مقالاتمقالات مختارة

المشير سوار الذهب.. النموذج المفقود

المشير سوار الذهب.. النموذج المفقود

بقلم د. أحمد زكريا

شخصية نادرة لا تنسى، شرفت برؤيته منذ حوالي ثلاثين سنة في عام 1991، وانا في العام الأول الجامعي بكلية  دار العلوم، قابلته في مدينة العريش في أحد فنادقها لحضور مؤتمر الدعوة والإغاثة، والذي كان المشير سوار الذهب نائبا لرئيسه، الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر آنذاك.

وكان الحدث الضخم الذي سجله سوار الذهب في عالمنا العربي،الذي تشرب عبادة الكراسي ، وعشق السلطة، فقل أن تجد حاكما يترك السلطة إلا مقبورا أو مسجونا أو منفيا، فجاء سوار ليضع بصمته على جبين التاريخ بتخليه الطوعي عن السلطة ، والاتجاه التام لخدمة الدعوة الإسلامية.

رأيت جبلا أشما في قمة التواضع، أسدا مهابا لا تفارق البسمة وجهه.

أقبلت عليه وأنا في شرخ الشباب مبهورا بلقاء رئيس تغنى العالم بزهده في السلطة، وتخليه عن بريق الشهرة الذي أخذت بلباب الكثيرين، بل أريقت الدماء، وانتهكت الحرمات من أجلها!

كيف له وهو القائد العسكري الموهوب والمحبوب في ذات الوقت من كل طوائف الشعب السوداني، أن تعظم همته ، وتتعالى نفسه عن حظوظها في حب المكانة والجاه؟

سجلها سوار الذهب بحروف من نور : الجيش وقادته مكانهم حفظ الحدود،لا اعتلاء الكراسي والمناصب!

فضرب النموذج وكان القدوة، ولكنه للأسف نموذجا فريدا مفقودا في واقعنا المعاصر،بل والقديم!

وبعد رحلة رائعة من العطاء والبذل لدين الله من غير ضجيج، لقي ربه الخميس 18 -10-2018 ، حيث توفي بالمستشفى العسكري بالعاصمة السعودية الرياض، عن عمر ناهز الـ83 عاما.

 وهذه نبذة مختصرة عن هذا العملاق:

ولد سوار الذهب في مدينة الأبيض عام 1935، وتخرج من الكلية الحربية عام 1956 وتدرج في السلك العسكري.

في عام 1971 وأثناء انقلاب العسكري السوداني الرائد، هاشم العطا، رفض تسليم حامية مدينة الأبيض العسكرية عندما كان قائدا لها، حتى استعاد الرئيس الخامس للسودان جعفر نميري مقاليد الحكم بعد أيام قليلة.

ورغم هذا الموقف فقد أُبعد تعسفيا عن السودان إلى قطر حيث عمل هناك مستشارا عسكريا للشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وقد كان أول من فصل الجيش عن الشرطة في قطر وأسس كيانين مستقلين هما شرطة قطر والقوات المسلحة القطرية.

وبعد أن غيرت القيادة السودانية موقفها منه عاد إلى البلاد ليتولى منصب رئيس الأركان ووزير الدفاع.

وفي أعقاب انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بحكم جعفر نميري تولى سوار الذهب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي ورقي لرتبة المشير.

وقد تعهد بعد تسلمه السلطة بأن يتخلى عنها خلال عام واحد لحكومة منتخبة.

وبالفعل بعد عام قام بتسليم السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي.

وعقب ذلك اعتزل العمل السياسي، وترأس منظمة الدعوة الإسلامية التي اتخذت من السودان مقرا لها، ومن إنجازات تلك المؤسسة بناؤها العديد من المدارس والمستشفيات والعيادات وملاجئ الأيتام.

وفي عام 2004 فاز سوار الذهب بجائزة الملك فيصل السنوية المخصصة لمن قدم خدمات جليلة للدين الإسلامي. وكان من أسباب اختياره لتلك الجائزة المرموقة كما قالت اللجنة: إن سوار الذهب قد اختير بين 13 شخصية إسلامية عامة رشحت للجائزة في ذلك العام.

وقالت: إن الاختيار جاء بناء على “العمل النبيل الذي كان محل افتخار للعالمين الإسلامي والعربي”.

رحم الله سوار الذهب،وجعل منه نموذجا يحتذى.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى