المنــافـق .. بين فقد الإيمان وفقد الرجولة
بقلم محمد عبد النبي
صفات المنافقين تزخر بها آي الكتاب العزيز، ونصوص السنة الشريفة، والمقصود بالنفاق – في الإطلاق القرآني- النفاق الإعتقادي، الذي هو- عند الله- أخطر وأسوأ من الكفر، لأن فيه إسرارا للكفر وإعلانا للإسلام، والله يعلم هذا وذاك، وتكمن الخطورة فيه في التعامل مع البشر، فليس لديهم دليل يقطعون به على سوء الطوية، والمسلمون إذ يكِلون المنافقين إلى ظاهر يعلنونه فإنما هو الخوف من التألّي على الله، وتربية المؤمنين على ضرورة الالتزام بما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، من وجوب التعامل بالظاهر، وفيه من ضبط للأعصاب أن تنفلت، والتسامي على غرائز التشفي والانتقام أن تنطلق: ما يفيد في إخماد أي فتنة قد تطلّ بقرنها، ومن الحذر من إطلاق الأحكام، التي قد تبدأ “بمنافق” مفترض، لتنتهي بمؤمن حسن الإيمان، لمجرّد أن بدت منه أمارات لا يرتضيها المتسرِّعون.
أخرج الإمام البخاري (4/178) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “..وتجدون شر الناس ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه”.
وأخرج الإمام مسلم (4/2146) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة“. والشاة العائرة: “يعني المترددة بينهما لا تدري أيتهما تتبع” كما ذكر المازري في المعلم (3/343).
عُني القرآن بفضح المنافقين على الملأ، وكشف أستارهم، وما يقولونه عن المؤمنين حين يخلون بحُماتهم من الكفار، كما أنه ساق هذه الأوصاف في سياق الذمّ والتحذير من سوء العواقب، قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}[التوبة: 64]. والشاهد أن مصطلح النفاق كان على ظاهره، من انطباقه على جماعة اختارت إبطان الكفر، والظهور بمظهر الإسلام، لكنه في حديث: “آية المنافق ثلاث..”، وحديث: “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا…”، وقد ذكر العلماء والشرّاح أن المقصود به النفاق العملي، الذي قد ينزلق إليه المسلمون؛ وأما في هذين الحديثين فقد يكون المراد التحذير من آثاره الاجتماعية، من حيث التشبّه بالمنافقين، فالذي يظهر لبعض الناس بوجه، ولآخرين بوجه آخر: لا يُقصد به النفاق الإعتقادي – وإن دلّ التمثيل النبوي عليه أصالة- وإنما يراد به مسلك لبعض الضعفاء في المجتمع المسلم، قد يقوى حينا، وقد يخفت حينا آخر، يحسبه أصحابه “خفة وشطارة..!”، وأكثر ما يظهر في عصرنا لدى بعض مَن يمتهن العمل السياسي، والحزبي منه بخاصة، حين يُرى هؤلاء مرتحلين بين هذا الفريق وبين ذاك الفريق، تبعا لمصلحة يرونها جديرة بالاستجلاب، أو لضرر يُقدِّرونه حريّا بالاجتناب!
قال الطيبي في شرح المشكاة (2/510): “ضرب النبي عليه الصلاة والسلام للمنافق مثل السوء، فشبه تردّده بين الطائفتين من المؤمنين والمشركين تبعا لهواه، وقصدا لغرضه الفاسد، وميلا إلى ما يبتغيه من شهواته: بتردد الشاة العائرة، وهي تطلب الفحل فتتردد بين الثلتين، فلا تستقر على حال، ولا تثبت مع إحدى الطائفتين، وبذلك وصفهم الله عز وجل في كتابه فقال عز من قائل:{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء: 143]؛ أقول: وخص الشاة العائرة بالذكر إدماجا، بمعنى سلب الرجولية عن المنافقين، من طلب الفحل للضراب”.
ومعنى ما سبق أننا لو اكتفينا بذكر أهم ما يتميّز به المنافق من كفر وجحود – بالرغم من إظهاره للإسلام- فقد لا يسيئه هذا الوصف، وقد يعتبره من مفاخره، لأنه يدرج الصراع – حينئذ- بينه وبين رب لا يؤمن به أصلا، أما حين يوصف بين الرجال بأنه متردِّد، ولا يستطيع الحسم في مواقفه فإنك قد تصيبه في مقتل، وإذا أُضيف إلى ذلك سلب الرجولة منه – بتشبيهه بالناقة أو الشاة التي تسعى من أجل الضراب وتتردّد بين من يقضي لها وطرها- فإنك تكون قد نلتَ ممن هذه أوصافه بين الناس.
(المصدر: صحيفة بصائر الالكترونية)