المعماري سنان.. مسيحي أسلم وأبدع أعظم أعمال العمارة الإسلامية
إعداد عمران عبدالله
عن عمر كاد يناهز المئة ترك خوجة معمار سنان آغا عند وفاته قبل 431 عاما ما يقارب 365 أثرا معماريا حول العالم، بينها أكثر من 90 جامعا و55 مدرسة عثمانية، إضافة إلى العديد من المساجد الصغيرة ودور تحفيظ القرآن والأضرحة والمستشفيات والجسور والخانات والقصور والمخازن والحمامات وغير ذلك ليصبح أكبر معماريي عصره الذي تحتفظ إسطنبول وغيرها من المدن العثمانية بأعماله التي بناها بنفسه أو أشرف على بنائها.
كان الخوجة سنان الذي ولد لعائلة مسيحية في الأناضول رئيس المعماريين العثمانيين وأشهرهم خلال حكم السلاطين سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث، وأسلم في بداية العشرينيات من عمره وانضم إلى الجيش الانكشاري كمقاتل عثماني في شرق أوروبا وبلاد فارس.
وبفضل رحلاته مع حملات الجيش العسكرية عبر منطقة جغرافية واسعة تمتد على طول حوض البحر الأبيض المتوسط من الأناضول إلى إيطاليا والساحل الأدرياتيكي إلى أوروبا الوسطى، ومن أذربيجان إلى بغداد في آسيا، حيث أثرت معرفته المعمارية وزودته بثروة من الأفكار والموارد والحلول من عصور مختلفة، بينها السلجوقية والبيزنطية والإيرانية، كما اطلع على الطراز المعماري العربي وفنون العمارة في حلب ودمشق وحتى القاهرة التي عرفت بمساجدها في الزمن الأيوبي والمملوكي، مثل جامع السلطان حسن.
ومن ضمن الحملات العسكرية العثمانية التي شارك فيها سنان معركة بلغراد ومعركة النمسا وحملة بغداد وبوليا الإيطالية ومولدافيا في 1537.
كبير المهندسين المعماريين
وأثبت سنان قيمته كمهندس معماري، وتمت ترقيته إلى كبير المهندسين المعماريين بعد ضم العثمانيين للقاهرة، وحصل على امتياز هدم أي هياكل لا تلتزم بخطة المدينة في العاصمة المصرية، وساعد في وقت لاحق على بناء الدفاعات والجسور خلال الحملات العسكرية في الشرق العثماني.
وكان سنان مسؤولا عن تحويل الكنائس في المناطق التي تم الاستيلاء عليها إلى مساجد، وفي عام 1535 بنى سفنا عسكرية للحملة العثمانية على الأراضي الفارسية حتى يتمكن الجيش من عبور بحيرة فان.
وانعكست هذه المعرفة في أعماله المعمارية الرئيسية مثل جوامع السليمانية (1550-1557) والسليمية وياووز سليم، وتوزعت آثاره المعمارية حول الأراضي العثمانية، مثل مسجد خسرو باشا في حلب ومسجد خان جامعي في إيفباتوريا بشبه جزيرة القرم، ومسجد السلطان سليمان في دمشق، والقدس ومدرسة السلطان سليمان في مكة المكرمة، ومسجد محمد باشا في صوفيا، ومسجد مصطفى باشا في أوفن (بودابست)، وقصر محمد باشا في سراييفو.
حرص سنان على تطوير نموذج للجوامع تلائم احتياجات العبادة الإسلامية التي تتطلب مساحات واسعة مفتوحة للصلاة المشتركة، وتتوسط القبة المركزية الضخمة الجامع وتعد النقطة المحورية في التصميم.
وإضافة إلى القبة الضخمة برع سنان في استخدام القباب الأصغر والصحون الجانبية ذات القباب النصفية التي تساهم في رفع النظر من السطح الخارجي للقبة المركزية، واستخدم مآذن طويلة ورفيعة في الزوايا لإتمام الهيكل الذي حرص على أن ينقل الشعور بالقوة والمهابة.
وتحول سنان إلى مهندس الإمبراطورية، حيث أصبح رئيسا لفيلق كامل من المهندسين، بالإضافة إلى تدريب فريق من المساعدين والنواب والتلاميذ، وأصبحت بذلك مدينة إسطنبول بفضل جوامعها المميزة -التي صممها المعماري العثماني- الأشهر.
حياة سنان.. العسكري والمعماري
أبصر سنان آغا النور في قرية آغرناص الواقعة حاليا بولاية قيصري وسط تركيا عام 1490م وعاش في القرن العاشر الهجري في أوج العصر الذهبي للعمارة العثمانية.
وعند بلوغه سن الرشد أرسلته عائلته عام 1511 في عهد السلطان ياووز سليم إلى إسطنبول، حيث ترعرع قريبا من القصر العثماني وتلقى العلوم الدينية والدنيوية، ما جعله من أشهر المهندسين المعماريين والرسامين المبدعين إبان عهد بايزيد الثاني بن محمد الفاتح.
وفيما بعد انضم إلى الجيش الانكشاري الذي ظل فيه 17 عاما، ليلتحق بعد ذلك بمدرسة عسكرية ابتدائية تعلم فيها القراءة والكتابة والفنون التطبيقية.
وخلال فترة وجوده في صفوف الجيش الانكشاري تمكن المعماري سنان من نيل ثناء وثقة السلطان سليمان القانوني أثناء حملة “قرة بوغدان” في مولدوفا عندما تمكن من تشييد جسر على نهر “بروت” خلال 13 يوما فقط، الأمر الذي انتهى بتعيينه في منصب “كبير المعماريين” في الدولة العثمانية، بحسب وكالة الأناضول.
وعقب تعيينه في منصب “كبير المعماريين” بدأ المعماري سنان باعتماد توقيع له يحمل عبارة “الفقير الحقير سنان”.
ويعتبر جامع شاه زادة أول عمل للمعماري سنان في مدينة إسطنبول.
ومن أبرز أعماله المعمارية في إسطنبول ضريح خير الدين بارباروس باشا في منطقة بشيكطاش على الشق الأوروبي من المدينة، وكلية “أتيك والدة سلطان” بمنطقة أوسكودار، وقصر إبراهيم باشا بميدان السلطان أحمد، ومآذن جامع آيا صوفيا، وحمام ” كتخدا خسرو” بمنطقة أورتاكوي، ومدرسة “سميز علي باشا” في الفاتح.
لا شك أن من أهم الأعمال المعمارية لـ”سنان آغا” جامع السليمانية الذي يعد من أبرز واجهات إسطنبول.
ومن بين الآثار المهمة للمعماري سنان جامع السليمية بأدرنة القريبة من الحدود اليونانية الذي بني خلال فترة حكم السلطان سليم الثاني عام 1575.
وأشرف المعماري سنان على أعمال بنائه بين عامي 1569 و1575 وهو في العقد الثامن من عمره، ليلخص فيها خبرة السنين الطويلة في فن العمارة وهندسة البناء.
(المصدر: وكالة الأناضول / الجزيرة)