مقالاتمقالات مختارة

المصطلحات ودلالاتها وخطورتها

المصطلحات ودلالاتها وخطورتها

بقلم المحامي عبد الناصر حوشان

تختلف المصطلحات حول أي قضية  باختلاف وجهات النظر ،وبحسب موقف لأطراف ،والثورة السورية من أهم هذه  القضايا المعاصرة التي أثارت الجدل حول طبيعتها فهي بالنسبة للثوار والأحرار ثورة شعبية ضد نظام حكم استبدادي  مجرم تهدف للخلاص منه و استعادة حقوقه المغتصبة في الحرية والكرامة ، ويراها النظام السوري المجرم مجرد أزمة عابرة تسبب بها مجموعة من العصابات المسلحة المرتبطة لجهات خارجية متآمرة على البلاد  تستهدف النيل من وحدتها وسيادتها ويتعامل مع الثوار على أنهم مجموعات إرهابية ، بينما ترى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي  أن ما يجري في سورية هو ” حرب أهلية “؛  وحيث أن  لكل مصطلح  من هذه  المصطلحات دلالات سياسية وقانونية  تنعكس على حقوق السوريين الأحرار وعلى مصير الثورة و على المجتمع السوري بشكل عام ، مما يقتضي تعريف كل مصطلح و دلالته وآثاره القانونية .

  • أولا  : الثورة :
    • الثورة هي انقلاب  جذري على الوضع القائم سياسية و اجتماعيا و دستوريا تقوم به مجموعة من المواطنين  بهدف القضاء على الاستبداد والدكتاتورية و المطالبة بنظام حر ديموقراطي يحقق العدالة و المساواة و يكرس المواطنة و احترام الحقوق و كرامة و حرية المواطن وتعزيز الروح الوطنية بما يحقق وحدة المجتمع وتماسكه وصيانة وحدة اراضي البلاد و الدفاع عنها و ارساء مبادئ توزيع السلطات والفصل بينها ،و الثورة حق مشروع للشعوب التي تعاني من الاستبداد  والفساد و الظلم والقهر وانتهاك الحرمات وهو صراع بين شعب ونظام حكم تقوده طعمة من المجرمين والفاسدين .
    • وهي الأساس القانوني والسياسي للثورة السورية وهو أهم الثوابت التي يجب أن يتمسك بها كل حر ،فهي مصدر شرعيته و مستند حقوقه القانونية و ضمانة لتحقيق أهداف الثورة وانتصار قيمها ومبادئها كونها تنبع من المطالبة بالحقوق الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية  والقوانين الوضعية وأهمها حق الشعوب بتقرير مصيرها و حماية حقوقها في الحرية والكرامة ..

ثانيا: العصيان المسلح او ما يطلق عليه النظام مصطلح الازمة :

  • الثورة بنظر النظام المجرم مجرد أزمة داخلية بين السلطة الشرعية و مجموعة من المتمردين الذين يشكلون مجموعات إرهابية مسلحة تعمل لصالح أجندات أجنبية معادية  على انتهاك سيادة الدولة و تفكيك  وحدة شعبها وتقسيم أراضيها، تعتمد هذه الجماعات  الإرهاب وسيلة لذلك  ،ويترتب على هذا التعريف ما يلي :ان الثورة هي عصيان مسلح و ضرب من ضروب  الإرهاب الدولي وبالتالي فإن ما يقوم به الثوار هو خروج عن القانون والدستور و ان حربه على الإرهاب تتفق مع القانون الدولي  .أن ما يقوم به النظام  هو حق قانوني يكفله القانون الدولي والدستور والقوانين الوطنية ، مما يشرعن كل جرائم الحرب والجرائم  ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري .اعتبار النزاع ازمة داخلية يفرض على المجتمع الدولي احترام سيادة و استقلال البلاد وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ،مما يعني استفراد النظام بالشعب الثائر والتنكيل به بعيدا عن الرقابة الدولية و الافلات من  العقاب  .تنقلب مسؤولية بشار الأسد وأركان نظامه من مسؤولية جنائية التي تقوم على العقوبة وجبر الضرر ورد الحال على ما كان  إلى مسؤولية تقصيرية الناتجة عن الاهمال و عدم اتخاذ  الحيطة والحذر و تعطيه الحق بالتمسك بأحكامها والتي تقوم على نظريات  ” مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعه و المسؤولية عن حراسة الأشياء و المسؤولية عن حراسة الحيوان و عن أعمال  التعسف باستعمال الحق و والتذرع باحكام  الدفاع  المشروع و حالة القوة القاهرة وحالة الضرورة و فعل الغير و تطبيق القانون و تنفيذ الالتزامات الدستورية “. وهذا هو الخطر الجسيم الذي يحاول النظام السوري تكريسه من خلال تمسكه بحقه في محاربة الإرهاب و محاولة اقناع المجتمع الدولي بدعمه في هذه  الحرب باعتبار ان هذا الارهاب مصدر كل الشرور في العالم ويهدد الامن والسلم الدوليين وهو ما دفع الكثير من الحكومات وأجهزة الاستخبارات الدولية للتعاون معه مما اطال بقاءه و تسبب يتفاقم مآسينا .ج‌-    تنتهي الازمة اما بالقضاء على العصابات الإرهابية او باستسلامها و الخضوع لقوانين وتشريعات النظام  و محاكمات و أحكام قضائه  الجائر.

