النقد الحداثي للإسلام.. هل يستندون حقا على العقل والمنطق؟
بقلم السهلي بوغيدة
إن المتابع لخرجات الحداثيين وطعونهم في الإسلام ومقدساته ورموزه يدرك جيدا جهل هؤلاء ومخالفتهم للمنطق والعقل الذي يدعون الإيمان به، ولو آمنوا حقا بالعقل السليم الفطري لسلمت لهم معتقداتهم وأفكارهم ولما وقعوا في التيه وانجروا إلى الظلامية والتطرف والفكر الاستئصالي الذي لا يقبل بالآخر ولا يحترم معتقد الآخر ومقدساته. ومن أشهر الأخطاء والسقطات التي يقع فيها الحداثيون من العلمانيين الشيوعيين ومن لف لفهم هناك ثلاثة أخطاء وقفت عليها من خلال قراءة كتاباتهم ومتابعة خرجاتهم الإعلامية، علما أنه توجد أخطاء كثيرة تحتاج لتصحيح ومن هذا الأخطاء نذكر:
1- رفضهم تسمية أهل العلم الشرعي ب -العلماء- والقول بأنهم -فقهاء- وحجتهم في ذلك أن العلماء هم علماء الفيزياء والعلوم الكونية، وهذا خطأ كبير فالعلم من تعريفاته اللغوية هو: المعرفة بالشيء أو إدراك الشيء على حقيقته. وعلم الدين والشرع علم قائم بذاته يحتاج إلى إدراك ومعرفة وإقصائهم لهذا العلم واعتبارهم إياه مجرد – فقه – كما يحلو لهم أن يقولوا مخالف للمنطق والعقل السليم قبل النقل وما استقر عليه العلماء قديما وحديثا، فمخالفته للمنطق والعقل تظهر في أن هذه الدعوى فارغة غير معقولة فكل ما يحتاج إلى جهد ودراسة وبحث وحفظ فهو علم وهؤلاء لم يدركوا حقيقة علم أو علوم الشريعة باعتبار أنها علوم مختلفة يكمل بعضها بعضا ولا تقبل التجزئة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فتسميتهم العلم الشرعي -فقها- فيه مغالطات يدركها أهل العلم وطلبته والباحثون فيه جيدا، لأن تعريف الفقه لغة هو: العلم بالشيء وفهمه ومعرفته معرفة جيدة. وهو أخص من العلم.
وهؤلاء بتسميتهم العلماء فقهاء لم يدركوا حجم الفرق بين الفقه باعتباره فهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها من أدلتها التفصيليّة في القرآن الكريم والسنة النبوية وهو العلم الذي يلعب فيه الاجتهاد واستعمال العقل دورا مهما في المسائل التي لم يرد بشأنها نص من الكتاب والسنة والإجماع، وبين باقي العلوم الشرعية الأخرى كالعقيدة والحديث والتفسير التي لا مجال للاجتهاد فيها إلا نادرا وبالأخص علم العقيدة الذي لا يخرج عن الكتاب والسنة كمصدرين من مصادر التشريع الإسلامي.
ومن الغباوة بمكان أنهم رفضوا تسمية علوم الشريعة علوما وتسمية أهلها والمشتغلين بها علماء وفضلوا تسميتهم ب-الفقهاء- كأنهم اعتقدوا من خلال فهمهم أن الفقه مجرد أفكار وآراء تخالج صاحبها فيدلي بها دون أي منهجية أو قيد وهذا من المضحك المبكي في آن واحد فالفقه من أصعب علوم الشريعة باعتباره يحتاج إلى ذكاء وفهم ونظر ثاقب وليس كما يظنه بعض الجهال رأيا محضا.
2- وهذا خطأ يقع فيه حتى كثير من غير الحداثيين ويمتاز به الحداثيون بشكل كبير وهو اعتبار أن المسلمين متناقضون لأنهم يستوردون ويستعملون وسائل الغرب وصناعاته التكنولوجية وغيرها في حياتهم اليومية وينكرون على الغرب باستعمال هذه الوسائل، وهذا من أكبر ما وقفت عليه ومما يمثلون به على ذلك قولهم أن الحاسوب والهاتف صناعة غربية ولولا الغرب لما كان المسلم ليدخل على الفيسبوك أو التويتر ويطعن في معتقد النصراني أو اليهودي الذي وصل في نظرهم لقمة الحضارة والتقدم العلمي الدنيوي.
وهذا من أسفه ما سمعت منهم وهو جهل مركب بعيد عن التعقل والفهم الصائب لأنه أولا لا تلازم بين التدين الصحيح المنافي للشرك والوثنية والتطور العلمي التكنلوجي والحضارة المادية فالمسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يستعملون وسائل أهل الكفر وذلك من خلال رحلاتهم التجارية إلى الأمصار البعيدة ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولم يثر كلام حول هذه المسألة، ومع بناء دولة الإسلام وتوسعها من خلال فتح بلدان كثيرة وتطور حياة المسلمين وظهور مظاهر الحضارة عندهم ظهر فيهم علماء كبار في مختلف العلوم الكونية كالفلك والطب والفيزياء وبرعوا في ذلك ومن هؤلاء العلماء من استفاد الغرب من تجاربهم واستثمرها ولا زال يعتمد عليها ليومنا هذا.
وبما أن هؤلاء ينتقصون الفقه الإسلامي ويرون أنه لا يساوي شيئا أمام العلوم الكونية فيجب أن يعلموا أن القانون المدني الفرنسي مستمد من مدونة نابليون المستمدة بدورها من شرح الدردير على مختصر خليل وهو كتاب فقهي لفقيه مسلم هو خليل بن إسحاق المالكي، وبما أنهم ينتقصون الفقه فالأولى أن ينظروا إلى مصدر القانون المدني للدولة التي يرونها مثالا للرقي والتقدم الحضاري.
ومما سبق يتأكد لنا أنه لا تلازم بين التدين والعلم الكوني ولا يفهم من هذا الكلام أن الإسلام ينهى عن البحث في العلوم الكونية والتجريبية ويحصر العلم في الشريعة والفقه والحديث.. فالإسلام لا يمنع من التطور الحضاري والتكنولوجي وإنما المنهي عنه هو الانغماس في الجانب الحضاري والانشغال عن الجانب الروحي الإيماني مثل الانبهار بحضارة الغرب وإدخال أهله في دائرة الإسلام والقول بأن علماء الفيزياء الغربيين سيدخلهم الله الجنة بأعمالهم الدنيوية التي خدمت البشرية، نعم قد يكون هؤلاء خدموا البشرية من خلال اختراعاتهم التي سهلت الحياة في شتى جوانبها لكن انعدام صفة الإيمان فيهم تجعلنا لا نقر لهم بالجنة ولا الشفاعة، وتجب الإشارة أن هذا الحكم حكم ربنا فيهم وليس اجتهادا فقهيا.
يقول بعض الحداثيين أن المسلمين يعتبرون استعمال الصناعات المعاصرة “كالهاتف والحاسوب والطائرة” بدعة وذلك قياسا على قول المسلمين ببدعية الإحداث في دين الله ما ليس منه، وهذا أيضا خطأ يقع فيه كثير من غير الحداثيين
وهناك مسألة أخرى يجب التنبه لها فالذي يقول أن المسلمين يستعملون وسائل الغرب المادية يجب أن يعلم أن الغرب لا يتبرع بهذه الصناعات على المسلمين حبا في سواد أعينهم، ففي جميع الحالات فإن هذه الصناعات إنما صنعت من أجل تحقيق الكسب المادي وإذا لم تصدر للبيع فما الفائدة من صناعتها وبالتالي فنحن نشتريها وندفع فيها مقابلا وحق لنا أن نفعل بها ما نشاء ولو كان نقد المعتقدات المخالفة للإسلام وبيان ضلالها والرد عليها بعلم وحجة وبيان.
3- وهو قول لا يقل سفاهة عن الأول وهو قولهم أن المسلمين يعتبرون استعمال الصناعات المعاصرة بدعة وذلك قياسا على قول المسلمين ببدعية الإحداث في دين الله ما ليس منه، وهذا أيضا خطأ يقع فيه كثير من غير الحداثيين حيث يفهمون أن نهي الشريعة الإسلامية وعلماء الإسلام عن الابتداع في دين الله ما ليس منه استنادا لقول النبي صلى الله عليه كما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). رواه البخاري ومسلم.
والحديث ليس كما فهمه هؤلاء وليس كما فهمه كذلك بعض الناس ممن لا يحسبون على التيار العلماني الحداثي وإنما المقصود في الحديث هو الإحداث في الدين لا في أمور الدنيا لأن الأمر في الحديث هو الدين الإسلامي وبذلك يبطل قول من قال أن الهاتف الذكي والحاسوب والسيارة والطائرة بدع محدثة فهذه الأمور لم يرد بشأنها نهي في الشرع وكما في الحديث الذي رواه أبو داود وأحمد وعلقه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل واشرب والبس وتصدق في غير سرف ولا مخيلة) فالأمر كما في هذا الحديث أن الأمور الدنيوية الأصل فيها الإباحة بشرط عدم الإسراف والتكبر.
هذه بعض الأخطاء والسقطات التي يقع فيها هؤلاء القوم أحببت الإشارة إلى بعضها ولا يسع المقام لذكر جلها، وهدفي من كتابة هذا المقال هو محاولة توضيح ورفع الالتباس عن مثل هذه الأمور لكي يكون من يعتقد بهذا الفكر على بينة من أمره ولا يبقى في خطئه وجهله، فما وفقت فيه فبفضل من الله وما لم أوفق فيه فبتقصير من نفسي ومن الشيطان والله المستعان.
(المصدر: مدونات الجزيرة)