المعتَقد الدِّيني وتشكيل السِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة: جيمي كارتر نموذجًا 5 من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
تنتقل بنا الباحثة إلى نموذج آخر من داعمي جماعات نشر الكراهية تجاه المسلمين، وهو اليهودي الأرثوذكسي ديفيد يوروشالمي، آنف الذِّكر، والمعروف بدعمه للعديد من الجماعات المعادية للإسلام. في مقال له نشرته مجلَّة المسلم الأمريكي عام 2007، تحت عنوان ” War Manifesto — The War Against Islam –بيان الحرب—الحرب على الإسلام”، قال فيه يوروشالمي بالنصِّ “فيما يُعرف بالحرب العالميَّة على الإسلام، كنَّا واضحين تمامًا، إلى جانب ثلَّة من أولي الحزم: لا بدَّ أن تكون هذه الحرب حربًا على الإسلام وكلِّ المسلمين…على الجانب العملي، يعني ذلك حظر الشريعة الإسلاميَّة على الفور. وأيُّ مسلم في أمريكا يعتنق الشريعة التاريخيَّة أو يطبِّق السُّنَّة، ينبغي أن يكون عرضةً للترحيل. وستُغلق المساجد التي تلتزم بالشريعة الإسلاميَّة إلى الأبد. ولن يُسمح لأيِّ مسلم، صفةً أو ممارسةً، بالهجرة إلى هذا البلد”. وتعلِّق الباحثة معدَّة الدراسة على تصريحات يوروشالمي، معتبرةً أنَّه يخرج من دائرة القبول في المجتمع الأمريكي أيَّ مسلم يمارس الشعائر الدينيَّة الإسلاميَّة، ويقرن الإسلام المتشدد بالشريعة الإسلاميَّة.
تُلقي الباحثة رباب إبراهيم عبد الهادي، الأكاديميَّة الفلسطينيَّة، أستاذ الدراسات الإثنيَّة ودراسات العرق والمقاومة في جامعة سان فرانسيسكو الحكوميَّة، الضوء على حقيقة علاقة جماعات الضغط الصهيونيَّة في أمريكا بدعم الخطاب التحريضي ضدَّ المسلمين، من خلال تمويل جماعات نشر الكراهية تجاه الإسلام، في دراسة عنوانها ” الإسلاموفوبيا وصناعات اللوبي الإسرائيلي: علاقات متداخلة، وتوصيات لسياسات مناهضة العنصريَّة”. تتَّهم الباحثة جماعات الضغط الصهيونيَّة الضالعة بنشر رهاب الإسلام باستخدام العنصريَّة والترويج للخوف في إسكات وردع المدافعين عن القضيَّة الفلسطينيَّة، من علماء وباحثين ومعلِّمين. تتناول عبد الهادي في هذه الدراسة، تلك الصناعة الصهيونيَّة، وطبيعة تمويلها وأهدافها، موضحةً أنَّها “ليست بحركة شعبيَّة، إنَّما هي قوَّة عملاقة جيِّدة التخطيط وشديدة الترابط، تستخدم عن قصد أشكالًا مختلفة ممَّا تحتوي عليه ترسانتها العرقيَّة والكارهة للأجانب، في تسليح الهجوم على الإسلام والمسلمين، وبخاصة الفلسطينيِّين” (ص14).
تعتقد عبد الهادي أنَّ الإسلاموفوبيا ليس بظاهرة جديدة، إنَّما يعود إلى فترة الحملات الصليبيَّة الأوروبيَّة على المشرق الإسلامي خلال الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر للميلاد، وكذلك يرتبط بفترة طرد المسلمين العرب والأفريقيين من الأندلس نهاية القرن الخامس عشر للميلاد، تختصُّ الباحثة هذه الفترة بالاهتمام؛ كونها شهدت مرحلة بداية إطلاق الرحلات الكشفيَّة في المحيط الأطلسي، والتي أسفرت عمَّا يُعرف بـ “اكتشاف العالم الجديد”. في رأي عبد الهادي، استند المشروع الاستيطاني-الاستعماري في قارتي أمريكا الشماليَّة والجنوبيَّة، إلى تفسير معيب للكتاب المقدَّس لتبرير الإبادة الجماعيَّة لمواطني أمريكا الأصليِّين، وكذلك لإضفاء الشرعيَّة على عمليَّات خطف الأفريقيين واسترقاقهم واستعمار دول آسيا وأفريقيا. وتصف الباحثة المخضرمة تأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين استنادًا إلى وعد إلهي بالمثير للسخرية، خاصَّة مع إلصاق صفة الهمجيَّة والرجعيَّة بالعالم العربي، الذي ينتمي إليه الفلسطينيُّون، بما يتناقض مع الحضارة والمدنيَّة للثقافة الغربيَّة، التي يتماهى معها بنو إسرائيل. وتُعزى التفرقة العنصريَّة بين الشرق والغرب في الدرجة الأولى إلى ما نشره المستشرقون من أباطيل عن تفوُّق الغرب على الشرق بما يؤهِّل الغرب لفرض سيادته على المشرق الإسلامي. هذا، وترى عبد الهادي أنَّ صناعة الإسلاموفوبيا في العصر الحديث من قِبل اللوبي الصهيوني تحاكي طرق المستشرقين في الماضي، من حيث توظيف الأفكار العنصريَّة والاستعماريَّة في تقديم رجال العالم الإسلامي بوصفهم منحازين للذكور، وكارهين للإناث، ومتعطشين للدماء، فيما تُنعت نساء المسلمين بالاستسلام للظلم، وكذلك بالعجز أمام سطوة الرجال.
تخصص الدكتورة رباب عبد الهادي جزءً من دراستها لتناوُل العلاقة المتداخلة بين الإسلاموفوبيا وصناعات اللوبي الإسرائيلي، من حيث الارتباطات والتمويل والأهداف. كشفت الشبكة اليهوديَّة الدوليَّة المناهضة للصهيونيَّة (IJAN) في تقريرها المعنون The Attack on the Palestinian Movement and Other Movements for Justice: The Business of Backlash-عمليَّة الرد العنيف: الاعتداء على الحركة الفلسطينيَّة والحركات الأخرى للسلام (2015)، عن طبيعة اللوبي الإسرائيلي، من حيث آليَّات التكوين، والأعمال، والارتباطات، والتمويل، موضحًا أنَّ صفوة المجتمع من أعضاء اللوبي أخفوا عن الفحص العام بيانات هامَّة، على رأسها بيانات ماليَّة. يشير التقرير أنَّ بحلول عام 2015، تبيَّن استثمار 300 مليون دولار أُنفقت بصورة مباشرة في دعاية وأعمال مراقبة وحروب قانونيَّة، من أجل إسكات العلماء الفلسطينيين وكتم الحُجَّج والدفاعات الموجَّه لصالح القضيَّة الفلسطينيَّة. ويأتي على رأس قائمة الممولين مليارديرات يهود فاحشو الثراء يعتنقون الفكر اليميني، من بينهم الإخوة كوك، وشيلدون أديلسون، ومؤسسة برادلي، ومؤسسة كوريت، وحاييم صبَّان، وهو رجل أعمال أمريكي-إسرائيلي من أصول مصريَّة. ويوصف صبَّان بأنَّه أكبر ممولي الحملات الانتخابيَّة للحزبين الديموقراطي والجمهوري، وقد ألقى بسهمه في انتخابات الرئاسة لعام 2016 بدعم حملة هيلاري كلينتون، مرشَّحة الحزب الديموقراطي، بـ 7 ملايين دولار. في المقابل، وعدت كلينتون بأن تجعل من أولويَّاتها التصدي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وهي حركة فلسطينيَّة غير حكوميَّة تستهدف “المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولي والمبادئ العربية لحقوق الإنسان”، كما تعرِّف نفسها عبر موقعها. يتضمَّن تقرير الشبكة اليهوديَّة الدوليَّة المناهضة للصهيونيَّة قائمة بـ 32 من الجماعات والمنشورات استهدف معظمها مهاجمة العلماء الفلسطينيين بصفة عامَّة، وفي جامعة سان فرانسيسكو الحكوميَّة بصفة خاصَّة.
تشير عبد الهادي إلى أنَّ العلاقة بين الإسلاموفوبيا والعنصريَّة تجاه الفلسطينيين، قد تبلورت حديثًا، ضاربةً المثل في ذلك بسيِّدة الأعمال الأمريكيَّة نينا روزنوالد، التي أسست معهد غايتستون، وهو عبارة عن خليَّة تفكير تتبنَّى الفكر اليميني، وتتَّسم منجزاته الفكريَّة بمعاداة الإسلام. تموِّل روزنوالد أشهر ناشري الكراهية ضدَّ المسلمين، أمثال روبرت سبنسر، وفرانك جافني، وديفيد هورويتز، علاوة على لجنة الشؤون العامة الأمريكيَّة الإسرائيليَّة (الإيباك)، وهي جماعة الضغط اليهوديَّة الأعلى تأثيرًا في الولايات المتَّحدة. غير أنَّ جهود تلك الشبكة المتداخلة لم تؤتِ بثمارها؛ فاستطلاعات الرأي تثبت أنَّ الشعب الأمريكي يميل الاصطفاف مع سائر شعوب العالم في مساندة قضيَّة الشعب الفلسطيني، وتستشهد عبد الهادي في ذلك بنتائج خرج بها مركز بيو الأمريكي للأبحاث في يناير 2018 ميلاديًّا، أنَّ دعم إسرائيل انخفض من 45 بالمائة عام 1948 ميلاديًّا، إلى 38 بالمائة في هذه الآونة، وليس أدلُّ على ذلك أكثر من رد الفعل السلبي الجماعي تجاه قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بدعم ضمِّ القدس إلى دولة إسرائيل بوصفها عاصمتها الأبديَّة. تضيف عبد الهادي أنَّ استطلاعات الرأي الحديثة أثبتت وجود معارضة لسياسات إسرائيل بين شباب أمريكا؛ فاليهود من شباب أمريكا، على سبيل المثال، يحجمون عن إسرائيل ويرفضون تحدُّثها باسمهم، وفق ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة بتاريخ 22 يناير 2018، نقلًا عن تحذير للمدير التنفيذي للوكالة اليهوديَّة.
وبرغم حرص العديد من الجماعات اليهوديَّة المناهضة للصهيونيَّة على التعبير عن معارضتها لإسرائيل وسياساتها، ومن بينها الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP)، الشبكة اليهوديَّة الدوليَّة المناهضة للصهيونيَّة (IJAN)، وجماعة لو ليس الآن، يبرع اللوبي الإسرائيلي في إيجاد وسائل لإسكات الأصوات المطالبة بحقوق الفلسطينيين. ولعلَّ الاتهام بمعاداة الساميَّة من أشهر وسائل ممارسة الضغوط على مناصري القضيَّة الفلسطينيَّة، من خلال العزل وتلطيخ السمعة وتدمير المسيرة المهنيَّة، هذا إلى جانب الاتهام بترويج الفكر الداعم للإرهاب ضمن “الحرب على الإرهاب” التي شُنَّت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر الشهيرة؛ وقد يصل الأمر إلى حدِّ الاغتيال وتلفيق التُّهم الجنائيَّة.
تختتم الدكتورة رباب إبراهيم عبد الهادي دراستها المفصَّلة بالتشديد على ما أثبتته الدراسة عن التداخل، أو لتقل التوافق والتناغم، بين حملات بثِّ الكراهية تجاه المسلمين وأهداف اللوبي الإسرائيلي، الذي ثبت ضلوعه بتمويل العديد من جماعات نشر الخطاب العدائي والتحريضي ضدَّ الإسلام ومعتنقيه. وتشير الباحثة كذلك إلى حقيقة أنَّ الهجمة العدائيَّة ضدَّ الإسلام في الولايات المتَّحدة هذه الآونة ليست جديدة أو استثنائيَّة، بل هي امتداد للخطاب العنصري الكاره للأجانب، الذي تروِّجه الجماعات العنصريَّة، والتي تشجَّعت وازدادت جرأة بوصول دونالد ترامب إلى السُّلطة في يناير 2017 ميلاديًّا.
تتناول الباحثة ديبا كومار، أستاذ الإعلام ودراسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية نيو جيرسي (روتجرز) استغلال إثارة المشاعر السلبيَّة تجاه المسلمين فيما يُعرف بـ “الحرب على الإرهاب”، في دراسة عنونتها “Expanding the Definition of Islamophobia: Ideology, Empire and the War on Terror-توسيع نطاق تعريف الإسلاموفوبيا: الأيديولوجيَّة، والإمبراطوريَّة، والحرب على الإرهاب”. تستهل الباحثة دراستها بتساؤلها عن سبب الارتفاع الشديد لعدد جرائم الكراهية ضدَّ المسلمين في الآونة الأخيرة، برغم مرور ما يزيد على عقد ونصف على أحداث 11 سبتمبر، وبرغم عدم وقوع حدث على نفس الدرجة من الخطورة والتهديد؛ أمَّا عن الرد على هذا التساؤل، فهو يتوقَّف على طبيعة فهمنا للإسلاموفوبيا، من حيث الهويَّة والمصادر والأهداف.
وفق تقرير تحت عنوان “Terrorism in America after 9/11-الإرهاب في أمريكا في أعقاب 11/9″، أعدَّته مؤسسة أمريكا الجديدة البحثيَّة، لم يتجاوز عدد القتلى الأمريكيين على يد جهاديين منذ أحداث 11 سبتمبر 100 شخص، بينما بلغ عدد ضحايا العنف المسلَّح خلال الفترة ذاتها 400 ألف شخص. ومع ذلك، يواجه المسلمون يوميًّا تصرفَّات عدائيَّة، تتمثَّل في الهجوم اللفظي، والسباب، والنبذ، وكلُّها من أشكال ما يُعرف بـ “الاعتداءات الصغيرة”، التي تسفر عن صدمات نفسيَّة، وتنعكس بالسلب على الصحَّة ونسبة النجاح الشخصي.
المصدر: رسالة بوست