ثالثا: الحرب الأهلية :

  • هي حرب داخلية أطرافها  ” جماعات مختلفة من السكان كل فرد فيها يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس الحيز الجغرافي . وتتعدد وتتنوع الأسباب المقدمة لنشوء الحروب الاهلية  ” سياسية ، دينية ، طبقية،  طائفية  ، عرقية ، إثنيية ، مذهبية ، إقليمية ” استقر العرف  الدولي على أن  الحل الأكثر نجاعة لها على مدى العصور التفاوض السلمي.
    • تتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، وتفرق بين الأهل والجيران فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والتوازن والوئام.
    • ب‌-   تشكل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة المعرضة لمثل تلك الحروب التداخل الصراعات الدولية والإقليمية مع الحرب الأهلية ،مما بدفع الحكومة إلى معاملة الفريق الثائر كطرف في حرب اجنبية غير عادية وذلك بغية التحلل من الالتزام بقواعد الحرب، كحماية الأسرى وتجنب محاكمتهم كخونة وعدم اللجوء إلى الأخذ بالثأر.
    • ت‌-   تثير الحروب الاهلية صراعات وأصطفافات  عقائدية و إثنيية و عرقية و طائفية و فكرية و طبقية  ”   تنعكس سلبًا على أساليب و  آليات حلول إنهاء الحرب الأهلية وتتجلى بالتمسك بالهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية و الانتماء العرقي أو الطائفي  الاثني  او المذهبي او الطبقي او الديني على حساب الانتماء  الوطني و تكريس  المحاصصات  الطائفية والعرقية والدينية على حساب الوحدة الوطنية و ابتداع مفاهيم مستحدثة لا تتناسب مع أخلاقيات و عقائد  و عادات المجتمع تطيح بالتراث الحضاري للشعب .
    • خلق أزمة دستورية وقانونية من خلال تكريس مفهوم الحرب الأهلية حيث ظهرت نتيجة هذا الافتراض الخاطئ  عدة مصطلحات ومفاهيم  لا علاقة لها بالثورة لا من حيث الشكل ولا المضمون يتم فرضها مضامين دستورية وتكريسها كنصوص عليا مقدسة لا يجوز المساس بها مثل ” العلمانية ،الجندرة، فصل الدين عن الدولة ، الهوية العرقية و الاثنية، حقوق الأقليات وحمايتها ، مبادئ فوق دستورية .
    • بما أن التفاوض هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية  ،فرض على السوريين حصرية الحل بما يسمى الحل السياسي ونقل السلطة و الذي تمت قرصنته من قبل روسيا عبر مسار سوتشي واستلام و  مؤتمر الرياض ٢ و الذي انبثق عنه اللجنة الدستورية والتي ظهر دورها في تخريب الثورة و التعدي على ثوابتها وكشفها من خلال تمرير المفاهيم التي تخدم مصالح النظام و المجتمع الدولي والدول  المتصارعة في سورية  على حساب الثورة والثوار .
    • تقوم العدالة في الحرب الأهلية على قاعدة ” الجميع شركاء في المسؤولية و الجميع شركاء في تحمل النتائج ” يعني يتساوى الجاني والضحية بالمسؤولية الجنائية بالتالي عدم إمكانية محاسبة الجميع جنائيا مما يجعل الخيار الوحيد للحل هو ” جبر الضرر ” ومن أبرز  تطبيقاتها :
  •  ” العدالة الإصلاحية ” التي تتعلق بجرائم الدم و الجراح والاعتقال التعسفي والتغييب القسري والاغتصاب والتهجير القسري والحصار و استخدام الأسلحة الكيميائية ، وهي نقيض العدالة الانتقالية التي تقوم على المحاكمة الجنائية و التعويض  وجبر الضرر ورد المظالم .
    • العدالة التعويضية : وتتعلق بجرائم  الاعتداء على الأموال المنقولة  وغير المنقولة و ينحصر حق المتضرر بالتعويض إذا تم التصرف بهذه الأموال من قبل المعتدين ،وهو تكريس لعمليات غصب العقارات والاستيلاء عليها بموجب القوانين العقارية و عمليات التزوير مثل قانون ١٠ لعام ٢٠١٨ و المرسوم ٦٦ لعام ٢٠١٢ و قانون التطوير العقاري وقانون تملك الأجانب وقانون تملك الشركات الأجنبية و قانون إعمار العرصات وقانون إزالة الأنقاض وغيرها من القرارات الأمنية.
    • العدالة التوزيعية : وتعني توزيع المسؤولية عن الأضرار في الأرواح ،و الممتلكات والأموال على الجناة والضحايا والمجتمع .
    • تحل لجان المصالحات و  لجان التفاوض والوجهاء محل القضاء و المحاكم مما يفتح باب سطوة اصحاب النفوذ  والمال والسلطة والقوة على حساب العدالة والقضاء و الذي يفترض فيه الحيادية والشفافية و الاستقلال ، و تمتد عمليات المصالحة عشرات السنين بينما التقاضي أمام المحاكم أسرع و أكثر عدلا وإنصافا

أهم وأخطر ما يكرسه مفهوم الحرب الأهلية ،و يتلاقى مع مفهوم النظام للثورة بأنها عصيان مسلح، و حرب على الإرهاب  هو براءة السلطة عن جرائم  الحرب والجرائم ضد الإنسانية باعتبارها ضحية الحرب ،و أطرافها الطامعين بالاستيلاء على السلطة ونزعها من يدها الأمر الذي يوجب عليها تحمل مسؤوليتها الدستورية والقانونية.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى