مقالاتمقالات مختارة

الواجب الشرعي تجاه انتفاضة الأقصى الشريف

الواجب الشرعي تجاه انتفاضة الأقصى الشريف

بقلم د. عثمان محمد بخاش

ليست هي الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في 1987 ثم انتهت في 1993  باتفاقية أوسلو الخيانية، وليست هي الانتفاضة الثانية التي اندلعت على إثر اقتحام شارون للمسجد الأقصى في 28 ايلول 2000 والتي انتهت بتوقيع اتفاقية قمة شرم الشيخ بين محمود عباس (رئيس منظمة تسليم فلسطين للصهاينة)

فما عسى “انتفاضة الأقصى الثالثة” أن تحقق؟ بخاصة في ظل “التحذير الأخير”  الذي وجهه محمد الضيف (الثلاثاء 4-5-2021) القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس للاحتلال،و قال فيه: “إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”؟

هل أراد الضيف التهديد بأن ما لدى كتائب القسام من أسلحة كفيلة بقلب الطاولة على الصهاينة و جعلهم يدفعون ثمنًا باهظًا لا قبل لهم به في حال لم يتوقف عدوان قطعان المستوطنين المدعوم من جيش صهيون ؟ وإذا كان الأمر كذلك، أي وجود اسلحة نوعية كفيلة بقلب الطاولة، فالسؤال المشروع ماذا ينتظر الضيف لاستخدامها؟ هذا يذكرنا، شئنا أم أبينا، بصواريخ “ما بعد بعد حيفا” التي سبق لزعيم حزب إيران في لبنان “الإرهابي حسن نصر الله ” أن هدد بها صهيون، وانتهى الامر بجعجعة من غير طحن…إلا إذا اعتبرنا ان تسوية المدن السورية على رؤوس أهاليها هي ثمرة هذا التهديد الخرافي!

وقد راهن كثيرون على أن تزامن انتفاضة الأقصى الثالثة مع يوم القدس العالمي الذي يحتفل به قادة طهران  سيدفعهم إلى تحقيق وعدهم بتحرير الأقصى الشريف من رجس صهيون، أو، في أضعف الإيمان، إطلاق بعض المفرقعات على أهداف “متفق عليها” ولو من قبيل ذر الرماد في العيون وحفاظًا على الحد الأدنى من ماء وجه نظام طهران، إن كان تبقى منه شيء بعد الإجرام الأسود الذي مكنتهم منه أمريكا_الشيطان الأكبر، في سوريا والعراق واليمن. ولكن شيئًا من هذا لم يحصل!

نعم نطرح هذه الأسئلة المشروعة وأيدينا على قلوبنا من أن تنتهي الانتفاضة الثالثة كما انتهت الانتفاضتان  الأولى والثانية!

لقد أصبح جليًا لكل ذي بصيرة أن تحقيق الواجب الشرعي بتحرير القدس الشريف وسائر ديار فلسطين لا يتم إلا بقرقعة السلاح حين تنطلق الجيوش ملبية نداء الواجب المفروض ، ولكن البعض يعترض بأن هذه الجيوش لا أمل فيها يرتجى بعد أن أثبتت الوقائع أنها مجرد عصابات سخرها الحكام لحماية عروشهم المعوجة، وخدمة أرباب نعمتهم في الغرب؟

مع ذلك لا يمكننا إلا التذكير بالواجب الشرعي الذي أوجبه رب العالمين على المسلمين جميعًا..وهذا شبيه بالحكم الشرعي في تحريم الربا المنتشر في ديار المسلمين شرقا وغربا، أو غيره من سائر المنكرات…نحن نتذكر أن الصليبيين احتلوا القدس الشريف قرابة  90 عامًا، وأن المغول عاثوا في الأرض فسادًا وإفسادًا، واجتاحوا عاصمة الخلافة بغداد وجرت الانهار بدماء المسلمين.

ولكننا أيضا نتذكر أن الأمة استعادت رشدها، وتمكنت من دحرا الصليبيين وهزيمتهم هزيمة منكرة، وأن الأمة لم “تطبع” معهم يوماً ولا ساعةً، وإنما بقي حكم التعامل معهم الأصل الشرعي باعتبارهم غزاة معتدين، وبقيت حالة الحرب والصراع معهم قائمة رغم ما تخللها من هدن، حتى تمكن المسلمون من إعداد ما يلزم لتطهير البلاد من دنسهم..وكذلك رغم ما قدمت الأمة من تضحيات جسام في مواجهتها لخطر المغول الساحق إلا أنها حين حزمت أمرها تمكنت من هزيمتهم شر هزيمة في معركة عين جالوت .

والفائدة في هذا التذكير موجهة إلى أصحاب صواريخ ما بعد بعد حيفا أو صواريخ القسام وأضرابهم في الجيوش، فعلى الأمة واجب شرعي  بتحريض القادرين على تحرير الجيوش من أوامر الحكام الخونة، بل وخلع هؤلاء الحكام، الذين بانت خيانتهم لقضايا الأمة، ولو كان لهم أثر يذكر لما تجرأ ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة، وعلى  قادة الجيوش الانحياز الى صف الأمة في بذلها الغالي والرخيص طلبًا لمرضاة الله والفوز بشرف تحرير البلاد من هيمنة هؤلاء الحكام المجرمين ، ومن ثم تحرير الأراض المحتلة من عصابات الصهاينة وشراذمهم من شذاذ الآفاق.

والحق سبحانه يقول: (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ )

وقديمًا قال أبو تمام :  

السيف أصدق أنباء من الكتب … في حدِّه الحد بين الجد واللعب

وقال عبدالله بن المبارك:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا       لعلمت أنك في العبادة تلعب

 من كان يخضب خده بدموعه      فنحورنا بدمائنا تتخضّب

إن الواجب الشرعي تجاه الأقصى المبارك والقدس الشريف، وسائر ديار فلسطين، لا يقف عند الدعاء والابتهال إلى المولى سبحانه أن يتنزل بملائكته على المرابطين في الأقصى الذين ابرأوا الذمة في مقارعة الصهاينة بصدورهم العارية رجالا ونساء شيبًا وشبانًا، بل يقف فقط حين يتم طرد قطعان اليهود و دحرهم وارجاعهم من حيث أتوا سواء أحياء أو أمواتا.

و حيث إن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” فأولى الواجبات هو في خلع الحكّام الذين يحمون كيان صهيون من أول يوم، وكل جهد، مهما ضؤل، يجب أن يصب  في تحقيق هذا الهدف؛ عندها فقط تقصر مدة المعاناة، ونخرج بأقل التضحيات للفوز بشرف تحرير الأقصى المبارك والقدس الشريف….وغير هذا فهو إطالة للمعاناة ، وتبقى الأمة آثمة حتى يتم تحقيق هذا الواجب، فقضية فلسطين قضية الأمة كلها، والواجب الشرعي يقع على عاتق الأمة لنصرة أهل فلسطين ، وهي تملك من الطاقات والقدرات ما يمكنها من رفع نير الاحتلال و تحرير الأرض المحتلة، ولا يقبل منها مجرد الدعاء والتمني على رب العالمين بنصرة المستضعفين.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى