مقالات مختارة

الناس معادن

بقلم يحيى بن إبراهيم الشيخي

كثير من الناس يغتر بما يراه من مظاهر برّاقة، وقد يفتتن بها كثيراً، وربما لو كشف له عن الباطن المخفي فيها لتغير إعجابه بها إلى الضِّد من ذلك، فالخاطب لا يرغب إلا في الجميلة الحسناء، والبنت لا تتمنى إلا الوسيم أشقر العينين، ولا تريد غير ذلك.

وكثير من هؤلاء المخدوعين بالمظاهر، عندما تحقق لهم ما أ رادوا، ربما ندموا كثيراً وتمنوا عدم تحقيق تلك الأمنيات.

إذا فالناس معادن، فكما أن المعادن لا تخرج إلا بالتنقيب عنها من داخل الأرض، فكذلك البشر لا يعرفون إلا بالتنقيب عن طرق التجريب، صحيح قد يكون مظهر بعضهم غيرَ مرغوبٍ فيه، ولا مرضي، وإن كان الجمال مطلب لكل إنسان، والله جميل يحب الجمال ، إلا أنه قد تتغلب بعض الظروف على بعضهم فيكون هذا حاله، وهذه طبيعته، ولكنَّه يحمل في جوفه قلباً أبيضَ، ونية صافية أصفى من الماء، وسريرة بينه وبين الله، تستجاب بها دعوته، وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “ربَّ أشعثَ أغبر ذي طمرينِ مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه”. أو كما في الحديث.

والقلوب التي في الصدور كالجواهر المكنونة، التي لا تعرف قيمتها إلا إذا أخرجت من مكنونها، فالمظهر ليس بدليلٍ قطعي على المخبر، وقيمة الناس عند الله بالقلوب لا بالمظاهر والأجسام، وكما في الحديث “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم”.

والعجيب أن القلوب هي الميزان عند الله في الدنيا، ويوم القيامة لا يدخل الجنة إلا صاحب القلب السليم، كما قال عز وجل:﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

فالناس لا تعرف إلا عند الضيق، والحاجة، والمحن، والشدائد، وعند الكروب والحروب، فلا يغرنك أخي الحبيب لمعان البرق حتى يمطر، ولا هتان المطر حتى يسيل، فكم من مليح فصيح كاذب، ومن كسير الثنيتينِ دليع اللسان صادق، والمخادعون بمظاهرهم كثير، لا يعرفون إلا وقت الخذلان على نهج ابن أبيّ، عندها تنكشف الحقيقة ويعرف الصادق من الكاذب، وصدق الشاعر:

إن الأفاعي وإن لانت ملامسُها ♦♦♦ عند التقلب في أنيابها العطبُ

فيا أخي الحبيب، كن رجلاً حصيفاً، واجعل للناس معايير تعرفهم بها من أول المشوار حتى تختصر الطريق على نفسك، والله يرعاك.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى