مقالات

الوصايا السبع لطالبي اﻹقامة في بلاد الغرب

بقلم د. عبدالسميع الأنيس

((يا عباد الله اثبتوا!)):

تأمَّلت في هذا الكلمة النبوية، والوصية الجامعة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم في عصر الفتن الكبرى، والمآسي العظمى، فرأيت فيها البلسم الشافي، والدواء الكافي لما ينزل بالعباد، ويحيط بالبلاد.

ولعل من آخر هذه المآسي: هذه الهجرةَ الجماعية من بلادنا إلى البلاد الغربية، وكان عليهم أن يبحثوا أولاً عن بلد عربي، أو إسلامي، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وشيء آخر مهمٌّ: فإن كثيرًا من المشجِّعين على اﻹقامة في الغرب، والمباشرين لها، لم يلتفتوا إلى عظم الدين الذي أكرمهم الله به في البلدان اﻹسلامية، ولا شعائر الإسلام الظاهرة فيها: كسماع الأذان، والصلاة، وصلة اﻷرحام، وصحبة الصالحين، وحجاب نسائهم، وحفظ بناتهم، ولم يتنبَّهوا إلى ما في تلك البلدان من مظاهر الكفر، والعري، وقوامة المرأة، وتحكُّم الأنظمة بأولادهم، وراحوا يعظِّمون بعضَ اﻷمور الدنيوية؛ كالعلاج، والتأمين الاجتماعي، وبعض مظاهر التَّرَف والرفاهية!

وأضع بعض الملاحظات حول هذا اﻷمر المهم:

أولاً: إن كثيرًا ممن يُفكِّر في الهجرة إلى الغرب، دافعُه دنيوي بالدرجة اﻷولى، وهم ربما يجدون ما يأملون ولو بدرجات متفاوتة، ولكن ربما ينسى أو يتناسى مشكلات الحياة في الغرب، ومخاطرها في عدد من الجوانب:

1- منها: أمور الدين واﻹيمان، ومخاطر ذلك على اﻷجيال أصبحت واضحة.

ومن شعر بالخطر على نفسه أو على أولاده، فعليه بالعودة إلى بلد يحفظ فيه دينَه؛ وإن الدراسات الاجتماعية تقول: إن الجيلَ الثانيَ يذوب في الغالب، وأما الجيلُ الثالث، فيذوب حتمًا ويضيع.

2- ومنها: مشكلة الغذاء؛ فالغذاء الحرام يكاد يدخل في كثير من اﻷغذية، ولا تسأل عن أثر ذلك في القلوب واﻷجساد، ومن ثَمَّ في اﻹيمان والدين!

ومن ابتُلي بالهجرة، ينبغي ألا يَتهاون في مسائل الحلال والحرام: من طعام، وشراب، ولباس، واختلاط، ومعاملات مصرفية، وعادات وسلوكيات وقيمٍ مخالفة لقيم اﻹسلام، ومبادئه.

3- ومنها: اﻷموال المشبوهة التي تُعطَى لهؤلاء، فمصدرها غالبًا الضرائب وغير ذلك! وعليه أن يبحث عن عمل يتوافق مع قواعد الشرع الحنيف.

وعلى أهل العلم توعية المسلمين، فكثيرٌ منهم لا يعرفون هذه المخاطر، وأن يبصّروهم بأهمية استحضار النية الخالصة في مثل هذا العمل الخطير!

ثانيًا: “الإقامة في ديار الكفر كالميتة، لا تجوز إلا لمضطر”؛ كما يقول الشيخ محمد هشام البرهاني رحمه الله، والضرورات تقدَّر بقدرها، ومن ذلك: الدعوة، أو التطبُّب، أو التعلم، أو التعرض للظلم الشديد، ولا ملجأ له إلا تلك البلاد.

ومن ابتلي بذلك فليحرص على أن يكون مع مجموعة من المسلمين الملتزمين، يذكّرونه إن نسيَ أو غفل.

وأن ينوي العودة إلى ديار الإسلام بعد انتفاء الضرورة التي خرج لأجلها.

ثالثًا: الترويج للهجرة له أهداف، منها:

1- استهداف أولادنا، فهناك خطط وضعت للجيل اﻷول، فضلاً عن الجيلين الثاني والثالث من اﻷبناء والحفدة!

إن اﻹقامة في الغرب لها مشكلاتها، وهي مغامرة فيها مخاطرة، وتنطوي على مقامرة بمستقبل دين اﻷجيال، وهي جزء من مؤامرة على المسلمين، ولا سيما العرب منهم، ومن ابتلي بالهجرة فعليه الحذر الشديد في تربية أبنائه!

2- ومنها: استقطاب أصحاب التخصُّصات العلمية، وهؤلاء هم ذخيرة اﻷمة، وقد أُنفق في تأهيلهم المليارات!

رابعًا: هذه اﻷعداد الضخمة من المهاجرين، مَن سيشرف على تعليمهم الشرعي، وتوعيتهم بمخاطر الحياة الغربية بكل تجلياتها، من اللباس، والغذاء، وعدم التديُّن، وفقر التثقيف الشرعي؟! فكثير من تعاليم الإسلام يتعلُّمها المسلم من مجتمعه، فمن سيعلِّمه هناك؟

ومن ابتلي بذلك، فعليه الاتصال بمن يطمئن لدينه؛ لمتابعة هذا اﻷمر.

خامسًا: وأما محاولات بعض الكُتَّاب المتفائلة، كمن كتب يقول: نعم للهجرة لأوروبا! فجوابي عنها:

أنا أتفهَّمُ هذه الروح المتفائلة، ولكن ما يجري التحضير له من تفريغ بلادنا، وضياع أجيالنا، ورميهم في المجهول – يتجاوز هذا التفاؤل!

ومع ذلك ينبغي على المسلم أن يكون سفيرًا للإسلام في تلك البلاد تطبيقًا وسلوكًا، وداعيًا إليه بحاله وقالِه.

سادسًا: إن الذاهبين قد خرجوا بنفس منكسرةٍ، ولم يُدخلوهم إلا بذلة وصَغار!

والنوايا عند كثيرين معلة، وهي الدنيا! فأين هجرة هؤلاء من هجرة سلفنا الذين خرجوا بنفوس مؤمنة قوية بقوة اﻹيمان واليقين.

ولهذا دخلوا أعزة، وبنوايا صادقة، فنشروا دين الله تعالى، ومكَّن الله لهم بصدقهم في القصد، وإخلاصهم في العمل، وعلى المسلم محاولة الاقتداء بهم، والسير على منوالهم.

سابعًا: نحن نعيش في عصر غريب، ويمكن أن نطلق عليه: العصر الذي يُمهِّد لظهور الدجال – والله أعلم – بعد ظهور هذا الكمِّ الهائل من الدجاجلة!

ولهذا؛ كان على البقية الباقية من أهل العلم والدين والبصيرة، أن يرفعوا شعار: ((يا عباد الله اثبتوا)) وهي الوصية التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن الدجال اﻷكبر!

وصدق الله القائل: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى