مقالاتمقالات مختارة

بحث في حديث: وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا – الجزء الثاني

بقلم أحمد طه – أمة بوست

يَستشهد بعض من يؤصل للملكية الوراثية، والاستبداد، والطغيان، والظلم بحديث «وألا ننازع الأمر أهله» بزعم عدم الفتنة، واتباع السنة! فتابعنا في الجزء الأول المنشور على موقعنا يوم أمس، كيف أنَّ فهم هؤلاء للحديث هو فهم منحرف، كما بيَّنا كيفية التعامل مع هذا الحديث ومناقشة المقصود بـ «الكفر البواح». وفي هذه السطور-إن شاء الله-سنناقش طرفاً من هذا الحديث الشريف وتفصيل القول في ولي الأمر ومن هم المؤهَّلون لتلك الولاية.


بين الطمع في الإمارة، وإنكار المنكر الظاهر

أما عدم منازعة الأمر أهله فهو يؤكد الحقيقة التي يدور عليها أمر البيعة، ويدل عليها سيرة الصحابي راوي الحديث، وهي أن الأمر-والإمارة-يجب أن تكون بيد أهلها المؤهلين لها، والمتابعين فيها لسنة النبي، وخلفاء له فيما أمر به، لديهم من القدرة والأمانة ما يؤهلهم لهذا المنصب، وحث رسول الله  على عدم الطمع في هذا المنصب منعاً لاستئثار بمال أو سلطة، فجاء في لفظ آخر للحديث: ” وَلا تُنَازِعِ الأَمْرَ أَهْلَهَ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّهَ لَكَ ” فلا تنازع الأمر أهله طالما أن الأمر حقاً بيد أهله الذين يقومون بحقه على الوجه الذي يريده الله ورسوله ، وإن رأيت أنك أهل له، فلا تتطلب الإمارة خوفاً من الطمع فيها، أو المنافسة عليها.

ففرق بين الطمع في منصب أو إمارة، وبين إنكار المنكر الظاهر في الأمة أو في نظام الحكم، وهذا بالضبط ما فهمه الصحابي عُبادة، فهو لم يطلب الأمر لنفسه، وإنما أنكر المنكر، فقام بالمهمة المنوطة بكل مسلم وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق حيثما كنا لا نخشى في الله لومة لائم، ولا بطش حاكم.

هذه هي محاولة فهم الحديث كأنه نسيج وحده فريد في بابه، وإنا نجد-ولله الحمد-بعد جمع روايات الحديث ومناسبته أنه يُفسر نفسه بنفسه، ومحكم في دلالاته لمن يتأمل. على أنه من الأهمية بمكان أن نذكر جملة من الأحاديث الأخرى الواردة في هذا الباب، حتى لا يتوهم مسلم في دين الله ما ليس منه، أو يفتنه الذين لا يفقهون!

المؤهلين لولاية الأمور

جاء في صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “بَيْنَمَا النَّبِيُّ  فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ  يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ” [صحيح البخاري/ 59]

فجعل رسول الله  إسناد الأمر لغير أهله أمر عظيم فيه ضياع للأمانة، فأمر المسلمين وأمور الأمة يجب أن تُسند لأهلها من أهل الكفاية والقدرة والعلم والأمانة الذين يظهر بلاؤهم وعملهم وكفايتهم للأمة، وليس عن طريق محاباة أو وراثة، فليس في الإسلام دماء ملكية وأخرى للعبيد. فالجميع سواء أمام الله، لا فرق بين أحد إلا بالتقوى.

وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، فَإِنّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: “مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ أَعْطَى أَحَدًا حِمَى اللَّهِ، فَقَدْ انْتَهَكَ فِي حِمَى اللَّهِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: تَبَرَّأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ” [مسند أحمد/ 22]

صفات المؤهلين لولاية الأمور

وأما صفات المؤهلين لولاية الأمور، فقد جاءت في سورة الشورى: قال تعالى: ﴿ فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٣٦ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ٣٧ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣٨ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ٣٩ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ٤٠ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٤٢ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

فهم على ربهم يتوكلون، ويُزهدهم ربهم في متاع الدنيا، منعاً للحرص والمنافسة عليها، ويجتنبون كبائر الإثم والفواحش، ويغفرون عند الغضب فلديهم الثبات اللازم لأمور الحكم، وهم قبل ذلك قد استجابوا لربهم واتبعوا أمر رسوله  فأقاموا الصلاة، ولا يستبدون برأيهم فهو شورى بينهم، ثم هم بعد ذلك ينفقون مما رزقهم الله، فجاء أمر الشورى بين الصلاة والزكاة.

وهم أهل نصرة عند ظهور البغي في أي صوره، ثم هم بعد القدرة على النصرة أهل عفو وتسامح، وهم يد على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ثم بعد انتصارهم أهل صبر وغفران، وكل ذلك من عزم الأمور، واعتدالها واستقامتها التي يقوم أولي الأمر بها.

وقال تعالى لنبيه إبراهيم: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ) فتساءل إبراهيم و(قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي) فكان الجواب (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة] فالنسب والدماء لا تغني من الحق شيئاً، وإن كان من نسل أبي الأنبياء إبراهيم، وإن الظالمين لا يحق لهم الإمامة، بل يجب جهادهم ومقاومتهم والبراءة منهم، فلا إمامة لظالم لا في دين ولا في دنيا.

وأما ما جاء في الأحاديث التي تمنع الاستئثار بالمال:

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ  رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا” [صحيح البخاري/ 2597]

وعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ  يَقُولُ: “إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” [صحيح البخاري/ 3118]

وعن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:”لَا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلَّا قَصْعَتَانِ: قَصْعَةً يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَهً يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ” [الأمالي/ 1732 | إسناد حسن، مسند أحمد/ 579]

وعَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ  يَقُولُ: “مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلًا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ” [سنن أبي داود/ 2945]

وأما ما جاء من الأحاديث الأخرى التي تُوجب مقاومة الظلم والظالمين:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَن رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: “مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ ” [صحيح مسلم/ 52]

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: “تَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ، أَوْ حَوَاشٍ مِنَ النَّاسِ، يَظْلِمُونَ، وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَيُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ” [مسند أحمد/ 10808، إسناده متصل، رجاله ثقات]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ: عَنْ خَالِدٍ، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ  يَقُولُ: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ، وَقَالَ عَمْرٌو، عَنْ هُشَيْمٍ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ” [سنن أبي داود/ 4338]

وعَنْ يَحْيَي بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ  يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ، يَقُولُ: “وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا” [صحيح مسلم/ 1840]

فولاية الأمر ليست إذن مسألة مطلقة إنما هي مقيدة بإقامة كتاب الله، وقيادة الأمة بما جاء في الكتاب من أمر ونهي. وليست كما صورها أصحاب الفهم المنحرف الذين صاروا على سنن أهل الكتاب وسنن الفرس والروم في النظر إلى الملوك والحكام قبل قيام الثورات.

فالخلاصة إذن:

  • ليس في الإسلام طاعة مطلقة لأحد، إنما هي طاعة في المعروف، وشرط السمع والطاعة إقامة كتاب الله، والعمل بما جاء فيه.
  • يجب منازعة الأمر إذا ظهرت المعاصي البواح، فعند ظهورها وعدم العمل على دفعها من قِبل السلطة الحاكمة فقد أصبحت غير مؤهلة وغير شرعية، والمنازعة ليست معناها طلب الإمارة، إنما معناها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما فعل راوي الحديث عبادة بن الصامت.
  • المنازعة لا تعني حصراً القتال، فآخر الدواء الكي-أو السيف-إنما يبدأ الأمر بإنكار المنكر وقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم، أو باعتزال الظالمين وعدم الركون إليهم، أو بنزع الشرعية عنهم، أو بعزل أهل الحل والعقد للمنحرفين عن أمانة ولاية الأمور، أو قيام أهل الشورى بواجبهم، أو بإنكار العلماء في صورة إجماعية، أو بالعصيان المدني، أو بالمقاومة السلمية، أو أي صورة تحقق إعادة الحق إلى نصابه، فإن فشل كل ذلك فيجب مكافئة الواقع بوسائله المناسبة.
  • وإن عدم القدرة على المواجهة لا يعني الاستسلام والركون إلى الطغاة كما ألمح لذلك بعض من يعبد الظالمين، إنما معناه إعداد العدة، وتَملك أسباب القوة الضرورية لإزالة الباطل والظلم، فيظل المسلم في فاعلية دائمة، وليس كاهناً دجالاً للطغاة والبغاة والظالمين.

النتائج المترتبة على الفهم المنحرف للحديث

وقد أدى الفهم المنحرف لهذا الحديث إلى غلو على الجانب الآخر، فلما ظن قوم أن الحديث معناه عدم منازعة أولي الأمر وإن بغوا وسرقوا وظلموا طالما أنهم لم يُظهروا الكفر البواح بمعنى الخروج من الملة. لما صدّقوا ذلك، ومن جانب آخر أرادوا تغيير المنكر، أداهم تأصيلهم إلى كفر الحُكام عيناً، ثم تركوا ساحات تغيير المنكر إلى ساحات السجال والجدال حول شروط التكفير وموانعه، وأقوال العلماء فيه. ثم نزلوا درجة إلى تكفير الحكومات والصف الأول من القيادات، ثم الصف الثاني، ثم الثالث حتى وصل الأمر بالسفهاء منهم إلى تكفير من يحمل جواز سفر أو هوية وطنية!! فصرنا بين عبادة الظالمين أو تكفير المسلمين!

الإسلام رسالة تامة

إن رسالة الإسلام هي رسالة العدل والرحمة، وإحقاق الحق، وليس فيها السكوت على باطل، أو الطاعة لظالم، أو الاستسلام لبغي، ليس فيها عبادة الحكام، وليس فيها الخروج الغاشم الظالم عليهم. بل فيها الدوران مع الكتاب حيث دار، ومنع استبداد الحكام، أو استئثارهم بمال أو منصب، أو توريث لحكم، ومحاسبتهم على الصغيرة قبل الكبيرة، فإذا هم أقاموا الحق والعدل. فلهم السمع والطاعة والأثرة علينا، وإن لم يفعلوا أجبرناهم بكل وسيلة مشروعة على إقامة هذا الحق والعدل، بلا طمع في منصب، أو رغبة في متاع الدنيا، أو طلب شيء لأنفسنا؛ فما استقاموا لنا. استقمنا لهم، وإن اعوجوا قوَّمناهم تقويم القدح.

وإن الفتنة كل الفتنة في ترك الظلم ينخر في جسد الأمة، وترك الظالمين والمنافقين يتولون أمور المسلمين؛ فيتخذون كتاب الله دخلاً، وماله دُولة بينهم، وعباد الله عبيدًا لهم.


المراجع

يمكن تحميل البحث كاملًا من هنا

http://www.msf-online.com/wp-content/uploads/2017/04/منازعة-أولي-الأمر.pdf

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى