتوى العيسى:
1. البُعد السياسي لهذه القضية:
• تصريحات الدكتور العيسى لا تستند إلى أدلة شرعية والخلاف الذي ذكرناه هو في أعيان المشركين وليس في الجهات والمنظمات القابضة للزكاة والتي لها أنشطة مشبوهة، وتهدف إلى تثبيت تبعية المسلمين والبلاد الإسلامية للمنظمات الدولية، التي تحميها دول مستكبرة متسلطة على المسلمين حتى في عباداتهم وقرباتهم كالزكاة والصدقات والجمعيات الخيرية التي طالما وصفوها كذبا بانها داعمة لارهاب، فضلا عما في هذا التسلط الاستكباري من إبطال لسيادة التشريع الإسلامي في بلاد المسلمين من خلال. نوابهم المتلسطين.
• هذه الفكرة المحدثة ذات غرض سياسي واضح؛ لكي يجمّل بها الحاكم نفسه. ويدفع باتجاه ما تقوم به الرابطة بعد انقلابها على أسس تأسيسها، الذي كان لمصلحة المسلمين وتقوية رابطتهم الإسلامية واظهار تعاونهم وتضامنهم ضد من يعتدي عليهم عسكريا أو سياسيا أو ماليا، فتحولت الرابطة إلى مرثية عند محرقة يمارس أهلها الآن في غزة أعظم وأبشع المحارق والمجازر وتحولت باسم الانفتاح والتفاهم إلى تقوية رابطة الكنيسة القبطية والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي والكنيسة الروسية، وصدرت عن الرابطة وثيقة مكّة التي يفتي العيسى على منوالها بجواز دفع الزكاة لغير المسلمين
وعوضا عن أن تقوم الرابطة ومن يمولها بتعزيز الهوية الإسلامية والقيم والأخلاق والتعاون والتعاضد بين المسلمين ذهبت إلى عكس ذلك حتى في ركن الزكاة العظيم فأفتى العيسى بدفها لمفوضية الأمم المتحدة تهدف لإدماج مؤسسات المسلمين وعباداتهم في المنظومة الغربية، أضف إلى ذلك التجاهل لحقوق المسلمين الذين يشكلون أكثر فئات العالم فقرا وتهجيرا وتشريدا ومجاعة.
2. إهمال حقوق فقراء المسلمين:
• تُشير التقارير إلى أن ملايين الفقراء في الدول الإسلامية يعانون من الجوع والحرمان، بينما تُنقل أموال الزكاة إلى جهاتٍ خارجية.
فكيف يصح شرعا أو يليق خلقا أن تُوجه الزكاة إلى غير المسلمين عبر المفوضية، بينما فقراء فلسطين والسودان و اليمن والصومال وأركان والأيغور يصرخون من شدة الأمراض والفاقة والحرمان
3. أوجه الصرف المحرمة في المفوضية
من يطلع على الـتقاريرٍ الموثوقة، يجد ان المفوضية:
• تُشارك في تمويل مشاريع تنموية تُديرها دولٌ تتآمر على بلاد المسلمين.
• تُقدِّم مساعداتٍ لـمنظمات تنصيرية تحت غطاء الإغاثة الإنسانية.
• تُخضع توزيع المساعدات لـشروط سياسية تخدم مصالح الدول المانحة.
خامساً: الحتميات الشرعية
يجب توجيه الزكاة إلى:
1. الفقراء والمساكين في البلدان الإسلامية، خاصة في المناطق المنكوبة.
2. الجمعيات الخيرية الإسلامية
3. مؤسسات الإغاثة الشرعية التي تُطبِّق ضوابط التوزيع الإسلامي.
وبناء على ذلك فإننا في منتدى العلماء نؤكد أن إن دفع الزكاة إلى المفوضية السامية لا يجوز شرعا
ومن يتذرع بالأقوال الفقهية لأغراض سياسة فإنه يفعل ذلك لا لتحقيق مقاصد الشرع بل لتحصيل مصالح سياسية خاصة به، كمن يحتج بما ذهب إليه بعض العلماء من جواز دفع الزكاة لغير المسلمين كالزهري وابن سيرين وزفر من الحنفية..إضافة إلى أن هذا القول على ضعفه هو مختص بالدفع لأعيان من غير المسلمين لتحصيل مصالح شرعية، وليس لمنظمات لها أنشطة مشبوهة
وعلى ذلك نقول بحرمة الدفع للمفوضية للأسباب التالية :
• خروجها عن مصارف الزكاة المحددة نصًّا.
• أنها تفويتٌ لحق الفقراء المسلمين.
• أنهامخالفة لحق الله تعالى في وجوب التعبد بها على الوجه الذي شرعه.
• أنها تنطوي على تعاون مع جهاتٍ تُسيء استخدام الأموال في أمور مخالفة للإسلام أو مضادة لمصالح المسلمين العليا.
وختاماً يجب التأكيد على أن الزكاة عبادةٌ فرضها رب العالمين وحدد بكلامه المنزل أوجه صرفها، فلا يجوز التلاعب بها وفق أهواء الحكام ولا تحويلها إلى أداةٍ سياسيةٍ ولا استعمالها كما تستعمل الأمور الرخيصة لغسل السمعة وتلميع الوجه وإزالة العيوب القمعية والسياسية
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
صادر عن منتدى العلماء
21 رمضان 1446للهجرة
21مارس 2025 للميلاد