باب الرحمة.. مكانة دينية تاريخية تأبى التشويه
إعداد أسيل جندي
الابتسامة لم تفارق الوجوه وحماسة الموجودين أعادت الجميع ليوم انتصار المصلين ودخولهم الأقصى الشريف مهللين مكبرين بعد إزالة البوابات الإلكترونية عن مداخله صيف 2017.
لم يدخل كثيرون المصلى الذي يصلون إليه نزولا عبر سلالم طويلة كونه مغلقا أمامهم منذ عام 2003، لكن بعد انتهاء صلاة الجمعة بادر عدد من الشبان لنقل قطع من السجاد والحُصُر إلى المصلى لإيصال رسالة مفادها أن هذا المكان جاهز لاستقبال المصلين بشكل دائم.
الحراك الشعبي -الذي انطلق لفتح مصلى باب الرحمة بعد إزالة السلاسل الحديدية التي وضعتها شرطة الاحتلال على بوابة مؤدية إليه- أكد أن الشارع المقدسي لا يتوانى عن مجابهة مخططات الاحتلال في المسجد الأقصى بشكل خاص، وأنه على استعداد للتضحية بكل ما يملك في سبيل الحفاظ على حرمته.
منطقة باب الرحمة يوم الجمعة الماضي (الجزيرة نت) |
في سطور
يقع باب الرحمة بالسور الشرقي للمسجد الأقصى، ويبلغ ارتفاعه 11 مترا ونصف المتر، وهو باب مزدوج يتكون من بابين هما التوبة والرحمة يتم الوصول إليهما عبر النزول على سلالم طويلة.
ومن الجهة الأخرى أي من المنطقة الواقعة خارج السور تقع مقبرة باب الرحمة الإسلامية التي دُفن فيها العديد من صحابة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لعل أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.
أُغلق الباب -الذي شُيد بالفترة الأموية- من جهة المقبرة بعهد القائد صلاح الدين الأيوبي الذي أمر بذلك لأسباب عسكرية بعد تحرير المدينة من الصليبيين، وبقي الباب من الجهة الأخرى أي من داخل الأقصى مفتوحا وفيه قاعة واسعة تصل مساحتها لنحو مئتي متر مربع، وحظي المكان باهتمام المسلمين منذ القدم.
تاريخ شرحه يطول
حدثنا عن مكانة باب الرحمة دينيا د. ناجح بكيرات نائب رئيس مجلس الأوقاف بالقدس الذي قال إنها نبعت أساسا من قوله تعالى بسورة الحديد “فضُرِبَ بينهم بسورٍ له بابٌ باطنُه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب”.
وحسب د. بكيرات فإن علماء التفسير أكدوا أن المسلمين توافدوا دائما على هذا الباب باعتباره أقيم على باب الجنة مجازا، وهذا أبرز أسباب الاهتمام به تاريخيا.
وتؤكد سجلات الحجج الوقفية -وفقا لبكيرات- اهتمام المسلمين بمبنى باب الرحمة حيث عُين له فرّاش وحارس يناوب على أبوابه بالإضافة لشخص اقتصرت مهمته على إشعال قناديله.
وتطرق الكثير من العلماء والكُتاب لهذا الباب ومكانته، من بينهم ابن الفقيه في كتابه “البلدان” وابن عبد ربه الأندلسي في كتاب “العقد الفريد” بالإضافة لناصر خسرو وغيرهم.
ووفقا لبكيرات روى الصحابة أحاديث كثيرة عن باب الرحمة، بينهم الصحابي الجليل أبو الوليد عبادة بن الصامت الذي وقف عند الباب بالجهة الشرقية للأقصى ثم بكى طويلا، وقال: من هنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يصدرون إلى يوم القيامة، وفي رواية أخرى من ها هنا أخبرنا رسول الله أنه رأى جهنم في إشارة لـ “وادي قدرون” ثم قال “إذا ما مت فادفنوني في باب الرحمة فإن باب الرحمة باب إلى الجنة”.
كما شهد باب الرحمة نشاطا علميا فترات إسلامية مختلفة وافتتحت فيه المدرسة النصرية، واتخذ منه الإمام الغزالي مقرا لتأليف جزء من كتابه “إحياء علوم الدين” واشتهر باجتماع الآلاف فيه بالفترة العثمانية إذ كان مقصدا للطريقة المولوية الصوفية وعقدت فيه حلقات الأذكار والمدائح النبوية، وفي فترة السلطان عبد الحميد الثاني تم تدعيم المبنى القديم بأقواس حجرية ضخمة لتسنده.
وبدأت مطامع الاحتلال في المبنى منذ احتلال المدينة المقدسة عام 1967 وتُوجت بإصدار أمر عسكري عام 2003 بإغلاق المبنى بعد حظر جمعية “لجنة التراث الإسلامي” التي كان لها مكتب بالمصلى.
لكن واظبت دائرة الأوقاف الإسلامية على استخدام قاعته شهرا كل عام لامتحانات الثانوية لطلبة المدارس الشرعية، لذلك يبدو المصلى غير مألوف لدى كثير من المقدسيين المحرومين من دخوله، ورغم ذلك هبَوا للدفاع عنه وفتحه بعد تعدي الشرطة الإسرائيلية عليه قبل أسبوع بتركيب السلاسل الحديدية.
(المصدر: الجزيرة)