مقالاتمقالات مختارة

بنو قريظة.. ونادرة في حقوق الإنسان

بنو قريظة.. ونادرة في حقوق الإنسان

بقلم طارق فكري

نادرة لم تكن لها سابقة بل حادثة لم يكن لها مثيل، تجلت فيها سياسة النبي الخاتم، واحترامه لحقوق الإنسان، ولأول مرة في التاريخ الإنساني، ولآخر مرة يَختار المتهم قاضيه، فلقد اختارت بنو قريظة قاضيها، اختارت سعد بن معاذ بعد أن رشحه رسول الله لهذه القضية، ومن قبل رفض رسول الله العفو عنهم تحت أي شرط لهم، ولما علموا بأن القاضيَ فيهم سعداً؛ وافقوا وارتضوا بذلك فهو حليفهم وقومه الأوس، طمعاً منهم فيما عند سعدٍ وقومه من مودة وعِشرة قديمة؛ ومن أجل ذلك سلموا حصونهم راضين مذعنين طامعين طامحين في حكم سعدٍ.

 – ومن قبل أرسل لهم رسول الله لجنة تقصي حقائق على رأسها سعد فور سماع النبي بخيانتهم، وهو عند الخندق يواجه قريش، وهي لجنة مكونة من سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير، رضي الله عنهم؛ ليذكِّروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عهود، ويحذروهم مغبَّة ما هم مقدمون عليه، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن رسول الله؟ لا عهد بيننا وبينه وسبوا رسول الله.

 – وخانوا ومالوا عن العهد، وحاصرهم النبي ثم استسلموا ونصر الله رسوله.

 – وها هو سعد مقبل من بعيد يركب حماراً، وقد أثخنته الجراح، والتف حوله قومه من الأوس يستحلفونه ويسألونه ألا يؤلمهم في حلفائهم، وقد أقبلوا معه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم؛ فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وقال: تُقتّل مقاتلتهم وتُسبى ذراريهم ونسائهم ،وتُقسم أموالهم ،”سيرة بن هشام “.

 – ولو كان في القضية من شبهة فهي عليهم ؛لأن القاضي وقومه حلفاؤهم، وكان من حق النبي طلب رد القاضي بمصطلح القانون الوضعي المعاصر.

 – وهنا في هذه الواقعة التاريخية تنهمر الأحبار المسمومة (المستشرقون – ومنكري السنة، وغيرهم) لينال بعضها من شخص النبي، وينال الآخر تشكيكاً في سنته بأنه يتعارض مع قوله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين” وقالوا: هي مجزرة تاريخية قتل فيها ما يقرب من ستمائة مقاتل إلى تسعمائة.

 – وغفلوا وتناسوا أنهم لم يُقتلوا بطريقة الإبادة الجماعية، أو على وتيرة التصفيات الجسدية للمعارضين بل ،كان حُكماً من قاضٍ اختاره المتهم؛ قَضَى بإدانة مقاتلين بالخيانة العظمى، حيث أنهم نقضوا عهداً بينهم وبين رسول الله متمثلاً في دستورٍ يسمى “صحيفة المدينة” الذي يقضي بأنهم لا يُعينون أعداء المسلمين بل ،يحاربون ،ويدفعون من يحارب مواطني المدينة، والدليل على عهدهم مع النبي عندما ذهب حيي بن أحطب لكعب بن أسد زعيم بني قريظة وقال كعب: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا؛ قال: ويحك افتح لي أكلمك.

 ولم يقف معهم الأمر إلى هذا بل، ذهبوا لغطفان يُحرضونهم على قتال رسول الله، وتآمروا لإدخال مشركي قريش للمدينة في غزوة الخندق للقضاء على دولة المدينة التي احتضنت المسلمين، واليهود، وعُبّاد الأوثان؛ ولو نجحت خيانتُهم سوف تكون المجزرة الكبرى التي تَفنَى فيها آلاف الأنفس البريئة المسلمة، وتُهدم بها أول دولة تُقام على جزيرة العرب.

 – ونقول: تهمة الجاسوسية في القوانين الغربية المعاصرة تصل لحد الإعدام مع مجرد نقل الأخبار من دولة لدولة أخرى؛ ففي مصر قانون رقم 58 لسنة 1937 بتاريخ 5 / 8 / 1937 بشأن إصدار قانون العقوبات:

 المادة (77): يعاقب بالإعدام كل مصري تخابر مع دولة أجنبية؛ فما بالك بما أحدثته بنو قريظة من تآمر، وخيانة، واشتراك كمقاتلين.

 – كما أن سبي النساء والأطفال كان رحمة في حكم القاضي سعد بن معاذ؛ حيث أنهم بالسبي وجدوا من يعولهم ويوجد لهم فرصة العمل حيث أن الدولة وقتها لم تؤسس مؤسسات لإعالة الأرامل واليتامى ،وإن لم تعدم التكافل ؛ فكان السبي كفالة لهم ، كما أنه كان واقعاً مجتمعياً في الحروب وقتها ،وعُرفاً قائماً تخلص منه الإسلام بالتدرج كما فعل بالرق والعبودية.

 – أما تقسيم الأموال فهي مصادرة وتأميم، وهذا معمول به في القوانين المعاصرة.

– عندما قضى الحكم بقتل المقاتلة من الرجال لم يكن ظلماً كما يدعي أعداء الإسلام بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، بل لأن كل البالغين تقلدوا السلاح في فترة الحصار وانصاعوا لمكر كبرائهم تجاه المسلمين ، وما اعترض أحد منهم متبرئاً من خيانة القادة منهم

والغريب! أنه ما اعترض أحدهم بقوله ما خنت ولا نقضت حاسبوا القادة، وخرج علينا اليوم ممن ادعى الإسلام لينكر ذلك بالباطل.

 – كما أن سياسة النبي تَقَلَّدَ فيها سلطات رئيس الجمهورية من حيث الفصل بين السلطات ،فلم يكن قاضياً، ولم يكن شاهداً، ولم يكن سلطة تنفيذية بل، عيَّن القاضي ووافق عليه المتهم، كما لم ينكر المتهم التهمة، وعين النبي السلطة التنفيذية القائمة على تنفيذ الحكم بالإعدام ؛فبذلك لم تتعارض سياسته للدولة (فصله بين السلطات) مع رحمته صلى الله عليه وسلم.

 – كما طعن الطاعنون في زواج أم المؤمنين صفية بنت حيي من رسول الله وقالوا: بأن النبي قتل زوجها ليتزوجها وهذا افتراء، فلم يعرفها النبي إلا وهي في سهم أي نصيب دحية الكلبي، فأشار رجل على النبي أن يجعلها في سهمه؛ لأن بها تميز دحية عن باقي الجيش، ورحمة بمشاعرها فهي بنت سيد في قومها، فتُضم لسيدٍ كبير ونبي كريم، ولم يدخل بها وهي يهودية

، فقال لها رسول الله: اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتُكِ لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت: يا رسول الله لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني، حيث صرت إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيَّرتني الكفر والإسلامَ ، فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي، قال: فأمسكها رسول الله لنفسه.

” الطبقات الكبرى ” ( 8 / 123 ) .

 واعتدَّت في بيت أم سليم وكانت لها ماشطة ومزينة لها، فها هي من سُبيت تُخدم وتُزين وتَعيش كريمة حتى قبل الزواج من رسول الله.

 فهل من دولة تعطي للأسير هذا التكريم الإنساني مثل محمد رسول الله؟

طعن المدون المتهم الشيخ ولد امخيطير الموريتاني

في رحمة النبي وحكم الله فيهم بقوله: “والأخوة وعلاقة الدم والقربى تمنح حق الرحمة لقريش في الفتح وتحرم بني قريظة من ذلك الحق. وكل هذه الأمور تتم في عصر الدين فما بالك بعصر التدين”

وجهل أن القانون الوضعي المعاصر فرق في المعاملة بين الأسير المحارب الرافع للسلاح المقاتل للدولة وبين الجاسوس الخائن بن الوطن المتآمر مع العدو ، فكان اليهود هم أبناء الوطن وأصحاب المواطنة وكانت قريش بمثابة دولة معادية لم تمنح حق المواطنة بمثابة وثيقة المدينة أو دستور المدينة، ألم يقض القانون الوضعي بتبادل الأسرى أو الإفراج عنهم في حين أنه قضى بالإعدام على الجواسيس من أبناء الوطن الذين نقضوا مواثيق المواطنة وحقوقها.

ويتجلى عدل النبي في عفوه عن هند بنت عتبة وهي قاتلة عمه وأخيه في الرضاعة وأحب الناس إليه، ولو كان النبي صاحب حقد وكره لتنقم لعمه وقتلها، وقتل وحشي ولكنه العدل، والحرب كانت قائمة بين الطرفين، فلما وقفت الحرب ما كان لرسول الله أن ينتقم.

 إنها إدارة رسول الله لملف حقوق الإنسان إدارة نموذجية، ومقاييس أعلى وأجود من المقاييس الأوروبية، والأمريكية، إنها مقاييس عُصمت بالنبوة، وضُبِطت بوحي السماء؛ لتكون دستوراً حقوقياً تَنعمُ به البشرية البائسة الراكعة تحت حكم الطواغيت.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى