مقالاتمقالات مختارة

اليهود وعبادة القوة والتحالف مع الأقوياء

اليهود وعبادة القوة والتحالف مع الأقوياء

بقلم : الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي

القارئ للتوراة يجدها تمجد القوة، وتهتم بالحروب، حتى تأتي على أعداد القتلى والأسرى والحيوانات، كما تطفح بإحراق المدن بما فيها من إنسان وحيوان، وردم الآبار، ودفن عيون الماء، وإحراق البساتين.

     ومن القصص الكثيرة التي تحفل بها “قصة المصارعة” بين الله تعالى وبين يعقوب، التي جاءت بسفر “التكوين”(1) فبعد أن عبر المخاضة مع أولاده وأهله واجتاز الوادي ثم جلس في خيمة وحيدًا”فصارعه إنسان حتى طلوع الفجر” ولما وجد قوة من يعقوب ضربه على حُقِّ فخذه فانخلع، وطلب الرجل من يعقوب أن يتركه فلم يفعل حتى يباركه، وبعد أن سأله عن اسمه قال لا يكون اسمك يعقوبًا بل إسرائيل، والسبب أنه جاهد مع الله، ولما سأله يعقوب عن اسمه لم يجبه، بل سأله عن سبب سؤاله ثم باركه، وعند ذاك أطلق يعقوب على المكان اسم “فينئيل” وقال مسببًا ذلك “نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي” وبعد شروق الشمس ترك المكان “وهو يخمع على فخذه” تقول التوراة بعد ذلك: “لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي على حق الفخذ إلى هذا اليوم” والقصةُ بما توحي وترمز فإن يعقوب خرج منتصرًا في هذه المصارعة، التي امتدت ليلةً كاملةً، كان يعقوب هو الأقوى، لولا أن الله ضربه على حُقّ فخذه… وكفى اليهودي فخرًا أنه أقوى من ربه.

     وفي التوراة أيضًا أن فلانًا نفخ على مدينة فطارت في الهواء بكل ما فيها. وأن قائدًا لسليمان عليه السلام رفع سيفه فمات على الفور سبعون ألف مقاتل.

     وصراع “سليمان” مع “جالوت” ذلك البطل، بينما كان سليمان صبيًا، فوضع حجرًا في مقلاعه ثم رماه فقتله معروف، وقصص شمشوم وغيرها، كلها ترسم صورةً بالدم واضحة المعالم، ذات إيحاءات بالقوة لا مثيل لها وقصة “أبي مالك” الذي حاصر مدينة، ثم قال لجنوده: افعلوا كما أفعل، ثم أخذ غصن شجرة ورماه على المدينة، وكذلك فعل جنوده، ثم أشعل فيها النار فاحترقت على ما فيها من بشر وحيوان، كل هذا وأمثاله يجده القارئ للتوراة هنا وهناك، فلا يعجب إذا تمسك اليهود بالقوة أو آمنوا بها.

     وأختم هذا بما ورد في “وثائق قمران” التي وجدت في منطقة “أريحا” على البحر الميت، وعنوان المخطوط “حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام”(2) وفيها يشن سبط يهودا وبنيامين ومعهم الكهنة من سبط لاوى حرب إبادة، على جميع الشعوب الفلسطينية، ومن جاورهم في (القرن الأول قبل الميلاد)، ويُطْلِقُ اليهود على أنفسهم أبناء النور، وعلى أعدائهم أبناء الظلام، ويسمى الكاتب جنود الأعداء”جيش بليعال” أي جيش الشيطان. ثم يباشر بوصف الكتائب اليهودية، حيث تتكون من الفرسان والمقاتلين وقد اصطفوا واستعدوا بخيلهم ورماحهم ودروعهم وكامل عدتهم، ترفرف عليهم رايات جميلة، قد نُقِشَ عليها شعارات الإيمان والنصر. أما جيش الشيطان فهم شراذم رثة الهيئة كثيرة اللغط، تسودها الفوضى، وهي متخاذلة خائفة، يسودها الجبن، ولا تفكر إلا بالهزيمة… هذه الصورة، أو هذا الحلم أحسبه ما زال يداعب عقول وقلوب الصهاينة، وشجعهم على هذه الأحلام، تلك الهزيمة المنكرة التي لحقت بنا عام 1967 على أيدي أولئك “الأبطال” الذين “سيسوا” الجيوش العربية، فحولوها عن أهدافها، فلما وقعت الحرب هرب الكل، فتصور اليهود أن هذا ببركة قوتهم وشجاعتهم، ووصفوا جيشهم بأنه لا يغلب…

التحالف مع الأقوياء

     العالم في نظر اليهودي مقسم إلى: يهودي وغير يهودي، واليهود لا يهتمون كثيرًا “بالأغيار” وكل ما يرجونه ويؤملونه، عدم صدور الأذى عنهم، كذلك لا يهتمون بماضي الأغيار ولا أخلاقهم، ولا نوعية سلوكهم، إلا أنهم يراقبون بدقة وحذر “مراكز القوة” وميزانها، والهدف معرفة الأقوياء من أجل التحالف معهم، حفظاً وصونًا لمصالح اليهود. والقضية ليست بنت اليوم أو الأمس، ولكنها تعود لألوف السنين، ويحسن هنا أن أعرض أولاً نبذةً تاريخيةً ثم أبسط القضيةَ.

نبذة تاريخية

     انقسمت مملكة اليهود إلى قسمين، بعد موت سليمان عليه السلام مباشرةً “في مطلع الألف الأول قبل الميلاد” فكانت إسرائيل في الشمال، ويهودا في الجنوب.

     مملكة الشمال سقطت على يد الأشوريين عام (720) ق. م. ومملكة الجنوب سقطت على يد بختنصر الكلداني عام (586) ق. م. وحين قام “قورش” الفارسي “وأمه يهودية” ساعده اليهود، واعتبروه مخلصًا ربانيًا لهم، بل وصفوه بالمسيح المنتظر(3). جاء في سفر أشعيا(4) (هكذا يقول الرب لمسيحه، لقورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا، وأحل أحزمة ملوك، لأفتح أمامه المصراعين، فلا تغلق الأبواب، إنني أمشي أمامك، وأمهد الهضاب، وأحطم مصراعيّ النحاس، وأكسر مزاليج الحديد، وأعطيك مكنونات الكنوز وذخائر المخابئ، حتى تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك، لقبتك وأنت لا تعرفني).

     وقد قدّم قورش هذا وعدًا لليهود بالعودة إلى فلسطين، على نفس الطريقة التي صدر بها وعد بالفور، وذلك بأن يقوم طرف بالتبرع بوطن طرف ثانٍ لمصلحة طرف ثالث .

     والخلاصة: عندما كانت العلاقات بين الكلدانيين والمصريين متوترةً، ومرشحةً للاصطدام، قدر اليهود أن النصر سيكون حليف المصريين؛ لذلك سارعوا للتحالف معهم، وخالفهم في ذلك النبي”آرميا الكاهن” فقد كان اعتقاده بأن النصر سيكون من نصيب بختنصر وجيشه، وعلى هذا ينبغي أن يكون التحالف مع المنتصر، وليس مع المهزوم، جاء على لسان آرميا (… هكذا قال رب الجنود: إله إسرائيل، هكذا تقولون لسادتكم: إني أنا صنعت الأرض والإنسان والحيوان، الذي على وجه الأرض، بقوتي العظيمة، وبذراعي الممدوة، وأعطيتها لمن حسن في عيني، والآن دفعت كل هذه الأرض ليد نبوخذ ناصر، ملك بابل عبدي، وأعطيته أيضًا حويان الحقل ليخدمه، فتخدمه كل الشعوب وابنه وابن ابنه، حتى يأتي وقت أرضه أيضًا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام، ويكون أن الأمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذ ناصر ملك بابل، والتي لاتجعل عنقها تحت نير ملك بابل، إني أعاقب تلك الأمة بالسيف والجوع والوباء، يقول الرب حتى أفنيها بيده، فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائقيكم وسحرتكم الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل، لأنهم إنما ينبئون لكم بالكذب، لكي يبعدوكم من أرضكم ولأطردكم فتهلكوا. والأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه، أجعلها تستقر في أرضها وتعملها وتسكن بها) الإِصحاح 27/4-11.

     وهذا الكلام يتكرر عشرات المرات بحيث بلغت أقوال آرميا 53 إصحاحاً وخمسة مراثي.

     لم يسمع اليهود لنصيحة “آرميا” مما اضطرَّه على أن يحتال للاتصال بجيش بختنصر وقائده، ويجري معه مفاوضات مطولة، وبقي اليهود على قناعتهم وتحالفهم، حتى اقتحم جيش بختنصر القدس، وساق اليهود أسرى إلى بابل، وقدر للنبي “آرميا” موقفه فترك له الحرية في البقاء أو الهجرة، وكان يخشى على نفسه من قومه، فهاجر سرًا، ولكن اليهود لم يلبثوا أن قتلوه. وأحدث ذلك صدمةً كبيرةً لليهود، ومن ذلك اليوم وهم يراقبون بدقة وحذر “مراكز القوة” من أجل معرفة النجم القوي الصاعد، ليتحالفوا معه، غير سائلين عن سلوكه وما يعتقده، ولا عن ماضيه ونظافته، المهم عندهم أن يكون قويًا أو مرشحًا ليكون كذلك .

     وبالمثل فإن الحليف إذا فقد مركز قوته، أو أوشك على ذلك تركه اليهود بسرعة، ليتحالفوا مع نجم جديد طالع، والأمثلة في هذا أكثر من أن تُحْصىٰ أو تُعَدّ.

     فحين برز المسلمون قوةً عالميةً، سارع اليهود للتحالف معهم، وكسب ودهم، بل راحوا يتجسسون لهم على الروم وغيرهم .

     يقول العالم اليهودي “إسرائيل ولفنسون”(5): (كانت الضرورة الطبيعية لنجاح مشروعات المسلمين، تقتضي حتمًا وقوع عراك شديد بين الطرفين – المسلمين واليهود – ومن أجل ذلك تغيرت الحالةُ تغيرًا جوهريًا، بعد أن انتهت الخصومة السياسية بين الرسول وبطون يثرب، حتى شرع اليهود ينظرون بعيون الإكبار والاحترام إلى جيوش المسلمين، التي كانت تغمر كالسيل أقطار العالم ونواحيه، وقد كان اليهود في أغلب مدن العراق يخرجون لاستقبال جيوش المسلمين بالحفاوة والإكرام؛ لأنهم يؤثرونهم على غيرهم، إذ يرون فيهم قومًا يؤمنون بإله موسى وإبراهيم، ولقد ازدادت هذه الروابط متانةً مع الزمن، حتى دخل اليهود في جيوش المسلمين ليقاتلوا معهم في أقاليم الأندلس، وينبغي أن لا يغيب عن البال، أن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز، ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، فقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافًا من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألوانًا شتى من العذاب) 1هـ.

     وفي الأندلس استقبلوا المسلمين، فلما خرجوا منها كانوا معهم، واستقروا في أقطار المغرب وتركيا، فلما أفل نجمُ المسلمين، راحوا يتجسسون عليهم لمصلحة الاستعمار الغربي؛ بل راحوا يغرونه بالغزو. وحين سطع نجم “هولاكو” في المشرق كاتبه يهود بغداد، وحالفوه، وقدموا له المال والمشورة، قبل أن يصل إلى بغداد، فلما دخلها وقتل الخليفة ومليونًا من المسلمين – كما يذكر ابن كثير(6) – سلم اليهود، فلم يقتل منهم أحد، كما سلمت أموالهم من النهب والسلب وفي العصر الحديث ابتدأ رهانهم على فرنسا فحالفوها، وراحوا يتعلمون الفرنسية، ويعملون في خدمة النفوذ الفرنسي، فلما برزت إنكلترا قوةً جديدةً، تحولوا إليها، وربطوا مصيرهم بها، وراحوا يغرون الإنكليز باستعمار “فلسطين” وغيرها، واتخذوا من “لندن” مقرًا لحركتهم ونشاطهم، فلما توحدت ألمانيا وبرزت قوة سياسية، تركوا”لندن” وتوجهوا إلى “برلين”، وقام بعضهم بترجمة التوراة للألمانية، كما راحوا يتعلمون الألمانية، ويعقدون المؤتمرات هناك، ويكتبون بالألمانية كافة القرارات، وبقي الحال هكذا حتى بعد ظهور “هتلر”، حيث ظلوا على صلة به، يحاولون استثمار كرهه للمساعدة في الهجرة إلى “فلسطين”. ويوم أن قام “هتلر” بإغلاق النوادي اليهودية، ومصادرة صحفها، استثنى الصحف الصهيونية، حيث استمرت على الكتابة والنشر(7)، وهذه الصلة صار البحث فيها، من المحرمات ومن يبحث فلن يجد دارًا تنشر له؛ لأن سيف الإرهاب الصهيوني مصلت فوق الرؤوس في الغرب.

     ثم تحولوا بعد ذلك إلى “لندن” وحالفوا الإنكليز، وبعد الحرب العالمية الثانية أدركوا أن مركز القوة تحول إلى أمريكا، فتوجهوا إلى هناك، رامين بكل ثقلهم المالي والإعلامي والتنظيمي.

     وغدًا إذا ما شعروا بأن روسيا أو الصين مرشحة للصعود، فسيسارعون للتحالف معها، طلبًا للمغنم، وليس إيمانًا بالصداقة، فالأغيار أشرار ولا خير فيهم. لقد صار اليهود أشبه “بمحرار الزئبق”يتحسسون القوة، ليحالفوا صاحبها، وربما قبل أن يشعر هو بذلك، حتى إذا وقف الحليف على رجليه، طالبوه بالثمن، بعد أن يكونوا مدوه بالمال والرجال والتجسس لصالحه.

     ومن غرائبهم في هذا أنهم لايجدون بأسًا، في التحالف حتى مع الأعداء، ما دام هذا العدو قويًا، فحين وقعت في روسيا مذابح “بوغروم”(8) التي قُتِلَ فيها ألوف اليهود، واعتدى على أعراضهم وممتلكاتهم، والتي شهدها الكاتب الروسي “مكسيم غوركي” ووصف أهوالها(9)، مع ذلك لم يجد الصهاينة غضاضةً في التفاوض مع وزير داخلية روسيا، والمسؤول عن هذه المذابح.

     ولعل الأغرب من كل هذا مشاركة بعض اليهود في تلك المذابح، والدفاع عمن يشارك فيها(10). ومن الغرائب أيضًا أن يقف اليهود إلى جانب العثمانيين ضد اليونان، حين ثاروا في جزيرة”كريت”(11) مخالفين في ذلك سائر دول العالم، وقد فعلوا نفسَ الشيء مع الأرمن، فقد استعملوا صحافتهم في تأييد العثمانيين، طمعًا في حصول إذنٍ بالهجرة ودخول “فلسطين”، أما الأرمن أو اليونان فلا مطمع فيهم. ومن مساهماتهم مساعدة النظام الماركسي في الحبشة، ضد رغبة الحليف الكبير (أمريكا). فلماذا كل هذا الحرص على التحالف مع الأقوياء؟؟ الذي أتصوره – إضافةً للتجربة التاريخية – أن اليهود أصحاب رؤوس أموال، وهم دومًا بحاجة إلى صداقة الحاكم المحلي القوي، ليحميهم وأموالهم من الاعتداء، ومن هنا يمكن أن نفهم سبب تجسسهم على مواطنيهم، فمن أجل أن تكون لهم مكانة لدى الحاكم، يتجسسون له، وإلا فالحاكم وشعبه من الأغيار، الذين لا خير يُرتَجـٰـى منهم.

     ونظرًا؛ لأن الأموال صارت تتحرك عبر الحدود، من دولة لأخرى؛ لذا فالحكومات القوية عالميًا، يمكن أن تساعد في حفظ هذه الأموال، أما المراهنة على الضعيف ولو كان صديقًا، فلا يعرفها اليهود. يذكر الكاتب اليهودي “سجيف”(12) أن الشاه وبعض كبار المسؤولين، كانوا يناقشون الإسرائيليين حول الحملة ضد الشاه في أمريكا، وإنها كانت تسير برضاهم، بالرغم من صداقة الشاه لإسرائيل، ولما راح الصهاينة ينفون ذلك بشدة، ويتساءلون عن سبب هذا الاعتقاد، رد الإيرانيون بتقديم قائمة بأسماء الصحفيين اليهود الذين يحملون على الشاه، كما صرح الشاه بأنه يعتقد بأن إسرائيل خلف الحملة سواء بطريق مباشر، أو عن طريق الموافقة السرية.

     والمتبادر هنا أن إسرائيل – وهي صديقة للشاه – راحت تعمل على إسقاطه، وليس هذا ما اعتقده، بل أن حساباتها كانت بأن نجمه في أفول؛ ولذا فهي تترك تحالفها معه، ولا يوجد سبب يدعوها لإِسقاطه.

     والدليلُ على هذا من كتاب “سجيف” نفسه، فقد ذكر أن محادثات بينهم وبين الأمريكيين بشأن قوة الشاه ونفوذه، وكان الرأي الأمريكي بأنه قوي وسيحكم ما بين 10-15 سنة. أما الجانب الإسرائيلي فكان رأيه بأن الشاه قد انتهى، وهذا ما حصل، وبالفعل تحرك اليهود تجاه القوة الجديدة، يقول سجيف(13) (في أعقاب انتقال الخميني من النجف إلى باريس في (3 تشرين أول 1978) ذهب إليه عدد من اليهود، وحصلوا منه على وعد، بعدم المساس باليهود في “طهران”، كما أن حكومةً أوروبيةً كانت تعمل في ذلك الوقت، بناءً على طلب من إسرائيل، في سبيل الحفاظ على حياة يهود إيران، ومن مكان منفاه أبلغ الخميني الحكومة الفرنسية بأنه يميز بين اليهود، وبين الصهيونيين، ووعد بتوجيه تعليمات إلى رجاله في “إيران” بعدم المساس باليهود) كما يذكر “سجيف” صورًا من التحرك اليهودي، تجاه القيادة والقوة الجديدة، حيث خرج خمسة آلاف من يهود “طهران”، وعلى رأسهم الحاخام الأكبر، لاستقبال الخميني، وهم يحملون صوره ويهتفون: اليهود والمسلمون إخوان(14). وقد أعقب ذلك اتصالات شخصيةً، ثم مظاهرة تأييد ثانيةً وهكذا.

     بل وصل الأمر بالصهاينة إلى تشجيع الأمريكان على الاتصال بالخميني في باريس، ورشحوا شيخ الأزهر ليقوم بالمهمة.

     والذي أريد الوصول إليه هو: أن اليهود منذ ألوف السنين وهم يبحثون عن “الأقوى” ليحالفوه، فحينًا يصير عميلاً، بل مطيةً لهم، والأمثلة حية، وأحيانًا مجرد صديق، وفي كثير من الأحيان يفهمهم جيدًا فيكون الشعار “انفعني أنفعك، واحملني أحملك”، ولا يعني هذا أن كل قوي ظهر كان خلفه اليهود، ولا كل قوي سقط فبسبب من اليهود، فليس لليهود كل هذه القوة وإن كانت لهم حقًا فجدير بهم أن يحكموا العالمَ.

     كثير من الكتاب اتخذ من اليهود “شماعة” يعلق عليها المصائب والنكبات…

     والقاعدة كما أفهم هي حبهم للقوة، وتطلعهم للتحالف مع الأقوى، ونفض أيديهم من الضعيف، ولو كان صديقًا أو حليفًا.

     فعلاقتهم بالأغيار محكومة بكونهم أقوياء، ما بعد ذلك أو فوقه أو قبله لا يهمهم كثيرًا.

     تبقى قضيةُ حبهم للقوة، واستعمالهم لها، وتفضيلها على ما سواها في علاقتهم مع العرب، وعدم بذل أي جهد يذكر لكسب ودهم. هذه القضية من غير المعقول أن اليهود لا يدركونها.

     والذي أتصوره، أن حبّهم للأقوياء سرى إلى حب القوة ذاتها، فجعلوا دولتهم عسكريةً بالدرجة الأولى، كما صنعوا من شعبهم جيش احتياط، يدعى للخدمة في أية ساعة من ليل أو نهار، وهذا الأمر لم تأت به الصدفة، ولكن صنعه التخطيط، والخوف ممن حولهم، وشعورهم بأنهم اغتصبوا أرض غيرهم وطردوا أهلها، وفي هذا الخصوص يعجب الإنسان لصراحة “دولدا مائير” فقد كتبت لزوج أختها تقول(15) (عليك أن تحضر ولو لم يكن لدى قناعة تامة بأنك ستجد عملاً جيدًا، لما طلبت منك الحضور. في الحقيقة حتى العمل الصعب بالكاد تستطيع إيجاده؛ ولكنني على يقين من أنك ستجد عملاً ما. بالطبع لا أعدك بحياة رغدة، خالية من ضائقة مالية أو صعوبات؛ ولكن أقول لك إن الذي يريد انتزاع أرض غيره ويسكنها ويتملكها، عليه أن يكون مستعدًا لجميع الطوارئ والصعوبات…”.

     هذه مذكرات امرأة قال عنها بن غوريون يومًا بأنها الرجل الوحيد في وزارته، وقد تولت رئاسة الوزارة كما هو معروف.

     لذا فهي لا تمثل نفسها في هذا، بل تمثل الشعب الصهيوني. وهذا يعني من جانب آخر بأن الهزيمة العسكرية للصهاينة، سيكون لها دوي هائل في النفوس، وقد صرح بن غوريون مرةً، بأن العرب يتحملون الهزيمة في مئة معركة، وأما إسرائيل فإنها متى انهزمت في معركة فستكون نهاية الدولة.

     وقد قام “جورج تامارين” باستفتاء لطلبة إسرائيل – في الثانوية – حول ما فعله “يشوع بن نون” من قتل جماعي للفلسطينيين، صغارًا وكبارًا، وهل يمكن أن يفعل ذلك الجيش الإسرائيلي أم لا؟

     وقد جاءت الإجابات تحبذ ذلك، ونتيجة هذا الاستفتاء كان طرد “تامارين” من جامعة تل أبيب، كأستاذ لعلم النفس، وخلاصة ما خرج به من الاستفتاء(16) (إن تخطيط الصفوة الحاكمة الإسرائيلية الذي يتمثل في أن تكون إسرائيل قلعةً عسكريةً حصينةً، بالنسبة إلى جيرانها العرب، قد أدى إلى عزل إسرائيل حضاريًا، وتحولها إلى “غيتو” كبير، تسوده اتجاهات حضارية انعزالية ورجعية، هي في حد ذاتها المناخ الصالح لنمو الأفكار العنصرية، وانتشار سياسات التمييز العنصري ضد العرب).

     هذه شهادة قيمة، من رجل غير مطعون في صهيونية ولا علمه، وقد دفع ثمن هذه الشهادة، وأمثاله كثير.

     إن عبادة القوة، مثل عبادة العجل، دليل على اتجاه معين، سيدفع العرب بسببه ثمنًا غاليًا؛ ولكن نصرًا عسكريًا كافيًا للقضاء على إسرائيل، وإعادة الصهاينة للتشتات مرةً ثانيةً، وقد تعهد الله بأن يسلط عليهم حتى يوم القيامة، من يسومهم سوء العذاب فإذا يسر الله لنا قيادةً حكيمةً مخلصةً تجمعنا، وتقودنا في حرب يكون التوجه فيها لله، فسوف ننتصر، وبانتصارنا نقضي على هذه الدولة، المزروعة في وسطنا، والأحاديثُ في هذا كثيرة، وسوابق الحروب الصليبية ما زالت مسطورةً معروفةً.

نصوص مختارة لقادة إسرائيل

     1 – يقول بن عوريون(17): (إني أعتبر “يشوع” هو بطل التوراة، إنه لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان المرشد؛ لأنه توصل غلى توحيد قبائل إسرائيل)؛ بل لأنه هو الذي قتل الفلسطينيين وأبادهم .

     2 – يقول كذلك: (18)(خير مفسر ومعلق على التوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن، مفسرًا بذلك ومحققًا لكلمات أنبياء العهد القديم).

     3 – يقول ميخا يوسف بيرد(19): (إن كلاً من السيف والكتاب يناقض الأخر، بل يقضي عليه كليًا. إن الفترة التي يعيشها الشعب اليهودي هي فترة عصيبة، وفي مثل هذه الفترات يعيش الرجال والأمم بالسيف، وليس بالكتاب. إن السيف ليس شيئًا مجردًا أو بعيدًا عن الحياة، إنه تجسيد مادي للحياة في أنقى معانيها، أما الكتاب – التوراة – فليس كذلك .

     4 – يقول بيغن(20): (إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست للأم؛ بل للسيف).

     5 – لقد وجّه جندي إسرائيلي إلى حاخامه يسأله عن طهارة السلاح، ومن الرد أستنتج ما يلي(21) (في ساعة الحرب مسموح وربما أكثر من هذا يجب قتل كل عربي وعربية يصادفاني في الطريق… يجب عليّ قتلهما حتى ولو كان هذا الأمر مرتبطاً بتورطي مع القانون العسكري) أي فيه.

تحالف الصهيونية مع الفاشية والنازية

     بعد إتمام البحث نشرت بعض الصحف(22) تعريفًا بكتاب تحت عنوان: “الصهيونية في زمن الدكتاتورية “لكاتبه اليهودي” ليني برينر “وقام بترجمته والتقديم له د. محجوب عمر، وأصدرته “مؤسسة البحوث العربية” ومثل هذا البحث لا يجرأ إنسان في الغرب على الخوض فيه؛ لأنه من الموضوعات التي حرمتها الصهيونية، ولا يستطيع ذلك إلا شخص يتحلّى بقدر كبير من الشجاعة واستعداد للتضحيّة.

     وقد كشف المؤلف عن وثيقة عرفت باسم “أنقره” وفيها أدلة على اتصال الإرهابي “شتيرن” صاحب العصابة التي حملت اسمه، وقد قام بالاتصال أولاً بالفاشيين الإيطاليين ثم النازيين الألمان، بهدف التحالف معهم والحرب إلى جانبهم، بشرط المساعدة على قيام دولة إسرائيل، وكان هذا عام 1940 حين كان نجم “المحور” في صعود وانتصاراتهم تدوي في العالم، وخسارتهم للحرب تبدو بعيدةً جدًا.

     ففي عام 1940م جرى اتصال بيهودي يعمل مع الشرطة البريطانية في القدس وكان عميلاً “لموسليني”.

     وكان الاتفاق يقضي بأن يعترف (موسليني) بدولة عبرية في فلسطين، وفي مقابل ذلك يحارب اليهود إلى جانب المحور. ولم يكتف “شتيرن” بهذا الاتصال، فأراد أن يكون مع الألمان وبشكل مباشر، لذا أرسل “نفتالي لونستيك” إلى بيروت (وكانت بحكم حكومة “فيشي” التي أقامها المحور في فرنسا).

     وفي كانون الثاني 1941م قابل “لونستيك” الألمانيين “رودلف روزين وأوتوفرن” الذي كان مسؤولاً عن الإدارة الشرقية في الخارجية الألمانية. إن تاريخ الوثيقة هو 11/كانون الثاني 1941، وكانت جماعة “شتيرن” لا يزالون يعتبرون أنفسهم “الأرجون الحقيقي”. ولم يتبنوا اسم “المقاتلين من أجل الحرية” إلا فيما بعد، (حيث حصل الانشقاق) وفي الوثيقة قالت مجموعة “شتيرن” للنازيين: إن جلاء اليهود عن أوروبا هو شرط مسبق لحل المسألة اليهودية، وهذا لايمكن إلا من خلال إقامة الدولة اليهودية وفي حدودها التاريخية، وإن المصالح المشتركة يمكن أن تكون في إقامة نظام جديد في “أوروبا”، متسق مع المفهوم الألماني والطموحات القومية للشعب اليهودي، كما تجسدها المنظمة العسكرية القومية، وإن التعاون بين ألمانيا الجديدة وبين عبرانية شعبية متجددة ممكن، كما أن إقامة الدولة اليهودية التاريخية على أسس قومية شمولية، ومرتبطة بمعاهدة مع الرايخ الألماني، ستكون في مصلحة الحفاظ على موقع نفوذ ألماني مستقبلي في الشرق الأوسط وتقويته. وانطلاقًا من هذه الاعتبارات فإن المنظمة العسكرية القومية في فلسطين تحت شرط الاعتراف بالطموحات القومية المذكورة والخاصة بحركة الحرية الإسرائيلية من جانب الرايخ الثالث (هتلر)، تعرض أن تشارك بنشاط في الحرب إلى جانب ألمانيا).

     والغريب أن “شتيرن” ويشاركه آخرون يشعرون بأن الصهاينة هم الذين خانوا المحور وليس العكس .

     وكان على الصهاينة أن يظهروا للمحور أنهم جادون بالدخول في نزاع عسكري مباشر مع بريطانيا، بحيث يرون ميزةً عسكريةً محتملةً في تحالفهم مع الصهاينة. وكانت حجة “شتيرن” أنهم لكي يكسبوا كان عليهم أن يتحالفوا مع الفاشيين والنازيين على السواء.

     وقد كان “إسحاق شامير” على علم بذلك كله كما يؤكده “باروخ نادل” المهم أن الصهاينةَ لم يجدوا عيبًا ولا بأسًا في التحالف مع هتلر وموسليني خلال الأعوام (1940-1941) وهي سنوات النصر الكبرى بالنسبة (للمحور).

     وعلى العكس راحوا يطالبون بمحاكمة المفتي “أمين الحسيني” بحجة تحالفه مع هتلر.

     إن الحرب بين النازية واليهود، لم تمنع الصهاينة من التحالف، حين كان المتصور هو نجاح المحور.

     إذن فالتحالف جائز مع كل أحد حتى مع الشيطان، ما دام قويًا، واليوم يملؤون الأرضَ شكايةً من “هتلر” وما فعله باليهود، وقد قبضوا ألوف الملايين ثمنًا لهذا الصخب واللجاجة في اتهام الألمان، وراحوا يحاربون كل شخص لا يعجبهم ويهمونه بالتعاون مع النازيين، وآخرهم “فالد هايم”.

     وصدق رسول الله (… إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).

     يقول المؤرخ هنريش ترتيشكا(23) (إن اليهودي يخلق من يهوديته أكثر من مشكلة سياسية دقيقة، إنه يتحاشى أيّ نقد، فمن يجروء اليوم على ذم اليهود؟ إن الذي يتناول المسألة اليهودية لن يسلم من افتراس وتمزيق كلاب الحراسة اليهودية، فاليهود معصومون من النقد… هذا هو قانون اليهود، فليس من الجائز توجيه النقد إلى اليهود… إنه محظور).

     وللأسف فإن كلابَ اليهود تنتشر في العالم، وبعضها يتربع على كراسي الحكم، ويتكلم باسم الشعب والعدل، وقد يوصف بالزعيم الملهم وهو قبل هذا وبعده “كلب حراسة” ليس إلا!!.

*  *  *

الهوامش :

سفر التكوين 32/22-32.

الشخصية الإسرائيلية / د. حسن ظاظا ص 44.

وقد اقترحت إسرائيل على شاه إيران المخلوع الاحتفال بذكراه، بحجة ترويج السياحة، فأنفق مئات الملايين، وحضر الاحتفالات بعض الحكام العرب.

الشخصية الإسرائيلية ص 66-67.

الصهيونية بين الدين والسياسة/ عبد السميع الهراوي ص 287.

البداية والنهاية 13/19 مطبعة المتوسط .

تكوين الصهيونية ص 186-189.

البوغروم: كلمة روسية تعني التنكيل. ويقوم فيها في العادة العامة من الناس متجهين إلى مراكز تجمع اليهود للفتك بهم وقد وجد اليهود أن هناك بوغروم غير مخطط له، وهناك نوع يجري التخطيط له بدقة وعناية.

والنوع الول يشتعل بسبب عارض، كوجود نصراني مقتول قريبًا من تجمع يهودي، أو اختفاء شخص أو ما شابه ذلك .

والنوع الثاني يجري وفق خطة مسبقة وتفاهم مع المسؤولين، ومن ذلك ما حدث عام 1881م في جنوب روسيا. وتكرر أكثر من مرة .

تكوين الصهيونية ص 147.

الشخصية الإسرائيلية ص 85.

يذكر الدكتور ظاظا أن من بين مدبري مذبحة 1881م حزبًا سياسيًا سريًا اسمه (نورود نيافوليا) وكان يضم كثيرًا من اليهود، وقد اشتركوا في الحملة، وهناك جمعية (بوجوروف) الروسية، التي كانت تصدر منشورات تطالب فيها بوضع حد لعربدة اليهود، وكان بعض أعضائها من اليهود، كما كان هناك صحف تهاجم اليهود وتخريبهم، وفيها الكثير من المحررين اليهود.

(المصدر السابق ص 85).

تكوين الصهيونية ص 221.

المثلث الإيراني / العلاقات السرية الإسرائيلية الإيرانية الأميركية، دار الجليل ص 136. كان من بين المناصب التي شغلها (سجيف) تقديم المشورة للأمبراطور هيلا سلاسي .

المرجع السابق ص 174.

الشعار ناقص وتتمته: خارج فلسطين .

مذكرات جولدا مائير ص 72. الطبعة الأولى/ مطبعة المسار.

الصهيونية والعنصرية ص 1/94.

الشخصية اليهودية / د. الشامي ص 172.

الشخصية اليهودية / د. الشامي ص 184.

الشخصية اليهودية / د. الشامي ص 183.

الشخصية اليهودية / د. الشامي ص 182.

المصدر السابق ص 177.

الشرق الأوسط 31/10/1987م .

الشخصية اليهودية / د. رشاد الشامي ص 139.

*  *  *

(المصدر: مجلة دار العلوم ديوبند)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى