مقالاتمقالات مختارة

الوعـي بين الوهـم والحقيقـة

الوعـي بين الوهـم والحقيقـة

بقلم د. أحمد اللويزة

كثيرا ما نسمع الحديث عن الوعي وانتشار الوعي وفقدان الوعي ويقظة الوعي وهلم جرا. وكثيرا ما يرتبط هذا الوعي عند كثير من واصفيه بالاحتجاجات والاعتصامات والمطالب الحقوقية التي ينادي أصحابها باقتسام الثروة، والوظيفة والعمل، والسكن، والتطبيب،والإدارة الجيدة، والبنية التحتية الممتازة…، في لائحة طويلة لا تنتهي، كلها لا تخرج عن مطالب دنيوية محضة.
المحللون الذين ينظرون بمنظار دنيوي محض أو مشوب بأخروي أحيانا قليلة جدا يعتبرون هذه الأمور دليل على يقظة الوعي لدا الشعوب والشباب والأطفال حتى.
وفي كل مرة تنظم القصائد وتسبك القلائد من عبارات المدح والافتخاروالانتشاء بهذا الوعي، وكم سمعنا ذلك أيام الثورات التي ما جرت إلا الخراب والدمار ومزيدا من الأزمات.
تقييم قد لا يعجب الكثير من الحماسيين وقصيري الرؤية،أو حتى من يعتبرون ذا بعد نظر واستشراف علمي وتحليل دقيق.
لكن هذه وجهة نظر أزعم أن التاريخ والشرع يؤكدها ويزكيها حين يتكلم عن الوعي الحق الذي تحتاجه الأمة،والذي يمثل المدخل الصحيح والسليم نحو نهضة علمية ودنيوية وأخروية حقة.
كيف يتحدثون عن الوعي لدا شباب الأمة التائه بين مبارياتالكرة وملاعبها، الهائم بين دروب الشهوات وملذاتها، الغارق في أوحال الرذائل وهمومها، المكبل بقيود الأفلام وسلاسل الغناء وحبال الإعلام الفاجر.
أي وعي نتحدث عنه في ظل جرأة زائدة على ارتكاب المعاصي والمجاهرة بالقبائح وعلى المباشر، وهرولة إلى الإلحاد والكفر، وجرأة في انتقاص شرائع الدين والتهوين من سنن سيد المرسلين.
أي وعي في ظل تفكك العلاقة بين الأبناء والآباء، وتخلي الآباءعن المسؤولية، بل انخراط كثير منهم في مسلسل ضياع الأبناء وانحرافهم عن الوعي الحق.
لا ينكر عاقل أننا نعيش حالة من التيه والضياع فقدنا فيها جل مقومات الهوية القائمة على الدين والعقيدة، تيه وضياع وغفلة لم يسلم منه إلا القليل والناذر.
فبأي منطق يتحدثون عن عودة الوعي.
إذا كان الوعي هو الإحساس بالذات والهوية والكينونة، والعمل على إثبات وجودها في الواقع الذي يعيش صراع الذوات والهويات والحضارات،فما الوعي إذن وما تجلياته التي تجعلنا نتكلم عن عودة الوعي فعلا لدى الأمة الإسلامية عموما والشباب خصوصا؟
إن العقيدة هي المتدخل الأساس في تشكل الوعي وإثبات الذات عند الإنسان عموما بله المسلم، فالإسلام إذن عقيدة وشريعة هو المرتكز في بيان حقيقة هذا الوعي.
فالوعي الحق حينيعي الشباب بمقومات العقيدة،يتشربها القلب ويعيها العقل،توحيدا وتنزيها وانقيادا وإخلاصا.
الوعي حين يعود الشباب إلى القرآن قراءة وتدبرا وامتثالا.
حين يعودون إلى السنة قراءة وفهما والتزاما.
حين يعتزون بالإسلام قولا وفعلا ودعوة ونشرا.
الوعي حين يتحرر شباب الأمة من قيود الهوى والشهوات.
الوعي حين يملأ الشباب المساجد بالصلاة والخشوع.
ويملأ مجالس العلم بالتفقه والتعلم.
الوعي حين يضبط المسلمون عقارب ساعة حياتهم على الكتاب والسنة.
الوعي حين تلتزم نساء الإسلام بالحشمة والعفة ولباس الوقار.
الوعي حين يتحلى المسلم منا بالصبر والتحمل لأقدار الله.
الوعي حين يصير الدين والعقيدة مقدم على الخبز والماء والماديات.
الوعي حين يضحي الشباب بالدنيا من أجل الدين…
إن الوعي في هذه الأمة عريق، ففي كل مرة تنتكس فيها الأمة ويتداعى عليها الأعداء، لا تنهض ولا تنتفض ولا تعيد لها مجدها وعزتها وكرامتها إلا بالوعي الذي بينت بعض مظاهره، فلم تتشكل قوة تعيد للأمة كرامتها وعزها إلا بشحذ عزائم الدين وإيقاد شعلة العقيدة حتى تعي الأمة حقيقتها ومكانتها وقوتها التي تؤهلها لتكون في المقدمة.
ولنقرأ التاريخ؛ قصة البطل الصحابي ربعي بن عامر مع رستم قائد جيش الفرس وكيف كان يخاطبه بوعي يمتح من العقيدة ويعتز بالإسلام،يعطيه مهابة على تواضعه في نفوس من تشرب الكبر والعظمة من عساكر الفرس وقائدهم، وقصة البطل صلاح الدين الأيوبي الذي لم يتجه نحو بيت المقدس لتطهيرهإلا بعد إيقاظ الوعي النائم لدى الأمة بإرجاعها إلى الدين محرك الوعي ووقود وعنوانه، والشواهد أكثر من أن تحصر.
فلم تزل الأمة عبر التاريخ مهابة الجانب مصانة العرض ومقدرة القوة ما دامت تعيش الوعي الحق وترعاه بالعلم والمعرفة، في المساجد والمنابر وحلقات العلم وفي المجالس الخاصة والعامة، بالتأليف والكتابة والتدريس والتشجيع على ذلك.
هذا الذي نفتقده اليوم للأسف، وجعلنا الوعي مرتبط فقط بالانتفاض من أجل مطالب دنيوية زائلة لا تقدم ولا تؤخر في تحقيق الكرامة ما دامت منفصلة عن خدمة الدين والعقيدة.

(المصدر: هوية بريس)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى