المقاومة العلمية: ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية
إعداد أحمد البهنسي
ينطوي إعداد ترجمة عبرية لمعاني القرآن الكريم على الكثير من الأهمية العلمية والثقافية؛ وذلك لكون ترجمة القرآن الكريم تحتاج لإتقان الكثير من العلوم، وتوافر العديد من الأدوات، لتخرج في النهاية ترجمة صحيحة موضوعية خالية من الأخطاء والشبهات. كما أن هذا العمل ينطوي على خطورة شديدة وحساسية بالغة؛ نظرًا لأمرين، أولهما: المكانة العظيمة التي يحتلها القرآن الكريم في نفوس كل المسلمين على مستوى أنحاء العالم بشتى مذاهبهم ومشاربهم، وثانيهما: تراث العداء والكراهية المتبادلة بين المسلمين والعرب من جانب واليهود ودولة إسرائيل ككيان سياسي من جانب آخر.
وكان للعلماء والمترجمين والمستشرقين اليهود السبق في إعداد ترجمات عبرية لمعاني القرآن الكريم، إما جزئية وإما كاملة، وذلك لأسباب تمحورت في جلها – إن لم يكن معظمها – حول الأسباب الدينية والسياسية للجدل مع المسلمين دينيًا ومحاربتهم فكريًا وسياسيًا؛ لذلك فإن تاريخ هذه الترجمات التي يمكن وصفها باليهودية لمعاني القرآن الكريم للعبرية، يضرب بجذوره إلى فترة الوجود الإسلامي في الأندلس خلال العصر الوسيط، ثم أخذ يتطور خلال مراحل تاريخية مختلفة، ليتمخض في العصر الحديث عن أربع ترجمات عبرية كاملة لمعاني القرآن الكريم.
فقد بدأت الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم في صورة جزئية، أي لبعض آيات القرآن الكريم أيام حكم المسلمين للأندلس على أيدي الفيلسوف اليهودي «سعديا الفيومي»، والشاعر اليهودي «سليمان بن جبيرول»، وكانت أول ترجمة لمعاني سورة كاملة للعبرية تلك التي قام بها الحبر اليهودي «أفراهام حسداي» من خلال ترجمته لكتاب الغزالي «ميزان العمل».
أما الترجمات العبرية الكاملة لمعاني القرآن الكريم، فتنقسم إلى نوعين، مخطوطة ومطبوعة، وبالنسبة للمخطوطة غير المنشورة، فأولها يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقام بها الحبر اليهودي «يعقوب بن يسرائيل هاليفي»، وهي محفوظة بقاعة الآثار الشرقية بالمتحف البريطاني. أما الثانية فتعود للقرن الثامن عشر الميلادي وصاحبها غير معروف، ومحفوظة بالمكتبة البريطانية بلندن. وبالنسبة للثالثة فمحفوظة بمكتبة الكونجرس الأمريكي بواشنطن، ولا تتوافر أية تفاصيل عنها.
فيما يتعلق بالترجمات المطبوعة فقد صدر أولها في مدينة ليبزج الألمانية عام 1857م، وقام بها الحبر اليهودي «حاييم هرمان ريكندروف». أما الثانية فصدرت في فلسطين عام 1937م، وقام بها المستشرق الإسرائيلي «يوسف ريفلين»، وصدرت الثالثة في إسرائيل عام 1971م، وقام بها الأديب والمترجم الإسرائيلي «أهارون بن شيمش».
أما الترجمة الأخيرة، فصدرت عام 2005 من جامعة تل أبيب، وقام بها البروفيسور الإسرائيلي أوري روبين أستاذ التفاسير الإسلامية وعلوم القرآن بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بالجامعة.
كل هذه الترجمات السابقة التي قام بها يهود، لم تكن تعكس الصورة الصحيحة لآي القرآن الكريم، بل امتلأت بالأخطاء والتشويهات والإسقاطات الفكرية والسياسية؛ ما جعل من الضروري جدًّا إصدار ترجمة يمكن وصفها بالإسلامية لمعاني القرآن الكريم.
في ضوء كل ما سبق، فإنه بات من الضروري اتخاذ فعل يمكن تسميته بـ«المقاومة العلمية» يتمثل في طرح مشروع متكامل لإعداد وإصدار ترجمة يمكن تسميتها بالإسلامية لمعاني القرآن الكريم للغة العبرية، تصحح أخطاء الترجمات اليهودية للعبرية لمعاني القرآن الكريم، وتقدم صورة صحيحة وحقيقية عن كتاب المسلمين المقدس.
لماذا نحتاج لترجمة إسلامية لمعاني القرآن الكريم للعبرية؟
هناك عدة أسباب ودوافع تقف وراء الحاجة الماسة لإعداد ترجمة إسلامية لمعاني القرآن الكريم، وهي كالتالي:
وجود العديد من الترجمات العبرية (اليهودية) لمعاني القرآن الكريم للعبرية، التي تنتمي لمراحل تاريخية وسياسية مختلفة كانت مليئة بالأخطاء والتشويهات، سواء في اللغة والمعاني، أو حتى الأفكار وترقيم آي القرآن الكريم، في مقابل غياب ترجمات (إسلامية) مقابلة، باستثناء ترجمة واحدة صدرت في فبراير 2016 على أيدي أحد مواطني عرب 48 ويدعى (صبحي عدوي)، من جانب مركز (بينات) للدراسات القرآنية، بالعاصمة الأردنية عمان، إضافة لوجود ترجمة قارب على الانتهاء منها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدنية المنورة، ولما تنشر بعد حتى الآن.
تزايد الاهتمام اليهودي والإسرائيلي بالإسلام ومصادره الأساسية، وفي مقدمتها القرآن الكريم، خلال الآونة الأخيرة، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تمخض عنها من أحداث وتطورات، وهو ما عبر عنه صراحة البروفيسور الإسرائيلي أوري روبين في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم للعبرية التي صدرت في تل أبيب 2005، والتي أشار فيها إلى أن هذه الترجمة جاءت لتلبية حاجة القارئ الإسرائيلي البسيط لمعرفة الإسلام عن قرب، وخاصة القرآن الكريم، وأنها تحاول أن تقدم صورة تعكس التصور الإسلامي العام والأكثر شيوعًا وقبولًا للمسلمين عن القرآن الكريم للقارئ الإسرائيلي.
تزايد عدد اليهود الذين يعتنقون الإسلام داخل إسرائيل سنويًا، وهذا ما أشارت إليه الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية التابعة لوزارتي الداخلية وشئون الأديان، والتي أكدت اعتناق ما يزيد عن 100 يهودي رسميًا للإسلام سنويًا، هذا بخلاف الذين يعتنقونه ولا يتسجلون رسميًا، وفق ما أشارت إليه صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر في مارس 2017، مؤكدة أن هذا العدد في تزايد مستمر، وبكل تأكيد وجود ترجمة عبرية إسلامية صحيحة وغير مشوهة عن القرآن الكريم، أمر يصب في صالح الدعوة الإسلامية الموجهة لأمثال هؤلاء اليهود وغيرهم.
كيف يمكن إصدار ترجمة إسلامية لمعاني القرآن الكريم للعبرية؟
يمكن العمل على هذه الفكرة من خلال تسليط الضوء على الجهات المقترحة التي يمكنها تنفيذ المشروع، وهي كالتالي:
يقترح أن ترعى هذا المشروع المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة «الإيسسكو» ومقرها العاصمة المغربية الرباط، وذلك لكونها الجهة الاسلامية المنوط بها إنجاز مشروعات علمية وثقافية وتربوية إسلامية مهمة، ومن الممكن أن يكون لديها القدرة والآليات لإنجاز مثل هذا المشروع، وتجنيد عدد من الجهات والمراكز البحثية ومراكز الترجمات في العالمين العربي والإسلامي لإنجازه، ومع ذلك سيكون من الضروري تعاون واشتراك جهات أخرى في هذا المشروع، وعلى رأسها جهات تابعة لعرب 48 أو العرب في داخل إسرائيل، ذلك أن العرب لا سيما من المسلمين منهم داخل أراضي عام 1948 هم الأكثر قربًا ودراية بالمجتمع داخل إسرائيل، وبالتالي الأكثر معرفة بلغته وسماتها وأحوالها وتطوراتها ودلالاتها المختلفة، وبالتالي سيكون لديهم القدرة على إنجاز ترجمات بإمكانها أن تصل للفرد العادي داخل إسرائيل وتؤثر فيه، لذا يقترح إشراك الحركة الإسلامية في إسرائيل بزعامة الشيخ رائد صلاح، والمؤسسات العلمية والتربوية والثقافية التابعة لها في مثل هذه المشروعات.
من الضروري كذلك إشراك جهات علمية رصينة في مجال التفسير وعلوم القرآن، ذلك أنه لا يمكن إنجاز ترجمة علمية وموضوعية دقيقة لمعاني القرآن الكريم من دون دراية كاملة ووافية ودقيقة بتفسير كل آية وكلمة بل كل حرف في القرآن الكريم، وفي هذا الصدد يعول على مركز «تفسير للدراسات القرآنية» بالرياض لما له من باع كبير في هذا المجال.
