مقالاتمقالات مختارة

انتفاضة الأقصى مستمرة للدفاع عن إسلاميته وعروبة مدينة القدس

بقلم د. تيسير رجب التميمي

انطلقت انتفاضة الأقصى يوم أن تصدى أبناء شعبنا الفلسطيني بالأحذية وغيرها للمجرم أرييل شارون الذي اقتحم المسجد الأقصى المبارك بحماية ألفين من الجنود وحرس الحدود قائلاً [ إن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية ] حدث هذا في يوم الخميس 28/9/2000م ، وبعد صلاة الجمعة يوم 29/9/2000م كانت بداية الانتفاضة بعد قصف المصلين بطائرات الأباتشي وهم في الركعة الثانية ، مما أدى إلى استشهاد سبعة وإصابة أكثر من 250 جريحاً ، إنها إذن نية خبيثة مبيتة ضد المسجد الأقصى المبارك واستفزازاً لمشاعر المسلمين ، فالمسجد الأقصى المبارك عند الأمة خط أحمر .
وفي اليوم التالي خرج آلاف الفلسطينيين في مظاهرات غاضبة في كل مكان بعد انتشار مشاهد الإعدام الحية على الهواء مباشرة للطفل محمد الدرة من مدينة غزة الذي أصبح رمزاً لانتفاضة الأقصى ، والذي هزت ضمائر الأمة بل وضمائر كل أحرار العالم ، وقعت خلال هذه المظاهرات مواجهات عنيفة مع جيش الاحتلال وسقط فيها شهداء وجرحى .
بتاريخ 1/10/2000م امتدت المواجهات إلى أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 الذين شاركوا في الانتفاضة ، فقد ارتقى منهم 13 شهيداً ، ومع اشتداد الهجمات الدموية ضد أبناء شعبنا لأسبوعين وأكثر فقد اتفق الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله مع باراك رئيس الحكومة الإسرائيلي حينذاك على وقف إطلاق النار وسحب قوات الاحتلال الإسرائيلية خلال قمة شرم الشيخ بتاريخ 17/10/2000م بإشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، ولكن إسرائيل كعادتها لا تحترم العهود والمواثيق ، فقد استشهد تسعة فلسطينيين وجرح أكثر من مائة آخرين في مواجهات عنيفة في 21/10 أي بعد أربعة أيام فقط من الاتفاق ؛ مما جدّد المواجهات التي ازدادت وتيرتها كمّاً ونوعاً .
تواصلت الانتفاضة على مدى أربع سنوات ونصف تقريباً ارتقى نتيجتها ما يقرب من خمسة آلاف شهيد وخمسين ألف جريح ، أما خسائر إسرائيل البشرية فقد قتل فيها أكثر من ألف وجرح ما يقرب من خمسة آلاف ، هذا بالإضافة إلى عطب 50 دبابة ميركافا وتدمير عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات . وقد تميزت انتفاضة الأقصى بعدة مميزات منها مثلاً :
* كثرة الاجتياحات للمدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبالعمليات العسكرية الواسعة كالدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب .
* استخدام آلات الحرب الثقيلة كطائرات الأباتشي وال اف 16 والدبابات ، ومعاقبة الفلسطينيين بهدم البيوت وتجريف الأراضي الزراعية وإغلاق المعابر ، ومنع العمال الفلسطينيين الوصول إلى أماكن عملهم .
* مشاركة كافة أبناء الشعب الفلسطيني وفصائل العمل الوطني الفلسطيني فيها ومساندتها ، فالرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله تبنى هذه الانتفاضة ودعمها ، وعاش معاناتها مع أبناء شعبه ، وتعرض في أثنائها للتضييق والحصار والاغتيال
* حظيت هذه الانتفاضة بالتأييد والدعم الواسع من الأمة التي تفاعلت معها ، فانطلقت المظاهرات العارمة المؤيدة للانتفاضة في دول لم تعرف المظاهرات من قبل كدول الخليج ؛ الأمر الذي أحرج الأنظمة العربية .
* اغتيال عدد من قيادات الصف الأول والشخصيات الكبرى في المقاومة كالشهيد الشيخ أحمد ياسين والشهيد عبد العزيز الرنتيسي والشهيد أبو علي مصطفى وغيرهم ، وفرض حصارٍ على الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله لعدة سنوات في محاولة لإخماد الانتفاضة ، وتم اغتياله أخيراً بالتسميم .
* الشروع في بناء جدار الفصل العنصري الذي ابتلع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية ، مما قطّع أوصال المدن والقرى والتجمعات السكانية وفصل بين الفلسطينيين أنفسهم .
* إحياء وتنفيذ فكرة مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية التي كادت أن تنسى .
انتهت هذه الانتفاضة الشعبية الشاملة في 8/2/2005م بعد قمة شرم الشيخ الرباعية التي رعتها أمريكا وشاركت فيها فلسطين ومصر والأردن وإسرائيل ؛ حيث أعلن الرئيس محمود عباس ذلك قائلاً [ اتفقنا على وقف كافة أعمال العنف ضد الإسرائيليين والفلسطينيين أينما كانوا … كي يستعيد الشعبان الأمل والثقة في إمكانية تحقيق السلام ] ، ولكن شارون لم يصبر أياماً حتى أراق جنود جيشه الغاشم من جديد الدماء الفلسطينية ، فقد ارتقى خلال شهر واحد فقط بعد هذا الاتفاق 9 شهداء منهم ثلاثة أطفال ناهيكم عن الجرحى ، إنه ديْدنهم المعروف وعهد العالم بهم من قديم : ألاَّ يحترموا العهود والمواثيق ، قال تعالى { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } البقرة 100 .
كانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الانتفاضة والسبب المباشر لها ، أما الأسباب العامة فمنها :
1- الشعور بالإحباط لدى الفلسطينيين منذ عام 1999 نظراً لانتهاء فترة الحكم الذاتي بحسب اتفاقيات أوسلو ومماطلة إسرائيل في تنفيذ استحقاقات تلك الاتفاقيات برفضها الإفراج عن الأسرى والمعتقلين ، ولاستمرارها في بناء المستوطنات واستبعاد عودة اللاجئين والانسحاب لحدود ما قبل احتلال عام 1967 ، ولاتضاح محاولتها فرض حل على الفلسطينيين بدعم من أمريكا ، ولاستمرارها في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية .
2- فشل مفاوضات كامب ديفيد لرفض إسرائيل الاعتراف بحقوق شعب فلسطين : إقامة الدولة المستقلة ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم المحتلة عام 1948 ، وإصرارها على القدس عاصمة موحدة لها وحرمان الفلسطينيين منها كعاصمة لهم ، ورفضها وضع الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية تحت السيادة الفلسطينية ، وفي المقابل رفض الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله اقتراحاً أمريكياً بدفع 40 مليار دولار مقابل الموافقة على سيطرة إسرائيلية على المعابر والحدود الفلسطينية ، والتخلي عن عودة اللاجئين الفلسطينيين ، والإشراف الإسرائيلي على أسفل المسجد الأقصى المبارك وإشراف السلطة الوطنية الفلسطينية على المسجد الأقصى من أعلى .
3- تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كانتونات جغرافية بشرية مغلقة على النحو التالي :
مناطق أ : وهي مناطق تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية أمنياً ومدنياً وسياسياً ، ومساحتها صغيرة تتركز في المدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية الكبرى .
مناطق ب : وهي المناطق الخاضعة أمنياً وعسكرياً للاحتلال ومدنياً للسلطة الوطنية الفلسطينية ومساحتها أكبر من مساحة المنطقة أ وتتركز في القرى والخرب الفلسطينية الصغيرة .
مناطق جـ : وهي المناطق التي تخضع أمنياً وعسكرياً ومدنياً للاحتلال ، وهي المناطق الأكبر مساحة في الضفة وغزة .
مناطق د : وهي مناطق المحميات الطبيعية التي فرضها الاحتلال كمناطق مختلفة عن المناطق السابقة لتكريس السيطرة الإسرائيلية عليها .
وهذه التقسيمات الظالمة التي شملت مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة وسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على 60% منها فقط أدت إلى عزل الفلسطينيين عن بعضهم .
واليوم يعيد التاريخ نفسه ، فقد جاءت إجراءات الاحتلال الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك بإغلاقه ونصب البوابات والكاميرات على مداخله وعمليات التفتيش الدقيق للمصلين بهدف السيطرة عليه وتقسيمه ثم تهويده ، لكن ردة فعل الجماهير الفلسطينية الغاضبة والرافضة لهذه الإجراءات فاقت كل التوقعات ، فانتصرت على الجيش الذي لا يقهر بإرادتها وعزيمتها ، فأعادت القضية الى عنفوانها وجددت بُعْدَها العربي والإسلامي ، وأثبتت من جديد أن مدينة القدس والمسجد الاقصى المبارك هما مركز الصراع بين الأمة بكاملها والمشروع الصهيوني ، قال تعالى { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ } الحشر 13 .
وإنني أحذر من أي الْتفاف على هذا الانتصار والإنجاز العظيم للمرابطين الذي حققه أبناء الشعب الفلسطيني وحده بثباته وتمسكه بحقوقه ، وأطالب منظمة التعاون الإسلامي والنظام السياسي العربي والإسلامي البناء على هذا النصر المؤزر الذي حققه المرابطون بقهرهم الآلة العسكرية الإسرائيلية وإجبارهم إسرائيل على التراجع عن إجراءاتها الباطلة ، والعمل على تفعيل قرارات منظمة اليونسكو السابقة والحديثة بأن مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك إسلامية الهوية ولا علاقة لليهود بهما من قريب أو بعيد ، واستثمار هذه القرارات لكبح جماح سلطات الاحتلال عن المساس به ، ومنع الاقتحامات اليومية التي يقوم بها المستوطنون وجنود الجيش والرموز السياسية والدينية وغيرهم ومنعهم اداء الصلوات التلمودية فيه ، والعمل على فتحه الدائم أمام كل الفلسطينيين دون أن يمنع أحد منهم دخوله أو الصلاة فيه .

(المصدر: موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى