المُصْلحون… والشياطين الخُرْس! – د. عبد العزيز الفضلي
يُعْتَبَر المُصْلحون في المجتمعات الواعية من خِيرة أبناء البلاد.
وخَيْرِيّة المصلحين تنبع من أنهم قومٌ لا يُفكّرون بأنفسهم فقط، وإنما لحُبّهم الخير لكل من حولهم.
لذلك تجدهم على استعداد بالتضحية بمصالحهم الشخصية من أجل المصلحة العامة.
ولا يقوم بذلك إلا كرام الناس، من أصحاب المروءة والشهامة والتضحية.
فكم من المغريات والمنح والعطايا التي عُرِضت على هؤلاء المصلحين من جهة بعض المفسدين، كثمن لسكوتهم على بعض الفساد بمختلف صوره وأشكاله، لكنّهم أبوا أن يبيعوا ضمائرهم أو يُدنّسوا تاريخهم، من أجل حُطام الدُنْيا.
وكم تعرض العديد من هؤلاء المصلحين إلى الأذى في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وأهليهم، كالسجن والاعتقال، أو التهجير والنفي، أو الطرد من الوظائف، أو الإصابة بالإعاقات الدائمة من أثر الاعتقال والتعذيب، أو تشتت أسرهم، أو الطعن والتشويه في أعراضهم.
ومع ذلك تراهم ثابتين على مبادئهم كالجبال الرواسي، التي لا تُزحزحها الرياح العاتية.
وهم بذلك يحتسبون الأجر والمثوبة من عند الله، ولسان حالهم:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام
إن المصلحين في مجتمعاتهم كالشموع التي تحترق لتضيء للآخرين الظلام.
وهم نجوم تتلألأ في السماء لتدل التائهين إلى طريق النجاة.
ومن الحقائق المعلومة أن المصلحين صمّام أمان للمجتمعات، من أن ينزِل بها سخط الله وغضبه بسبب انحرافهم عن الدّين والأخلاق والقيم والمبادي… «وما كان ربُّك لِيُهْلك القرى بظُلْمٍ وأهلها مُصْلِحون».
إن المصلحين هم أكثر الناس حُبّا وولاءً وإخلاصاً، ووطنية وتضحية لبلادهم ومجتمعاتهم.
لذلك لا يُقبَل أبداً من أي طرف كان أن يتهمهم في ولائهم أو وطنيتهم، فقط لأنهم وقفوا في وجه الفساد أو حاربوا أصحابه.
السادة القراء: عندما أتحدث عن المُصلحين فلا أريد أن ينحصر تفكيرنا على الدّعاة والعلماء ومشايخ الدين!
فكلمة الإصلاح أشمل من ذلك، فقد يتولّى عملية الإصلاح السياسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي…
لا تخافوا على المصلحين الصادقين، لأن لسان حالهم هو ما قاله ابن تيمية: «ماذا يصنع أعدائي بي؟ إن جنّتي في صدري أينما ذهبت فهي معي، فسجني خَلْوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة في سبيل الله».
إنما المرء ينبغي أن يخاف على نفسه عندما يرى الفساد والمنكر بمختلف صوره وأشكاله، ثم لا يُنْكره لا بيده أو لسانه أو حتّى قلبه!
فتنطبق عليه مقولة: «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
(المصدر: صحيفة الراي الالكترونية)