كما يمثل دور مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أمرًا لا غنى عنه في الإسهام بهذا المشروع، نظرًا لأن المجمع أصبحت لديه خبرة كبيرة جدًّا في مجال الترجمات الأجنبية لمعاني القرآن الكريم بشكل عام، ومن المقرر أن يصدر قريبًا ترجمة عبرية لمعاني القرآن الكريم، وفي ظني أن المجمع سيكون له إسهام كبير في إنجاز مثل هذا المشروع، سواء باختيار المختصين أو بتشكيل لجان المراجعة والتنقيح… إلخ. كما أن المجمع له مجلة علمية محكمة ورصينة لاحظت مؤخرًا اهتمامها بأمر البحوث العلمية المعنية بالترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم، إذ سيكون لي بها بحث في هذا الصدد سينشر قريبًا بإذن الله تعالى.
لا ضير كذلك من إشراك كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر الشريف في هذا المشروع، نظرًا لأن هذه الكلية بها قسم خاص للغة العبرية، والمختصون فيه يجمعون بين ميزتين، الأولى درايتهم بالعبرية نظرًا لتخصصهم العلمي، والثانية درايتهم بعلوم التفسير والقرآن الكريم نظرًا لانتمائهم لجامعة إسلامية عريقة، وهي الأزهر الشريف.
نحو خطة عمل تنفيذية للمشروع
يمكن السير وفق الخطوات التالية لتنفيذ هذا المشروع المهم:
1. التوافق الأولي والمبدئي بين الجهات التي وقع الاختيار عليها على كل مهمة تقوم بها كل جهة في كل مرحلة من مراحل إنجاز المشروع، واقترح أن يكون ذلك على النحو التالي:
أ- تتولى الإيسيسكو عملية الإشراف العام على المشروع وتنسيق المجهودات المتعلقة به، واختيار اللجان المختصة بتنفيذه، وتلقي الترشحيات المختلفة من الجهات المختلفة التي اقتُرِحَت حول الشخصيات العلمية والمترجمين الذين يشاركون في المشروع، وكيفية تنفيذه وآلياته
ب- يتولى مركز تفسير بالسعودية وكلية اللغات والترجمة بالأزهر الشريف اختيار المختصين حول تحديد واقتراح المعاني والتفاسير الدقيقة المقترحة لمعاني القرآن الكريم، إضافة إلى طرح واقتراح فريق علمي يشارك في إعداد وطرح هذه المعاني والدلالات، وآخر يراجع وينقح.
ج- ترشح جهات تابعة للحركة الإسلامية في إسرائيل، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فريق المترجمين المختصين في العبرية وفريق آخر لمراجعة عملهم وتنقيحه، لإنجاز الترجمة، وذلك بالتعاون والتنسيق مع فريق المختصين في التفاسير وعلوم القرآن.
2. ضرورة الاستفادة من كل المحهودات المبذولة في مجال الترجمات العبريبة لمعاني القرآن الكريم، سواء الإسلامية أو العبرية وغيرها، فعلى سبيل المثال يجب الإفادة من الأربع الترجمات العبرية التي أعدها يهود عن معاني القرآن الكريم، كذلك الإفادة من المجهودات في أقسام اللغات العبرية واللغات الشرقية بالجامعات العربية المختلفة حول ترجمة سور القرآن الكريم إلى اللغة العبرية، والتي أنجزت في إطار رسائل ماجستير ودكتوراه.
3. تقوم اللجان العلمية المشكلة تحت رعاية وإشراف الإيسيسكو بوضع معايير محددة ومتفق عليها فيما يتعلق بإعداد الترجمة، ترتكز على معيارين، الأول: الاتفاق بين المختصين على التفسير الأفضل والأنسب والأشمل لكل آية قرآنية، الثاني: اختيار أفضل ترجمة مقترحة لكل آية في ضوء هذه التفاسير.
4. عقد مؤتمر علمي عالمي كبير وموسع يكون في طبعتين، الطبعة الأولى تُعقَد قبل الشروع في المشروع، ويُدع جميع الجهات العلمية والبحثية ذات الصلة بها وأبرز المختصين والعلماء المهتمين به، ويهدف إلى وضع تصور توافقي حول جميع المقترحات لهذا المشروع واكتشاف عدد من الموهوبين والنشطاء المختصين والعلماء المتميزين الذين يمكنهم الإسهام بهذا المشروع، أما الطبعة الثانية له فتكون بعد انتهاء المشروع، بحيث يطرح المشروع على الجهات المختصة والمعنية، وعلى الباحثين والأساتذة المختصين لإبداء الرأي ووضع التنقيحات والتعديلات المقترحة، وبعدها يتم إخراج العمل للنور في صورته الأخيرة.
(المصدر: موقع “إضاءات”)